إعلان حرب أم حرب باردة.. بوتين الخطر الأكبر على الجميع

2022.02.01 | 05:05 دمشق

1-1485694.jpg
+A
حجم الخط
-A

يحاول فلاديمير بوتين دائماً أن يظهر بمظهر القيصر الروسي الذي لا يُقهر، أو يتمنى على أقل تقدير أن يكون الاتحاد السوفييتي ما زال قائماً ليكون رئيساً لثاني أكبر قوة موازية للولايات المتحدة الأميركية، راضياً بذلك القليل من أحلامه بالسلطة، لذلك نراه ومنذ أن دخل الحرب في سوريا، يحاول أن يعيد لروسيا مكانتها، ليعود إلى الواجهة السياسية العالمية بشكل قوي ومؤثر.

خلال العشر سنوات الماضية، كان بوتين يفتعل التوترات مع كثير من الأطراف ومن ثم التهدئة، ولكن بعد حصد المكاسب الخلبية التي تظهره بمظهر المتفوق الذي لا يقهر كما حدث مع تركيا خلال أزمة ضرب الطائرة الروسية وإجبار تركيا على الاعتذار العلني لبلاده.

اليوم يصعد بوتين باتجاه أوكرانيا، زاجاً أميركا وأوروبا وحلف الناتو في المعمعة، موحياً بقدرته على افتعال حرب عالمية ثالثة في سبيل عودته كقوى عالمية عظمى، ولكن بدون حرب باردة هذه المرة- وربما كل هذا من أجل عودتها- فلطالما صرّح بأنه يعتبر أن تفكيك الاتحاد السوفييتي أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، ويريد إعادة تشكيل كيان بثقل الاتحاد سياسياً وربما حرب باردة جديدة، ويخشى أن تنضم أوكرانيا إلى الناتو والمعسكر الغربي، بعد أن أبدت أوكرانيا رغبتها بذلك منذ عام 2014.

صعد بوتين.. أعلنت الولايات المتحدة إرسال تعزيزات عسكرية من الناتو.. دخل إيمانويل ماكرون على مسار التهدئة وأعرب عن قلقه معلناً بأنه سيبقى على خط التهدئة مع بوتين.

تصر روسيا على الاستمرار بالتصعيد وزج الجميع في دوامة الحرب المزعومة، بعد أن حشدت قرابة مئة ألف من جنودها على الحدود الأكرانية تعبيراً عن جديتها في اتخاذ قرار الحرب

عقدت فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا اجتماعا مشتركا يوم الأربعاء الماضي في باريس، ليعلن الأطراف الأربعة اتفاقهم على عقد جولة جديدة في برلين خلال أسبوعين، معلنين بُعيد الاجتماع أنه على الرّغم من وجود اختلافات في التفسير، يجب أن تستمرّ الهدنة، ويجب الحفاظ على وقف إطلاق النار بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا.

في هذا الوقت بالذات تعاني أوروبا من خلافاتها الداخلية، ويعاني العالم من جائحة كوفيد، ويغرق الاقتصاد العالمي بالأزمات والتضخم والخسائر، ومع ذلك تصر روسيا على الاستمرار بالتصعيد وزج الجميع في دوامة الحرب المزعومة، بعد أن حشدت قرابة مئة ألف من جنودها على الحدود الأكرانية تعبيراً عن جدّيتها في اتخاذ قرار الحرب.

بعد العمليات العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم ودونباس في 2014، تهدد موسكو علنًا بارتكاب مزيد من التدخل العسكري في أوكرانيا، في استباحة فاقعة لسيادة هذه البلاد، التي كانت جزءاً من الأراضي السوفييتية، وكأن بوتين يعتبرها حقاً مباحاً لروسيا رغم استقلالها معتبرها أملاكاً خاصاً لإمبراطوريته المتخيّلة.

يحمل بوتين في يده ورقة الطاقة، فكلنا يعلم دور موسكو في إمدادات الغاز لأوروبا، وتدافع موسكو عن مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الذي من المفترض أن يمد ألمانيا مباشرة، عبر بحر البلطيق، ويمكن للكرملين أن يوقف إمداد الطاقة لأوكرانيا، التي حرمتها روسيا فعلياً من فحم دونباس، وهذا ما يعتبر سلاحاً آخر لموسكو.

وبالطبع موسكو قادرة على حشد قوات عسكرية كبيرة للتوغل في عمق الأراضي الأوكرانية، لكنها لا تستطيع دخول أوكرانيا بكملها، واحتلالها مثلاً، ناهيك عن السيطرة عليها، لأنها بذلك ستخوض حرباً شرسة لا أعتقد بأن روسيا قادرة عليها اليوم، ولكن من الممكن أن تنفذ ضربات عسكرية في اتجاهات عدة، ففي الشرق، يمكن لروسيا أن تشن بسهولة عملية واسعة النطاق، مدعومة من قبل ميليشيات دونباس الموالية لها، وهناك مساحات واسعة خالية من السكان في الشرق حيث يمكن لروسيا أن تتقدم ، لكنها أقل أهمية إستراتيجية بالنسبة لها، ولن تستطيع السيطرة على مدن الشرق مثل خاركوف ودنيبرو لأن ذلك سيكلفها كثيرا من الإمكانات والوقت.

في الجنوب أو ما يسمى بأقاليم البحر الأسود، وهي بلا شك المنطقة الأكثر أهمية بالنسبة لموسكو، يمكن أن يؤدي التدخل إلى قطع أوكرانيا عن شواطئها وربط القوات الروسية من دونباس إلى ترانسنيستريا، وهي منطقة تحتلها روسيا بحكم الأمر الواقع في مولدوفا في غرب أوكرانيا، إضافة إلى ضعف الدفاع الساحلي الواقع غربي شبه الجزيرة، ومع ذلك، يجب أن تحتل روسيا بشكل حتمي مدن ماريوبول الجنوبية في الشرق وأوديسا في الغرب، وأيضاً هذا سيكون صعباً ومكلفاً فبالتأكيد سيقاوم السكان الاحتلال الروسي.

أما شمالاً فتقع كييف على بعد مئة كيلومتر فقط عن الحدود مع بيلاروسيا الموالية لروسيا والتي يتزعمها ألكسندر لوكاشينكو المدعوم من بوتين والذي من الممكن أن تعتمد موسكو عليه في مساعدتها في حال اندلعت الحرب فعلياً، وهذا ما أعتقده خاصة بعد أن أرسلت روسيا خلال الأسبوع الماضي قوات جديدة إلى بيلاروسيا.

أوكرانيا وبحسب تقديرات مصادرها العسكرية فإن الجيش النظامي يستطيع المواجهة والدفاع عن المنطقة لمدة أسبوع واحد فقط وهذا بحسب تقارير حكومية

وهنا لا بد أن نتساءل هل أوكرانيا مستعدة للحرب؟

لا يخفى على أحد عدم التكافؤ العسكري بين روسيا وأوكرانيا، رغم محاولات الأخيرة تعزيز قدراتها الدفاعية بعد حرب القرم، وفي حال اتخذت موسكو قرار الحرب فإن أوكرانيا وبحسب تقديرات مصادرها العسكرية فإن الجيش النظامي يستطيع المواجهة والدفاع عن المنطقة لمدة أسبوع واحد فقط وهذا بحسب تقارير حكومية، أي أنها لن تستطيع المقاومة وحيدةً من دون مساعدة الغرب الذي تعهد بدعم أوكرانيا في حالة وقوع هجوم عليها، لكن على الأرجح سيكون دعماً مادياً وليس تدخلًا عسكريًا مباشرًا.

ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع نُشر في ديسمبر 2021، قال إن 58٪ من الرجال الأوكرانيين وقرابة 13٪ من النساء الأوكرانيات مستعدون لحمل السلاح للدفاع عن البلاد ضدّ الغزو الروسي، و25٪ يقولون إنهم مستعدون للمقاومة بطرق أخرى.

 كان لدى فلاديمير بوتين عدة خيارات استراتيجية لكنه فضل هذا الاستعراض بالتهديد بالحرب وجرّ الجميع إليها، حرب مفتوحة ستؤثر في جميع أرجاء أوروبا، لذلك لا يمكن استبعاد تصعيد يشارك فيه الناتو والولايات المتحدة.