إيران وسوريا ولبنان.. المعركة الوشيكة

2020.07.26 | 00:01 دمشق

afp-065fc7b12339be229df8b81892f62f58191af946.jpg
+A
حجم الخط
-A

يستنفد لبنان أيامه الأخيرة. مفاعيل الأمر الواقع المفروض بنتائج حرب 2006 وتداعياتها انتهت تقريباً. قواعد الاشتباك التي كانت تحكم الحدود والاحتكاكات بين حزب الله وإسرائيل ما عادت ثابتة. أما هيمنة حزب الله على لبنان، فقد وصلت ذروتها تحكماً وفشلاً في آن معاً. البلد ما عاد قادراً على الاستمرار على المنوال نفسه.

الحزب أول العارفين أن موعد الاستحقاق الكبير يقترب، والخيارات محدودة وصعبة. فبعد أكثر من 14 عاماً من "تطبيع" المجتمع الدولي والعالم العربي وقسم راجح من اللبنانيين مع واقع سيطرة حزب الله على القرار اللبناني، وضمناً حرية حركته الأمنية والعسكرية والمالية، ونفوذه على المعابر والحدود والمرافئ البرية والبحرية والمطار، وتغلله في مؤسسات الدولة وأجهزتها، واستتباع لبنان عملياً للمحور الإيراني، وتسخير البلد ومقدراته في الحرب السورية لدعم النظام الإجرامي في دمشق.. يبدو أن هذا التطبيع انتهى ولم يعد مقبولاً.

لبنان اليوم في عزلة تامة، حتى أن زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى بيروت، يومي الخميس والجمعة الماضيين، كانت أشبه بإنذار أخير، وبنبرة توبيخية: لا مساعدات، ولا خطة إنقاذ، ولا دعم سياسي أو معنوي أو ما شابه. ففي الشق الاقتصادي كانت الكلمة: أصلحوا أنفسكم. أما الشق السياسي فيُختصر بعبارة: الحياد والنأي بالنفس. وهذه تفسيرها الوحيد، الابتعاد عن إيران والأسد.

في بيروت كان قول لودريان: لبنان على حافة الهاوية. تنبيه جدّي وصارم. ففرنسا التي ترى نفسها "راعية" للبنان، تجد نفسها عاجزة عن إنقاذه إن استمر في واقعه السياسي وخياراته الانتحارية التي فرضها حزب الله وحلفاؤه ومحور الممانعة ككل.

المعلوم أن لبنان لا يتنفس ولا يتغذى إلا بوصل شرايينه بالعالم العربي وبتنشق الأوكسيجين من الفضاء المتوسطي والغربي. هذا ليس مجرد خيار بل شرط تكويني ووجودي لهذا البلد الصغير. كذلك، استقراره وأمنه واقتصاده وانسجامه الأهلي لا يكون إلا بالحفاظ على التوازنات الدقيقة بين الجماعات والطوائف، بسياسة تسوية مرنة، وبحد معقول من تسامي الدولة فوق الطوائف. لكن أيضاً منذ 14 عاماً، ما فعله حزب الله أنه قطع تلك الشرايين وذاك الأوكسيجين وكسر التوازن الداخلي بغلبة غليظة وفجة وعنيفة، وجر لبنان إلى أتون صراعات المنطقة على نحو لا يمكن للبنان تحمّله واستيعاب تبعاته الكارثية.

لم ينتبها أو لم يأخذا جدياً، لا الحزب ولا الحكومة التابعة له، "الهجوم" الأميركي على لبنان، بدبلوماسية العقوبات والضغوط والحصار والعزل والمعاقبة، على نحو حثيث ومثابر ومنهجي.. وفي أدق التفاصيل، إلى حد تدخل واشنطن في مسألة إزاحة نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري من منصبه، أو في مسألة استيراد المازوت وصولاً إلى أي صفقة تجارية تعقدها الحكومة. وهذا عدا عن مسائل كبرى أعقد وأهم: ترسيم الحدود مع سوريا وإسرائيل (براً وبحراً)، المعابر غير الشرعية التي يستخدمها الحزب، الصواريخ، العلاقات مع نظام الأسد ومع إيران.. إلخ.

كان الظن أن أميركا كالعادة تعاقب إيران وحزب الله وتميز الدولة اللبنانية عنهما. هذا تقريباً انتهى. الجميع ينظر إلى لبنان بوصفه بلداً مخطوفاً وحكومته "من لون واحد" وتابعة ومنصاعة للحزب.

صحيح أن حزب الله وسياسته ليسا السبب الوحيد في الانهيار الاقتصادي والمالي، لكنه بات العائق الأكبر للخروج من الانهيار، طالما أن "إنقاذ" لبنان متصل بشروط سياسية دولية وعربية، علاوة عن الشروط التقنية الاقتصادية والإدارية (كمحاربة الفساد). بالإضافة إلى أن الانهيار هو ترجمة طبيعية أيضاً لانعطاب النظام السياسي وتعطيل الديموقراطية وآليات إنتاج السلطة على نحو طبيعي. وهذا بدوره شديد الارتباط بهيمنة حزب الله على الحياة السياسية.

الأميركيون والأوروبيون والعرب، يتكلمون تقريباً بلسان واحد: على الدولة اللبنانية تنفيذ أجندة 17 تشرين، أي جملة المطالب الشعبية التي تبلورت في ثورة خريف 2019. وبما أن حزب الله، ارتكب واحدة من أكبر أخطائه، معلناً عداءه لهذه الثورة، أصبحت أجندتها ممسكاً "شرعياً" لإضعاف سيطرة الحزب على لبنان.

ومن الواضح، أن المسار الداخلي يتماشى صداماً مع حزب الله، بالتوازي مع سلسلة "الاشتباكات" الكبرى التي يجد فيها الحزب محاصراً بها خارجياً، من سوريا إلى العراق واليمن وصولاً إيران ورجوعاً إلى الضربات التي يتلقاها هو والنظامان السوري والإيراني من القنيطرة إلى أصفهان..

كل المؤشرات التي تدلنا عليها الغارات والاغتيالات والتفجيرات والعقوبات وحشود الجيش الإسرائيلي والحركة العدوانية للطائرات الأميركية ضد الطائرات المدنية الإيرانية المتجهة إلى بيروت، تقول إن الخناق أضحى لا يطاق.. وإيران وحزب الله لا يمكنهما الاستسلام ببساطة. فيما الطرف الآخر يتعمد المزيد من الاستفزاز والخنق كما لو أنه يريد ذريعة لتفجير صاعق المواجهة الكبرى.

والأوضح، أن هكذا مواجهة لن تكون محصورة في جبهة واحدة بل عابرة للحدود، على امتداد الطريق من طهران إلى بيروت. أما "إنقاذ" لبنان فمؤجل إلى ما بعد تلك المعركة، الوشيكة في نظر الكثيرين.