إعادة التخطيط وسط الصراع: القانون رقم 10 وتداعياته

2018.06.08 | 12:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

منح تمرير قانون الملكية – القانون رقم 10 – في أبريل/نيسان بواسطة البرلمان السوري، السلطة للنظام السوري لإعادة صياغة قوانين الملكية الخاصة وإعادة تخطيط الأراضي عبر البلاد. تم تمرير هذا القانون – والذي قد تؤثر على أكثر من عشرة ملايين سوري – بحجة دعم جهود الحكومة لمكافحة الإرهاب، أو بحجة إعادة تخطيط المناطق السكنية غير القانونية وإعادة تنظيمها.

أخر التطورات

إن الهدف الرئيسي للقانون رقم 10 هو السماح للحكومة بإعادة صياغة قوانين الملكية الخاصة، وإعادة تنظيم المناطق المدمرة. يمتد نطاق القانون أيضا إلى مناطق السكن غير القانونية، والتي تعتبر مشكلة ممتدة يسعى النظام للتعامل معها من خلال مختلف القوانين، وذلك قبل وبعد اندلاع الحرب في سوريا. 

هناك العديد من النقاط البارزة في القانون 10. أولها هو أنه يحاول توثيق الملكيات غير الموثقة بطريقة رسمية. في الحقيقة، الكثير من الملكيات الخاصة والأراضي في سوريا غير موثقة رسمياً، حيث كانت المعاملات التجارية تتم بصورة عرفية وغير رسمية. حاول النظام تحويل نظام تسجيل الأراضي إلى النظام الرقمي في عام 2010، ولكن كان ذلك فقط بالنسبة لسجلات الأراضي الجديدة.

ثانيا، من خلال هذا القانون يعطي الأسد لحكومته حق الاستيلاء على الملكيات الخاصة للأشخاص الذين لا يقومون بإثبات ملكياتهم بأنفسهم أو عبر أقربائهم بموجب وكالة عامة، والتقدم للمجالس المحلية المسئولة عن مخطط إعادة التنظيم، وذلك خلال شهر واحد فقط من تاريخ الاعلان عن المخطط.  

على الرغم من ذلك، وطبقا لمجلة القانون السوري (وهى مجموعة استشارية) فان القانون رقم 10 لا ينتهك حقول الملكية المحمية دستورياً، حيث أن مستندات اثبات الملكية ليست مطلوبة في كل أنحاء سوريا، وانما في المناطق التي سوف يتم إعادة تنميتها.  

ثالثا، هذا القانون يضع مهمة تنفيذه في أيدي المجالس المحلية وليس الحكومة المركزية، ويجبرهم على اتخاذ القرار النهائي فيما يتعلق بمشاريع إعادة التخطيط والتنظيم المهمة على حساب حقوق الملكية.

الأرض وحقوق الملكية

تعود جذور سياسة إعادة التنمية في سوريا إلى ما قبل صدور القانون رقم 10، ويمكن القول انها بدأت في 2006. اكتسبت هذه السياسة زخماً في عام 2012، حينما أصدر النظام المرسوم التشريعي رقم 66، بحجة تنفيذ برنامج تخطيط حضري طويل الأجل ينهي ظاهرة المناطق العشوائية المنتشرة في أحياء كثيرة من دمشق. نتج عن هذا المخططتدمير العديد من المناطق السكنية حول العاصمة دمشق، مثل المزة وكفر سوسة وبساتين الرازي في الأجزاء الجنوبية الغربية من العاصمة السورية، وسمح هذا المرسوم بطردسكانهما الذين كانوا أقرب إلى تأييد المعارضة. سوف يتم بناءبناطحات سحاب وفنادق ومطاعم في هذه المناطق.

أجرت منظمة هيومان رايتس واتش العديد من المقابلات مع سكان هذه المناطق، أكدوا أن القوات الحكومية لم تخطرهم بعمليات الهدم، ولم يتم عرض أي تعويضات عليهم. طبقا لتقرير المنظمة، فإن غالبية عمليات الهدم تمت في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وليس في المناطق الموالية للنظام، على الرغم من وجود وحدات سكن غير قانونية في هذه المناطق أيضاً. 

إن سجلات الملكية والأراضي هامة في التأسيس لحقوق العودة. أظهرت دارسة، أعدها المجلس النرويجي للاجئين، أن 17% من اللاجئين السوريين المهجرين يمتلكون أوراق تثبت ملكيتهم لأملاكهم في سوريا. عدم القدرة على تقديم التوثيق يجعل من الصعب أو حتى المستحيل المطالبة بهذه الحقوق.

أشارت العديد من التقارير إلى أن النظام قام – عن عمد – بتدمير سجلات الملكية في مناطق المعارضة ليحرم السكان من اثبات ملكيتهم. طبقاً لـ اللجنة السورية لحقوق الانسان (منظمة حقوقية مستقلة)، قصفت قوات النظام مبنى السجل العقاري في مركز مدينة حمص في 1 يوليو/تموز 2013، رغم وجوده في منطقة بعيدة عن الاشتباكات. أدى الحريق الناتج عن هذا القصف إلى إتلاف العديد من سجلّات الممتلكات في المدينة. كما أفادت تقارير أخرى بتعرّض السجلّات العقارية في كل من الزبداني وداريا والقصير لعمليات حريق مقصودة من جانب قوات النظام. هذه المناطق شهدت أولى الاحتجاجات ضد النظام في عام 2011.

تغيير ديموغرافي؟

يدّعي العديد من المحللين أن عمليات إعادة تخطيط مناطق كفر سوسه والمزه هي حجة من أجل إعادة هندسة هذه المناطق ديموغرافياً، عن طريق إبعاد السكان المعارضين للنظام ومكافأة الموالين له على دعمهم. بشار الأسد ينكر هذه الادعاءات.

أما عن أسباب استعجال الأسد في السيطرة على أملاك معارضيه يقول الناشط السياسي جمال معاذ لمدونة مصدر سوريا أن هذا دليل على محاولة الأسد استكمال عملية التغير الديموغرافي، التي تتبع عملية التهجير القسري التي شهدتها مناطق ومدن عدة من سوريا.

أظهرت العديد من التقارير في العام الماضي أن عمليات تغيير ديموغرافي على نطاق واسع تم تنفيذها عقب هروب سكان سُنة بسبب الحرب، وقد تم إعادة تسكين عائلات شيعية من العراق وإيران ولبنان في دمشق وغيرها من المناطق.

 أكد معاذ أن هذا مثال على سياسة تتبعها الدولة السورية كان قد ذكرها في خطاب له في عام 2015، قال الأسد أن الوطن السوري هو فقط لمن يدافع عنه. وقد قام النظام بمنح الجنسية لـ “هؤلاء الذين يدافعون عن الدولة السورية” وسمح لهم بامتلاك الأراضي والملكيات الخاصة.

طبقا لتقرير أصدرته لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية ” إن نمط الاخلاء… يُظهر نية النظام هندسة تغييرات في التركيبة السكانية… من خلال إعادة رسم وتعضيد قواعد الدعم السياسي له.” وقد ذكر التقرير العديد من الممارسات إلى جانب القانون رقم 10. الأمر الذي يشير إلى خطة واسعة لنزع حقوق الملكية للمهجرين داخلياً من أجل إثراء النظام والمليشيات المتحالفة معه.

طبقا لوسائل اعلام معارضة، استمر النظام في استراتيجية إعادة الهندسة الديموغرافية في عام 2014 في مدينة حمص، حين منعت حكومة الأسد أكثر من 100 ألف من سكان حي بابا عمرو من العودة، بحجة أن هذه مناطق سكن عشوائية وفي حاجة إلى ازالتها وإعادة بناءها وتنظيمها.

سرقة مُؤسَسَة

وفي خطوة لإيقاف هذا المشروع والمحافظة على أملاك السوريين المعارضين، أطلق مجموعة من المحامين السوريين المعارضين في تركيا، “منصة إلكترونية” لرد واسترداد المساكن والممتلكات العقارية، بهدف تمكين السوريين الذين اغتُصبت مساكنهم وممتلكاتهم العقارية من قبل نظام الأسد والقوى العسكرية المختلفة، من استردادها مستقبلاً، بعد انتهاء الصراع المسلح، أو خلال الفترة الانتقالية التي تليه.

أنشئت هذه المنصة بالتعاون بين هؤلاء المحامين ومنظمة اليوم التالي. ويقوم المشروع على فكرة التوثيق الاليكتروني لعقارات وممتلكات السوريين من كافة الأطياف التي تم مصادرتها، وحفظ الأوراق الثبوتية وتسجيل شكاوى أصحاب العقارات الذين نهبت املاكهم في هذه الحرب، تمهيداً لرفعها إلى الجهات الدولية المختصة ومقاضاة الجناة وأبرزهم نظام الأسد.

اعتبر حقوقيون سوريون عمليات الاستيلاء على ممتلكات المعارضين بأنه واحدة من أكبر عمليات السطو على أملاك السوريون لدوافع سياسية في التاريخ المعاصر. وفي هذا الإطار يرى عروة السوسي، محامي حقوقي ومعارض سوري وعضو تجمع المحامين السوريين في تركيا، في حديثه مع مدونة مصدر سوريا، أن الهدف من القانون رقم 10 هو “استغلال غياب المهجرين أصحاب الأراضي والأبنية عن أملاكهم، وعدم قدرتهم على المثول أمام لجان التنظيم خلال المدد القانونية، وتقديم ما يثبت ملكيتهم. علماً بأن بعض سكان المناطق مثل داريا والزبداني والغوطة الشرقية هجروا بالكامل، ولا يوجد أقارب لهم حتى الدرجة الرابعة ليقدموا عنهم الوثائق التي تثبت ملكيتهم“.

وذكر السوسي أنّ حجة النظام بإعطاء الفرصة لأصحاب الأملاك بتوكيل أقربائهم ما هو إلا محاولة لإخلاء مسؤوليته القانونية ليبدو الأمر كأنه قانوني. مضيفاً أنه “لا يجوز تطبيق قوانين كهذه إلا في حالة الأمن والأمان والاستقرار، وتمكين كافة المواطنين من الدفاع عن حقوقهم والاعتراض”.