إعادة "بعث" الأسد

2021.05.07 | 06:00 دمشق

alia1.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتسارع خطوات بعض الأنظمة العربية في محاولة لإظهار الود أو إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع النظام السوري وكان على رأسها الإمارات التي أعادت سفيرها وافتتحت السفارة مجددا في دمشق، ومن ثم تلتها دول من مثل موريتانيا، وطبعا الجزائر وفلسطين لم تقطعا هذه العلاقات أصلا، فضلا عن جهود حثيثة من قبل نظام السيسي في مصر من أجل إعادة الأسد إلى حضن جامعة الدول العربية، ثم أتت الخطوة الأخيرة من السعودية بإرسال رئيس الاستخبارات فيها ليلتقي مع علي مملوك في دمشق من أجل تطبيع العلاقات.

كل هذه الدول تقريبا ربما باستثناء الجزائر اتخذ علنياً موقفاً حاداً من نظام الأسد وجرائمه بحق الشعب السوري مع بدء الثورة السورية عام 2011، بل وحتى شارك في دعم المعارضة السورية السياسية منها أو العسكرية.

اليوم وبعد أن تمكن الأسد من السيطرة على معظم المناطق السورية التي كانت يوماً ما تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة لا سيما في حلب والغوطة الشرقية والقلمون والرقة وغيرها، يشعر الأسد أنه استعاد شرعيته عسكريا ولذلك عليه أن يعمل على استعادتها سياسيا وذلك لن يتم بالنسبة له سوى عبر البوابة العربية مع استحالة تحقيق ذلك عبر البوابة الغربية الأوروبية منها أو الأميركية على الأقل في الوقت الحالي.

لقد جمّدت جامعة الدول العربية عضوية عدد من الدول العربية خلال تاريخها، والأشهر في هذا الإطار كان تعليق عضوية مصر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979 ، وبالتالي فتعليق عضوية النظام السوري ليست جديدة في هذا الإطار وكان سبقها تعليق عضوية نظام القذافي في ليبيا مع بدء الربيع العربي، كلتا الحالتين كانت تقوم على العنف الأقسى الذي مارسه النظامان الليبي والسوري بحق شعبيهما مع بدء المظاهرات السلمية في عام 2011 والتي طالبت بإدخال إصلاحات سياسية جذرية على شكل النظام السياسي بما فيها الحق في تغيير الرئيس وانتخابه شعبياً.

لذلك ربما علينا توقع مزيد من الدول التي تتحيّن الفرصة حتى تعلن تغييراً كاملاً في موقفها السياسي بناء على موقفها الجديد وتحفظاتها القديمة ضد الربيع العربي وثوراته

في العام الماضي وبعد خطوة الإمارات في إعادة العلاقات مع الأسد، حاولت أن تلعب دورا نشطا في إعادة تأهيل و"بعث" الأسد لكنها واجهت موقفا صارما من الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب منع عودة الأسد بالسهولة التي كانت تتوقعها الإمارات، بل إن الولايات المتحدة هددت بفرض عقوبات تحت طائلة قانون قيصر لكل الشركات التي تحاول إعادة الإعمار أو الاستثمار في سوريا أو المساهمة في إعادة تأهيل الأسد وهو ما شكل موقفا مانعا للدول العربية من الذهاب صوب الأسد، الآن مع تغير الإدارة الأميركية ووصول بايدن إلى البيت الأبيض لم نجد حزما في إيصال الرسالة ذاتها إلى الدول العربية بل وجدنا تراخيا كاملا في التعامل مع الملف السوري.

لذلك ربما علينا توقع مزيد من الدول التي تتحيّن الفرصة حتى تعلن تغييراً كاملاً في موقفها السياسي بناء على موقفها الجديد وتحفظاتها القديمة ضد الربيع العربي وثوراته، وهو ما وجدناه في زيارة مفاجئة للرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا ولقائه الأسد وإعلان موريتانيا عن زيارة قريبة لرئيسها إلى دمشق، وإعادة الإمارات والبحرين فتحَ سفارتيهما في دمشق، وزيارة علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى القاهرة للقاء مسؤولين أمنيين مصريين، وغير ذلك وكل ذلك جرى خلال عام تقريبا، الآن للأسف ربما نتوقع زيادة هذه العلاقات مما يكشف أن المحور المتشكل ضد الربيع العربي اتخذ خطوة أبعد بضم بشار الأسد إلى هذا المحور بعد أن كان متحفظاً بسبب الرأي العام العربي داخل الدول العربية على المجازر العلنية التي ارتكبها الأسد بحق الشعب السوري ونقلت عبر الأثير العربي وعلى قنوات التلفزة العربية بشكل مباشر وآنيّ، مما خلق انطباعاً شعبياً عربياً بفظاعة ما ارتكبه الأسد وصعوبة قبوله أو تأهيله مجدداً، رغم عدم وجود محكمة إقليمية عربية ولا وجود لولاية قضائية لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمته وإدانته قانونياً.

ولا ننس أن هذه السياسة تترافق مع بدء حملة روسية للعلاقات العامة على المستوى الدولي تعلن فيها "نهاية الحرب" في سوريا، وبدء عملية إعادة الإعمار وبذل الجهود الدولية من أجل عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، لا يمكن التكهن بالمستقبل، بمعنى أن لا أحد يضمن عملياً عدم ارتفاع أصوات غربية تنادي بالحوار مع الأسد في المستقبل لا سيما بعد أن تمكن من السيطرة على معظم الأراضي السورية باستثناء إدلب بالتعاون مع الحليفين الإيراني والروسي.

لكن المشكلة الرئيسية تكمن في الكلفة أو الثمن السياسي لهذا الحوار، فالأسد اليوم بعيون المجتمع الدولي – ربما باستثناء الرئيس بوتين – هو مجرم حرب بعد كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية

لكن المشكلة الرئيسية تكمن في الكلفة أو الثمن السياسي لهذا الحوار، فالأسد اليوم بعيون المجتمع الدولي – ربما باستثناء الرئيس بوتين – هو مجرم حرب بعد كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، وهو ما وثق في مئات التقارير من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة وغيرها الكثير الكثير من المنظمات الدولية، وبالتالي كلفة أي دعوة للّقاء بالأسد أو مساعدته ستكون مكلفة للرأي العام الغربي، وبالمقابل ليس هناك ضمانات أنه سيحصل على أي شيء مفيد بالمقابل من الأسد.

وبالتالي قدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام السوري تصطدم بعقبة رئيسية وهي الرأي العام الغربي الذي لن يتقبل أية محاولة لتعويم "مجرم حرب" أضحت جرائمه في كل بيت وعلى كل هاتف (بسبب ثورة التواصل الاجتماعي)، وخلف ذلك بالطبع تقف مجموعة من التشريعات والقوانين في البرلمانات والكونغرس الأميركي التي تجعل قضية أي اتصال مع حكومة الأسد أو حتى رفع العقوبات عنه من المستحيلات في الوقت الحالي.