إيران: الاقتصاد السوري كغنيمة حرب

2019.02.26 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في تصريح له نهاية العام الماضي، قال حسين أنصاري مستشار وزير الخارجية الإيراني أنّ بلاده لا تريد أن تتحوّل إلى مؤسسة خيرية في سوريا، وإنّها تتطلع إلى حصد الفرص الاقتصادية في سوريا لتعويض ما أنفقته، وصرّح بمثل ذلك عدد من المسؤولين الإيرانيين من بينهم يحيى صفوي الذي قال الأسبوع الماضي إنّ بلاده تريد استعادة الأموال التي أنفقتها في سوريا. وفي هذا السياق، نقلت وكالة فارس للأنباء الأسبوع الماضي عن "ايرج رهبر"، نائب رئيس جمعية المقاولين في طهران، قوله إنّ إيران أبرمت مذكرة تفاهم مع السلطات السورية تتعلق بعملية إعادة الإعمار في سوريا.

وأوضحت الوكالة نقلاً عن رهبر أنّ مذكرة التفاهم تسمح لطهران ببناء حوالي 200 ألف وحدة سكنية في سوريا، وأنّ السلطات السورية ترغب في مشاركة المقاولين الإيرانيين في عملية إعادة الإعمار المزمع إطلاقها في البلاد قريبا. وعن التكلفة المتوقعة، أشار رهبر إلى أنّ بلاده قد تؤمّن خط ائتمان جديد للنظام السوري بقيمة ٢ مليار دولار، لافتاً إلى أنّه سيُصار إلى تنفيذ مذكرة التفاهم في حدود ثلاثة أشهر على الأرجح.

تأتي هذه المذكرة في سياق سلسلة مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي وقّعتها السلطات الإيرانية مع تلك التابعة للنظام السوري خلال الفترة الماضية ويتمحور جلّها حول الكيفية التي يمكن من خلالها للنظام الإيراني استرداد أمواله التي استثمرها في الدفاع عن نظام الأسد في المرحلة السابقة. وينظر الجانب الإيراني إلى هذه الاتفاقيات التي تحكم قبضته على

ما تريده طهران هو توطين نفوذها الأيديولوجي والسياسي والعسكري الذي بلغ أوجه في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية

الاقتصاد السوري على أنّها بمثابة فرصة للالتفاف على العقوبات الأمريكية التي فرضتها واشنطن مؤخراً على النظام الإيراني في محاولة لدفعه لتغيير سلوكه الإقليمي.

لا يوجد أدنى شك في أنّ النظام الإيراني يبحث عن طرق لتعويض الأموال التي أنفقها على نظام الأسد، لكن اللعبة الإيرانية أكبر من أن تنظر إلى الاقتصاد السوري على أنه مجرّد أداة للالتفاف على العقوبات، فما تريده طهران هو توطين نفوذها الأيديولوجي والسياسي والعسكري الذي بلغ أوجه في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، وليس هناك أفضل من الشق الاقتصادي لترسيخ هذا النفوذ. وتتطلع إيران إلى التركيز على عدّة قطاعات اقتصادية داخل سوريا من بينها النفط والفوسفات والمقاولات والإنشاءات. وبالرغم من أنّ النشاط الاقتصادي داخل سوريا مقتصر بالمجمل على إيران وروسيا والصين، الاّ أنّ التنافس ليس سهلاً لاسيما فيما يتعلق بالنفوذ الجيو-اقتصادي.

في العام ٢٠١٧، وقّعت إيران وسوريا على عدّة اتفاقيات تتعلق بإعادة الاعمار وحقول النفط وشبكات الموبايل والزراعة والمناجم والفوسفات، ومن بين هذه الاتفاقات كان هناك اتفاق يقضي بإعطاء إيران مساحة على الساحل السوري لبناء ميناء لتصدير النفط، لكن هذا القرار تمّ إيقافه بضغط روسي في خطوة تعكس حجم التنافس القائم بين البلدين داخل سوريا وعليها بالرغم من التعاون القائم على دعم نظام الأسد وتثبيت سيطرته وحكمه.

هناك عدّة تساؤلات تُثار حالياً حول مصدر الأموال التي سيتم استثمارها في سوريا إذا كانت إيران تتطلع إلى ذلك فعلاً، أو إذا ما كان الأسد سيمنح الإيرانيين قطاعات بأكملها دون مقابل كتعويض عمّا أنفقته طهران في دعمه خلال السنوات القليلة الماضية. إذا ما نجح النظام الإيراني في مهمّته للاستيلاء على الاقتصاد السوري كغنيمة حرب، فإنه سيكون من الصعب جداً مستقبلاً

سيكون من المهم أيضاً الضغط على حلفاء النظام الإيراني في العراق ولبنان، ذلك أنّ الكثير من النشاطات الاقتصادية للنظام الإيراني قد تتم بالوساطة عبرهما في المستقبل

العمل على مقاومة نفوذ إيران الجيو-اقتصادي لاسيما في ظل المساعي الجديّة القائمة للربط بين مناطق نفوذ إيران من طهران إلى البحر المتوسط مروراً بالعراق وسوريا ولبنان.

هذا السيناريو يفترض تشديد العقوبات على النظامين السوري والإيراني، لمنع طهران من استخدام دمشق كأداة للالتفاف على العقوبات أولا، ولقطع الطريق على إمكانية توطين نفوذها من خلال الشق الاقتصادي ثانياً، ولتشديد الضغط على نظام الأسد الذي سيكون بحاجة إلى تدفقات استثمارية هائلة ليس لإعادة ما تمّ تدميره، بل لاحتواء المشاكل الاقتصادية المتفاقمة التي بدأ يعاني منها في مناطق سيطرته أيضا. وفي هذا السياق، سيكون من المهم أيضاً الضغط على حلفاء النظام الإيراني في العراق ولبنان، ذلك أنّ الكثير من النشاطات الاقتصادية للنظام الإيراني قد تتم بالوساطة عبرهما في المستقبل.