إيران ليست عدواً في الخفاء ولا صديقاً في العلن

2019.11.21 | 15:49 دمشق

alnfaq_alamryky_alayrany.jpg
+A
حجم الخط
-A

(لا نريد تغيير النظام في إيران، ولكن نريد تغيير سلوكه)، هذه العبارة التي تكاد تختزل الموقف الأمريكي حيال إيران تبدو محيّرةً لأول وهلة، فهل الإدارة الأمريكية حقاً لديها القناعة بإمكانية تغيير النهج السياسي للنظام الإيراني مع الحفاظ على هويّته السلطوية والإيديولوجية ذات الصلة العضوية بنهجه السياسي؟ أم هي التعبير البراغماتي الذي تعتمده واشنطن – إعلامياً – في مواجهتها لسياسات إيران في المنطقة؟ علماً أن الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب على وجه العموم، ليسوا بحاجة لمزيد من البراغماتية حين تستدعي مصالحهم فعلَ أيّ شيء، في أيّ مكان من العالم، وهذا ما حصل في بنما والعراق وليبيا وبلدان أخرى.

ما هو راجح أن الرئيس ترامب، والذي أربكت مزاجيته وردّات فعله أركان الإدارة الأمريكية قبل سواها، لم يكن صاحب بدعة، أو سابقة جديدة في تعامله مع إيران، بل لديه إرث استراتيجي قد راكمته الإدارات الأمريكية السابقة، وكأن لسان حاله يقول: ليس مطلوباً مني مواجهة الطاعون الإيراني الذي يجتاح المنطقة، طالما أننا – نحن الأميركيين – قادرين على التحكّم، بل واستثمار انتشار الوباء المنبعث من طهران.

ليس المراد من هذا الكلام تكريس الاعتقاد بمؤامرة، أو مؤامرات، أو تفاهمات سرّية بين واشنطن وطهران، تستهدف دول وشعوب المنطقة، بل لعلّ المراد هو الوقوف عند ما هو مُعلنٌ وسافرٌ، ليس بين حكومتي ترامب وخامنئي فحسب، بل بين الموقف الاستراتيجي الأمريكي من الدولة الخمينية في الأصل.

(إيران ليست عدواً في الخفاء، ولا صديقاً في العلن)، ربما أتاحت هذه الاستراتيجية الأمريكية للرئيس رونالد ريغان، إبان وصوله للبيت الأبيض في تشرين ثاني 1980، أن يرسي دعائمها على المستوى الفعلي

(إيران ليست عدواً في الخفاء، ولا صديقاً في العلن)، ربما أتاحت هذه الاستراتيجية الأمريكية للرئيس رونالد ريغان، إبان وصوله للبيت الأبيض في تشرين ثاني 1980، أن يرسي دعائمها على المستوى الفعلي، حين منح إسرائيل الضوء الأخضر بتسليح إيران، مقابل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين لدى إيران في عهد الرئيس جيمي كارتر، وقد بادله (الخميني) آنذاك مشاعر (حسْن النيّة) حين قدّم لريغان هديّة، قوامها واحدٌ وعشرون رهينة، أُطلق سراحهم كهدية للرئيس الجديد بعد يوم واحد من دخوله الأبيض، وقد أدّى تبادل مشاعر حسْن النوايا فيما بعد إلى إطلاق سراح بقية الرهائن الأمريكيين، لتتبعها (أوسع عملية تسليح لإيران، تقوم بها إسرائيل) وقد تضمنت تلك العملية تزويد إيران (بدبابات وذخيرة وقطع غيار للطائرات وأجهزة إلكترونية)، وفقاً لما أورده السيد كمال ديب في كتابه ( تاريخ سورية المعاصر)، والذي يؤكد أيضاً، أن الهجوم الذي قامت به الطائرات الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي في حزيران 1981، إنما كان بأسلحة أمريكية، وبمعلومات استخبارية أمريكية.

ويذهب السيد نشوان أتاسي في كتابه (تطور المجتمع السوري)، والذي يؤكّد على ما ورد في كتاب كمال ديب السابق، إلى أن الدعم العسكري الأمريكي الإسرائيلي للخمينية الصاعدة آنذاك، لم ينف – بأيّة حال – استمرار التصعيد الإعلامي ضد إيران، إذ في الوقت الذي كانت فيه الحملة الإعلامية الأمريكية الإسرائيلية مستمرةً تجاه إيران، باعتبارها الدولة المموّلة للعنف، والداعمة للإرهاب وعمليات الخطف، وأنها هي التي تقف وراء الهجوم الذي استهدف قوات المارينز والرعايا الأمريكيين في لبنان عام 1985 ، ولكن على الرغم من ذلك كله، فقد وافق الرئيس ريغان في العام ذاته، على أن تستمر إسرائيل بتزويد إيران بما لديها من سلاح، على أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتعويضه لإسرائيل، وبالفعل شهد العام 1986 فضيحة كبرى، هي ما يدعى ( إيران غيت ) حول دور إدارة الرئيس رونالد ريغان بتزويد إيران بالسلاح، عبر الوسيط الإسرائيلي، بقيمة مالية بلغت مليارات الدولارات.

استمر الهجوم الإيراني المضاد على الولايات المتحدة، باعتبارها (الشيطان الأكبر)، إلّا أن الجدوى الحقيقية من وراء المهاوشات الإعلامية التي استمرّ سعيرها طيلة فترة الرئيسين جورج بوش الأب والابن، لم تسفر عن أي مواجهة فعلية بين الطرفين

لقد أفلحت الماكينة الإعلامية الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 1992، في إيجاد موقف إعلامي غربي صارم، ودائم التنديد بالسياسة الإيرانية، باعتبارها إحدى محاور الشر في المنطقة، كما استمر الهجوم الإيراني المضاد على الولايات المتحدة، باعتبارها (الشيطان الأكبر)، إلّا أن الجدوى الحقيقية من وراء المهاوشات الإعلامية التي استمرّ سعيرها طيلة فترة الرئيسين جورج بوش الأب والابن، لم تسفر عن أي مواجهة فعلية بين الطرفين، في حين لم يتردّد بوش الأب في إنشاء تحالف دولي يتألف من 32 دولة للهجوم على العراق(1991) بسبب غزوة للكويت، وكذلك لم يتردّد بوش الابن، بعد اثنتي عشرة سنة(2003)، من شنّ حرب أخرى انتهت باحتلال العراق كاملاً، هل كان ذلك لأن النظام العراقي يشكل خطورة على المنطقة تتجاوز الخطر الإيراني؟ أم بسبب امتلاكه لمخزون من السلاح الكيمياوي الذي تم تجريده منه؟ أم لإسقاط الديكتاتورية وإحلال الديمقراطية في العراق، وفقاً للذرائع الأمريكية؟ لكن على أية حال، بعد تدمير البنية التحتية للعراق، واستنزاف طاقاته البشرية، ومن ثم حلّ كافة مؤسسات الدولة باستثناء وزارة النفط، قامت واشنطن بتسليمه كاملاً لإيران التي باتت المتحكّم المطلق بمصيره.

منذ تأسيس الدولة الخمينية 1979 وحتى الوقت الحاضر، إيران بات لها الدور الحاسم في تحديد مصير شعوب أربع دول في المنطقة (سوريا والعراق ولبنان واليمن)، بل هي القوة الغاشمة التي تقف في وجه الشعوب الطامحة في التغيير، وهي كذلك السند الداعم لبقاء واستمرار أقذر الأنظمة وأشدّها انحطاطاً. والآن، وبعد انتفاضة الشعب الإيراني في معظم المدن والبلدات، ومواجهته لعنف السلطة التي أسفرت بسرعة عن وجهها الإجرامي من خلال القتل اليومي لعدد من المتظاهرين، وكذلك من خلال تصريحات القادة الإيرانيين التي تؤكد بكل وقاحة استعدادها للمضي في استخدام العنف إلى أقصى درجاته، فهل مازالت واشنطن تراهن على تغيير سلوك النظام دون الإطاحة به؟

بقي القول: لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية هي الجهة الوحيدة المهادنة للدولة الخمينية، بل معظم الأنظمة العربية والإسلامية، فضلاً عن معظم القوى السياسية، السورية وغير السورية، إسلامية ويسارية، ممّن استلهموا في نضالهم التاريخي العتيد، خطاب الممانعة الأسدي الإيراني، ولعلّه من الطريف المحزن بآنٍ معاً، أنه حتى العام 2015 ، كان عدد لا بأس به من أقطاب المعارضة السورية، ومنهم من لا يزال يحتفظ بموقعه في الائتلاف وهيئة التفاوض إلى الآن، يعتقد أن إيران هي جزء من الحل في سوريا، بل كان يدعو هؤلاء إلى ضرورة التواصل مع حكومة طهران، وإن لم يحصل ذلك في حينه، فلوجود كوابح أخرى، غير التي في نفوسهم.