إفشال الفلسطينيين لاقتحامات الأقصى يضع الاحتلال أمام مرحلة حرجة

2022.04.22 | 08:15 دمشق

القدس
+A
حجم الخط
-A

يعيش الإسرائيليون أحداث المسجد الأقصى التي شملت احتجاجات فلسطينية واسعة، أدّت إلى إحباط جهود المستوطنين لذبح القرابين، ثم منع تنظيم مسيرة الأعلام، مما ذكّرهم بأن هذه واحدة من أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط، ويحمل سلسلة من المتفجرات التي قد تنفجر في الساحة الفلسطينية وداخل إسرائيل، وصولاً للتسبب باندلاع تصاعد في العالم الإسلامي، كما حصل مع صدور جملة من المواقف الصادرة عن عواصم المنطقة والعالم.

فضلاً عن ذلك، فإن التوترات الأمنية الأخيرة تتزامن مع جملة من المواعيد الحسّاسة للمسلمين واليهود هذا العام، سواء في شهر رمضان أو الأعياد اليهودية، تليها ذكرى النكبة، بالتزامن مع موجة من العمليات الفدائية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وفي الضفة الغربية، مع خلفية انضمام قطاع غزة للتصعيد مرة أخرى في تكرار مزعج لإسرائيل لما حصل في رمضان 2021.

هذا المزيج المتفجّر من التوترات القومية والدينية يغذيها المتطرفون اليهود والمحرضون الإسرائيليون الذين يستمدون التشجيع من الأزمة السياسية المتفاقمة في إسرائيل، والتي تشكل عقبة أخرى في مواجهة التحدي.

وفي ظل هذه الظروف المعقدة فإن احتمال تدهور الاشتباكات في القدس المحتلة والمدن العربية المحتلة داخل إسرائيل، فضلاً عن الضفة الغربية قائم، بجانب مواصلة المقاومة في غزة لتحضيراتها العسكرية تأهباً لأي مواجهة محتملة.

حكومة الاحتلال تسعى لاجتياز هذه الفترة الحساسة دون أحداث غير عادية، والأهم دون تصعيد في غزة، رغبة منها لكسر موجة الهجمات الفدائية الأخيرة، وتجنّب الاشتباكات بين اليهود والفلسطينيين داخل إسرائيل

من الواضح أن حكومة الاحتلال تسعى لاجتياز هذه الفترة الحساسة دون أحداث غير عادية، والأهم دون تصعيد في غزة، رغبة منها لكسر موجة الهجمات الفدائية الأخيرة، وتجنّب الاشتباكات بين اليهود والفلسطينيين داخل إسرائيل، والاستمرار في توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية، حيث تواجه ثلاث معضلات رئيسية: أولها الحفاظ على الهدوء الأمني في المسجد الأقصى، باعتباره صاعقاً سينفجر في أي لحظة، اعتماداً على مقولة أن "الأقصى في خطر".

المعضلة الثانية تتمثل في أن نطاق وسرعة الاعتقالات في الضفة الغربية كجزء من عملية "كاسر الأمواج" لإحباط العمليات الفدائية، من شأنها أن تعمل على تأجيج التوتر الأمني، وصولاً إلى فرض إغلاق أمني على الضفة الغربية.

يمكن النظر إلى المعضلة الثالثة من خلال الرغبة الإسرائيلية في إبعاد التصعيد عن قطاع غزة، أسوة بما هو حاصل في الضفة الغربية، وصولاً إلى انفجار واسع، ينتهي باندلاع انتفاضة ثالثة، رغم أن ذلك يتضمن احتمالا بقلب الأوضاع على السلطة الفلسطينية.

في الوقت ذاته، فإن أصدقاء إسرائيل في الشرق الأوسط مهتمون بإعادة الهدوء مع الفلسطينيين، ولذلك شهدت الأيام الأخيرة حراكاً سياسياً ماراثونياً ومكثفاً بين تل أبيب والعديد من عواصم المنطقة، ووصلت وفود إسرائيلية إلى بعض هذه العواصم، وجاءت وفود عربية إلى فلسطين المحتلة، رغبة منها في تحقيق الاستقرار الأمني.

لا ينكر الإسرائيليون أن المجموعات المتطرفة لديهم، يسعون إلى خلق أزمة، وتصعيد، يؤدي إلى سقوط الحكومة الحالية المستندة إلى حزب عربي، في حين يرفض المقدسيون أن يتم إجراء تصفية حسابات بين الإسرائيليين أنفسهم على حساب مقدساتهم في الأقصى، من خلال سلسلة الاقتحامات المستفزة وطقوس ذبح القرابين ومسيرات الأعلام، وهي كلها فعاليات خططت لها عناصر يمينية إسرائيلية ستزيد من حدة التوتر على أي حال.

اليوم، وفي ظل تقارب الأحداث الحساسة من جهة، والتوترات الحادة ومحدودية حركة المناورة للاعبين المختلفين من جهة أخرى، يبدو سلوك الحكومة الإسرائيلية وقراراتها متراوحة بين محاولة ضبط الأوضاع الأمنية في القدس المحتلة، من خلال عدم السماح للمتطرفين بممارسة طقوسهم المستفزة، الراغبين أساساً في إسقاط هذه الحكومة لإعادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وفي الوقت ذاته عدم إشعار الفلسطينيين بتحقيق إنجاز سياسي وتفوق ردعي، من خلال انتشار قوات الاحتلال بأعداد كبيرة، وتنفيذ اعتقالات واسعة.

ليس سراً أن حكومة الاحتلال أجرت ما يمكن تسميتها "مخاطرة محسوبة" على خلفية الانتشار الواسع لقوات الجيش في الضفة الغربية ومناطق التماس، وتفعيل وتيرة الاعتقالات، رغبة منها في تجنب التوترات الأمنية الميدانية، لأنها كفيلة بتهديد وجودها، مما يجعلها عازمة على الحفاظ قدر الإمكان على ائتلافها الهش، قبيل سقوطه بعد التطورات التي ألمت به في الآونة الأخيرة، ومع ذلك فما زال أمامنا شهران آخران خلال هذه الفترة المتفجرة من الأعياد والمناسبات الوطنية والدينية المتزامنة بين الفلسطينيين واليهود.

رئيس الحكومة نفتالي بينيت أعلن أنه يمنح حرية العمل لقوات الاحتلال الموجودة على الأرض، مما يعني استباحة الأراضي المقدسة، وإطلاق النار على الفلسطينيين المحتجين، لكنه في الوقت نفسه يخشى أن تسفر هذه السياسة الدموية عن ردود فعل فلسطينية واسعة النطاق

في هذه الحالة تشعر حكومة الاحتلال أن عليها مهمة النظر في عدد من الجوانب المهمة، أولها مواجهة التقاء جملة هذه الأحداث والاتجاهات من خلال اتخاذ إجراءات لمنع انتشار الاشتباكات بين مختلف الساحات، وضبط الضغوط، وإذا أمكن، اجتياز ذروة التوتر القائمة خشية من اندلاع جولة أخرى من التصعيد.

ثاني هذه المهام تتعلق بالإدارة الفردية للحوادث المتلاحقة، مع العلم أن رئيس الحكومة نفتالي بينيت أعلن أنه يمنح حرية العمل لقوات الاحتلال الموجودة على الأرض، مما يعني استباحة الأراضي المقدسة، وإطلاق النار على الفلسطينيين المحتجين، لكنه في الوقت نفسه يخشى أن تسفر هذه السياسة الدموية عن ردود فعل فلسطينية واسعة النطاق، وتصب مزيداً من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً، مما قد يستدعي منه توفر رؤية واسعة وعمل منسق وأقصى قدر من التزامن بين الجهود المبذولة في الميدان، من دون ضمان بنجاح مثل هذه السياسة.

مهمة ثالثة موجودة على أجندة الحكومة والجيش والأمن تتعلق بتأجيل المواجهة العسكرية المفتوحة في غزة، حيث يطالب الخبراء العسكريون الإسرائيليون من دوائر صنع القرار في تل أبيب بانتهاج سلوك مدروس في غزة لا يتحمل إطلاق الصواريخ، لكنه سيمنع أيضاً دورة التصعيد، ويوفر فرصة للمقاومة الفلسطينية بعدم إطلاقها، لأن الاحتلال لا يخفي مصلحته، الآن على الأقل، بتأجيل الصراع في قطاع غزة إلى توقيت أقل تعقيدًا، ولا يريد تكرار نسخة جديدة من معركة "سيف القدس" التي وقعت مثل هذه الأيام من رمضان 2021.

المهمة الرابعة التي تسعى حكومة الاحتلال لإنجازها تتمثل فيما يسمى منع ظاهرة "الشركة الاستراتيجية" من خلال نجاح العناصر الفلسطينية العملياتية بالاستفادة من المنعطفات الاستراتيجية، وفي هذه الحالة توجه الحكومة والجيش تعليماتها بوضع قوات الأمن في مراكز الاحتكاك، خاصة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، والهدف الرئيسي هو منع مزيد من الهجمات والانفجارات العنيفة في الأماكن العامة، رغم أن هذه السياسة الإسرائيلية أثبتت فشلها في الميدان بعد نجاح المعتصمين والمعتكفين والمرابطين في الأقصى بلفت أنظار العالم لما يحصل فيه، واستخدامهم لأشكال جديدة من وسائل إزعاج الاحتلال، ليس بينها إطلاق الرصاص، من أجل تصعيب مهمة اقتحامه من قبل المستوطنين.

لا تغفل المؤسسة السياسية الإسرائيلية مهمة خامسة تتصدر أجندة العمل الحكومي في خوض هذه المواجهة، وتتمثل في استمرار الحوار مع دول المنطقة والدول الغربية، من خلال اطلاعها على تفاصيل الأحداث والجهود المبذولة "المزعومة" لتحقيق الاستقرار والهدوء، خاصة أن الأحداث قد تأخذ مختلف الأطراف باتجاه مزيد من الفترات الحساسة في المستقبل القريب، وربما يشمل ذلك دعوة ممثلين من الدول العربية وأوروبا لزيارة المنطقة.

إسرائيل أصيبت بانتكاسة دبلوماسية واضحة في هذه المواجهة، من خلال نشوب جملة أزمات متلاحقة مع عدد من الدول على خلفية اقتحامات المستوطنين للأقصى، أولها مع روسيا على خلفية الخلاف حول الحرب الأوكرانية

مع العلم أن إسرائيل أصيبت بانتكاسة دبلوماسية واضحة في هذه المواجهة، من خلال نشوب جملة أزمات متلاحقة مع عدد من الدول على خلفية اقتحامات المستوطنين للأقصى، أولها مع روسيا على خلفية الخلاف حول الحرب الأوكرانية، واتخاذ إسرائيل للموقف الغربي في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، مما دفع موسكو لإدانة إسرائيل بوصفها "أطول احتلال في التاريخ"، وهو وصف ليس معهوداً على السياسة الروسية، وثانيها أزمة مع الأردن الذي يخشى تضرر وصايته على الأماكن المقدسة في القدس مع تواصل الاعتداءات الإسرائيلية.

مهمة سادسة وأخيرة تتمثل في ضرورة الاستعداد الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً لاحتمال، لا يمكن إهماله، ويتمثل في أن جهود الاستقرار والتهدئة ستفشل، وسيحدث التصعيد في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وربما جبهات مجاورة، في ضوء تكثيف حماس في غزة، وتعزيز وجودها في الضفة الغربية، وإضعاف السلطة الفلسطينية، والجمود في العملية السياسية.

الخلاصة أن إسرائيل وهي تستعرض هذه المهام الحساسة في ذروة مرحلة غير مسبوقة من التوتر خلال عام كامل، تستشعر نفسها تتعامل مع قضايا استراتيجية، مما يتطلب معالجة مستمرة ومركزة من حكومة فاعلة مستقرة، لكن ذلك قد يتعطل مرة أخرى إذا تدهور الوضع السياسي في إسرائيل من جديد إلى سلسلة من الحملات الانتخابية وعدم الاستقرار السياسي، والدعوة لانتخابات مبكرة في ظل الأزمة الحكومية الجارية حالياً.