icon
التغطية الحية

إيجارات المنازل في حماة: عبء على النازحين ومصدر دخل للمؤجرين

2020.11.05 | 05:01 دمشق

0000-17.jpg
حماة - خاص تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"حماة أم الفقير" كما كان يطلق عليها أهلها بعد أن عُرفت بينهم على أنها من أرخص المدن السورية معيشة، وأكثرها احتواء لكل الطبقات الاجتماعية على مدار عقود طويلة، فأسواقها الشعبية الكثيرة كانت ملاذاً للفقير، يسد منها كل احتياجاته، إضافة لتلاحم الحمويين فيما بينهم، ورفضهم غالباً إدخال قدم غريبة للمدينة، ولّد لديهم الكثير من التراحم على بعضهم البعض، فالجميع يعرف الجميع، والغني يرأف بالفقير ولا يشكو أحد من ظلم الآخر.

وللإيجارات من هذا المكان نصيب، فلم تسبق أن عاشت المدينة أزمة سكن أو إيجار، أو غلاء في إيجارات المنازل، وغالباً ما كان من يرغب بتأجير منزله أن يجعل في اعتباره الوضع المالي لمن يريد تأجيره منزله، ويضع مبلغ الإيجار على هذا الأساس.

وقبيل العام 2012، كان ذوو الدخل المحدود يستطيعون إيجاد منازل للإيجار بسهولة في المدينة، وحتى من كان فقيراً فيستطيع أن يجد منزلاً في أحد الأحياء الشعبية في المدينة، ربما لا تتجاوز أجرته 3000 ليرة سورية.

 

من أغلى المدن السورية

يمكن القول أن حماة لم تعد كما كانت، ولم يعد الحمويون كما كانوا عليه، فللحرب مفرزاتها في كل مكان، ولم يستثنَ سوق الإيجارات من هذا، الأمر الذي جعل من هذه المدينة اليوم واحدة من أغلى المدن السورية معيشة وسكناً.

حركة النزوح الكبيرة إلى حماة، سواء من ريفها أو حتى من باقي المحافظات، الرقة وإدلب وحلب، إضافة للوافدين من نوع آخر، كطلاب الشهادات والجامعات، الذين يتقدمون للامتحانات في مدينة حماة، فسح المجال لأصحاب البيوت بالتحكم بإيجارات منازلهم ورفعها كما يحلو لهم، دون أي اعتبار للأوضاع الاقتصادية أو قدرة المستأجر على دفع ما يطلب أم لا.

صباح، ربة أسرة من أهالي مدينة إدلب، نزحت مع عائلتها إلى حماة لإلحاق ابنتها بالمدرسة الثانوية، تقول "طلاب الرقة وإدلب مجبرون على التقدم بامتحاناتهم في مدينة حماة، وبالتالي فنحن مجبرون على استئجار بيوت، حتى ولو لم يناسبنا السعر، لاسيما وأن الأسعار ترتفع في موسم الامتحانات بشكل خيالي".

وتضيف "استأجرت منزلاً عبارة عن غرفتين وصالة، مقابل 60 ألف ليرة شهرياً، وهذا يعتبر سعراً جيداً في شهر الامتحانات، لأنه في هذه الفترة من العام، ترتفع إيجار البيوت كلها من 30 و40 ألف ليرة إلى 60 ألف ليرة وما فوق".

أم عماد وافدة أخرى إلى المدينة، جاءت بدافع تقدّم ابنها للامتحان، تؤكد ذلك بقولها "استأجرنا منزلاً مقابل 65 ألف ليرة شهرياً، ومضطرين للدفع، ونعرف أن صاحب البيت سيرفعه كل شهر، وأيضاً مضطرون للدفع، لأنه يهددنا إما الدفع أو الطرد".

 

معاملة سيئة للمستأجرين

إضافة إلى غلاء الأسعار، يعاني المستأجر ذلاً وإهانة من قبل المؤجّر في بعض الأحيان، حيث أصبح الأخير تاجراً مستغلاً، لا يعرف الرحمة، وغير آبه بظروف المستأجر مهما كانت، الأمر الذي أكدته عائلة أبو دحّام الوافدة من مدينة الرقة.

يقول أبو دحّام "استأجرت منزلاً بداية العام الدراسي الماضي، مقابل 50 ألف ليرة شهرياً، كي لا يتحجج المؤجر بشهر الامتحان ويطلب رقماً خيالياً، لأفاجأ برفع الإيجار رغم ذلك إلى 75 ألف ليرة في شهر الامتحان، مع جملته الشهيرة (إذا مو عاجبك اطلع وفي ألف واحد بدن البيت)".

يقول دحّام الذي تقدم للشهادة الثانوية العام الماضي، وهو الآن طالب في كلية طب الأسنان، "نحن الوافدون نعاني بشكل كبير من المعاملة السيئة من قبل أصحاب البيوت، وكأننا عبيد لديهم"، ويضيف "كنا كالملوك في منازلنا في مدننا قبل النزوح، لكن المضطر يفعل أي شيء لقضاء حاجته".

عائلة أبو محمد النازحة من مورك في الريف الشمالي لمدينة حماة منذ مطلع عام 2014، ذاقت الويلات في رحلتها مع بيوت الإيجار في المدينة، فمنذ ذلك الحين والإيجار يرتفع ليصل اليوم إلى 75 ألف ليرة، يقول أبو محمد "استأجرت المنزل نفسه مقابل 25 ألف ليرة مطلع 2014 في حي الصابونية، وكان حينها رقماً لا يستهان به، إلا أن صاحب البيت كان يزيد الإيجار لك سنة، ولا يمكنني الاعتراض".

ويؤكد أبو محمد أن صاحب المنزل لطالما قال له "أنتم أهل مورك أغنياء، وأنتم من رفعتم الإيجار"، ويشير "علماً أنني موظف عادي في مديرية التربية، وخسرت بسبب القصف على مدينتي كل ما أملك"، ويضيف "أضطر للتجاوب معه سنوياً لرفع الإيجار، فالخروج من البيت والبحث عن آخر أمر غاية بالصعوبة في ظل الازدحام الشديد الذي تشهده المدينة، إضافة لجشع أصحاب البيوت عموماً".

 

مصدر دخل للمؤجرين

من جانب آخر، يرى بعض أصحاب البيوت أن تأجير بيوتهم يعتبر مصدر رزقهم ودخلهم، في وقت تنعدم فيه مصادر دخل السوريين، بعد أن توقفت عجلة الاقتصاد في معظم مفاصل البلاد.

يقول حسان، وهو صاحب منزل يؤجره في أحد أحياء مدينة حماة، إنه يعتمد على إيجار المنزل ليعيل عائلته، ويضيف "قبل سنوات كان لدي محل لتطريز القماش ومصدر دخل جيد، ولم أكن أحتاج لأؤجر المنزل الذي ورثته عن أمي، وكنت أعطيه للنازحين المحتاجين دون مقابل".

ويؤكد حسان "الظروف الصعبة أجبرتني على تأجير المنزل، بعد أن خسرت محلي وتجارتي نتيجة الحرب، وحتى بعد استقرار الأوضاع، لم تعد مهنتي تعطي أي مال نستطيع العيش منه".

أبو هادي، صاحب مكتب عقاري في منطقة الحاضر، يؤكد أن أصحاب المنازل هم من يحددون الإيجار، وذلك حسب جودة المنزل ومحتوياته، ويقتصر دور صاحب المكتب على "الدلالة" وكتابة العقود.

ويوضح أبو هادي "يطلب أصحاب المنازل أرقاماً مبالغاً فيها مقابل إيجار منازلهم، ونحن لا نستطيع التدخل في هذا الأمر، فهم أصحاب الرزق وهم أحرار بذلك"، مؤكداً أن عمولة المكتب تؤخذ من المؤجر وليس المستأجر.

 

أعباء فوق أعباء

غلاء الإيجارات المخيم في السنوات الأخيرة، دفع المستأجرين للعمل بأكثر من وظيفة في اليوم، لسد رمق أولادهم، وخاصة النازحين منهم، فالمعاشات لا تغطي إيجارات البيوت على الأغلب، وكيف لعائلة تكمل بقية الشهر إن لم تجد مصدراً آخر للمعيشة.

يحيى وعائلته نزحوا من معرة النعمان بريف إدلب، واضطر للعمل كسائق تكسي بعد وظيفته في شركة المياه، ليتمكن من إعالة عائلته، بعد أن خصص معاشه فقط لإيجار البيت، يقول يحيى "استأجرت في حي جنوب الملعب منزلاً عبارة عن غرفة وصالة مقابل 50 ألف شهرياً، علماً أن مرتبي لا يتجاوز 45 ألف ليرة، لذلك اضطررت لمزاولة عمل ثانٍ"، واصفاً حياته بأنها أصبحت "أعباء تتراكم فوقها أعباء".

اليوم بعد أن اختلفت النفوس وأصبح المال هو الأهم بالنسبة للمؤجر، غير آبه بمستأجر مريض أو طالب أو فقير، فهو مستعد لرميه في الشارع مقابل حجج واهية ليجد من يدفع له المزيد، لكن رغم ذلك ما زال بين هؤلاء مبعث من نور، يحفظ سمعة الحمويين أمام ضيوفهم.

يؤكد أبو هادي، أن كثيرا من أصحاب المنازل الميسورين الذين غادروا حماة، أو من المغتربين أصلاً، أصروا على فتح بيوتهم للنازحين دون مقابل، ويضيف "أعرف عائلات كثيرة لديها منازل في مدينة حماة، عرضت عليها تأجيرها للنازحين، لكنهم رفضوا وأسكنوا فيها عائلات نازحة دون مقابل".

سمير ونبيل أخوان مقيمان في الإمارات العربية المتحدة، فتحا بيتهما لأقاربهما من الرقة وإدلب دون مقابل، وما دافعهم سوى الشفقة والرحمة بهؤلاء ممن عانوا ويلات الحرب.

 

 

اقرأ أيضاً: الأزمة تتفاقم في حماة.. سعر ربطة الخبز يصل إلى 3 آلاف ليرة