icon
التغطية الحية

إضراب معلمي ريف حلب يعيد إلى الواجهة عجز المجالس المحلية

2021.10.25 | 07:07 دمشق

الباب
مظاهرة تضامنية مع المعلمين المضربين في مدينة الباب (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

واصل المعلمون في عدد من مناطق سيطرة المعارضة السورية بريف حلب احتجاجهم وإضرابهم عن العمل، في ظل تجاهل المجالس المحلية لمطالبهم بتحسين واقع التعليم وزيادة الرواتب.

وبدت المجالس من خلال تعاملها مع الأزمة المستجدة عاجزة عن تقديم أي حلول مرضية أو وعود للمعلمين المضربين، وكان أداؤها الهزيل والاستفزازي سبباً مباشراً في تصاعد الاحتجاجات، وربما توسعها لاحقاً لتشمل قطاعات عمل أخرى في المنطقة.

وبدا أن المجالس المحلية أشبه ما تكون بمؤسسات "كرتونية" تنفيذية لا تلبي طموحات المجتمعات المحلية التي من المفترض أنها تمثلها وتعمل على خدمتها.

استمرار الإضراب

شهدت مدينة الباب مظاهرة حاشدة، مساء الأربعاء الفائت (20 تشرين الأول)، شارك فيها المئات من أبناء المدينة وساكنيها من فعاليات تجارية ومدنية ومعلمين وطلاب وغيرهم من مختلف قطاعات العمل، وهتف المتظاهرون دعماً للمعلمين في إضرابهم حتى تحقيق مطالبهم.

ورفع المتظاهرون الذين تجمعوا في ساحة "السنتر" وسط الباب لافتات كتب على بعضها "معلمي خط أحمر" و"المعلمون حماة الثورة ومحققو أهدافها" و"تحسين التعليم مطلبنا" و"إلى المجلس المحلي والشرطة أعيدوا المدارس لأعزائكم الطلاب" و"الإضراب أسلوب حضاري لكن قطع الرواتب والتهديد بالفصل أسلوب تشبيحي".

توسعت دائرة التضامن مع المعلمين المضربين عن العمل في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" في ريف حلب، وذلك منذ بدء الاحتجاجات والإضرابات، في 14 تشرين الأول الجاري، للمطالبة بإصلاح التعليم وزيادة الرواتب.

وعبّر ناشطون وإعلاميون عن دعمهم لحراك المعلمين، فيما أعلنت فعاليات دينية وتجارية وتجمعات وهيئات وتنسيقيات وفعاليات ثورية، عن تضامنها مع المعلمين المستمرين في إضرابهم حتى تحقيق مطالبهم.

وأصرّ المعلمون في مدينة الباب وضواحيها وبلدة قباسين المجاورة شرقي حلب، على مواصلة إضرابهم بعد صدور قرارات "مستفزة" صادرة عن المجالس المحلية تهدّد المعلمين بالاقتطاع من راتبهم الشهري وذلك بعدد الأيام التي تغيّبوا فيها عن العمل.

ولوحت المجالس في قراراتها باتخاذ إجراء الفصل بحق المعلمين إن هم واصلوا احتجاجهم وإضرابهم عن العمل، وإصرار المعلمين في مدينة الباب وبلدة قباسين شجّع المعلمين في مناطق أخرى من ريف حلب، على استئناف إضرابهم، اعتباراً من يوم الخميس (21 تشرين الأول).

في 23 تشرين الأول أعلن المعلمون المضربون في عدد من مدن وبلدات ريف حلب (الباب وقباسين وبزاعة ومارع واعزاز وجرابلس وأخترين والمخيمات) التحوّل من الإضراب المفتوح إلى الإضراب الجزئي.

وجاء في بيان مشترك "الانتقال من الإضراب المفتوح إلى الإضراب الجزئي مع استمرار حراكهم السلمي، والبدء بالدوام من يوم الاثنين (25 تشرين الأول)، وشكر المعلمون الأهالي والفعاليات المدنية والجيش الوطني للوقوف إلى جانبهم في حراكهم، محذّرين من أي إجراء لا يحترم الحريّات العامّة وحقوق المعلمين بالتظاهر والإضراب"، وفي 23 تشرين الأول عقدت نقابة المعلمين في الباب وقباسين الناشئة حديثاً مؤتمرها الصحفي الأول.

يبدو أن المعلمين المضربين قد تعرّضوا للتهديد بالفصل في حال واصلوا إضرابهم المفتوح، وهو ما دفعهم إلى الإعلان عن الإضراب الجزئي، حيث قالت صفحة "تنسيقية مدينة الباب وضواحيها" في "فيس بوك" إنّ "مدير التربية في الباب قام بجولة تفقدية على المدارس وهدد بفصل المعلمين غير الملتزمين بالدوام".

أزمة الرواتب

بدأ الدعم التركي للقطاع التعليمي في ريف حلب، عام 2017، وذلك بعد انتهاء العملية العسكرية (درع الفرات) بفترة قصيرة، وتحديداً في شهر نيسان، وفي الفترة ذاتها بدأ العمل بإحداث مديريات التعليم التابعة للمجالس المحلية التي باتت أيضاَ وفي ذات الفترة مدعومة من تركيا وتحت إشرافها الإداري، ويحصل موظفوها وأعضاؤها على رواتبهم من تركيا.

وفي العام 2018 انضمت عشرات المدارس في منطقة عفرين (غصن الزيتون) إلى القطاع التعليمي المدعوم من تركيا في مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، وكان المعلم في العامين 2017 و2018 يتقاضى راتباً شهرياً لا يزيد على 500 ليرة تركية وكان يعادل 150 دولاراً تقريباً، والراتب يكفي إلى حد ما تغطية مصاريف المعيشة للمعلم وأسرته، علماً أن التعاملات التجارية في المنطقة حينذاك، كانت تجري بالليرة السورية.

في النصف الثاني من العام 2018 ومع بداية العام 2019 انخفض سعر الليرة التركية بشكل كبير أمام الدولار الأميركي، ولم يعد راتب المعلم يكفي لسد احتياجاته، وكان أول احتجاج للمعلمين المطالبين بزيادة الرواتب في عدد من مناطق ريف حلب، عام 2019، وبالفعل استجابت الحكومة التركية وزاد الراتب بنسبة 50 في المئة ليصبح الراتب 700 ليرة تركية للمعلم العازب، و750 للمعلم المتزوج، وبرغم الزيادة لم يصل الراتب بالليرة التركية لما يعادله بالدولار إلى 125 دولاراً، أي أقل بـ25 دولاراً عن الراتب الأصلي الذي كان يتقاضاه المعلم في 2017 و2018.

في العام 2020 بدأت المعارضة السورية تتعامل بالليرة التركية في مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا بدلاً من الليرة السورية، وبدأ راتب المعلمين كما كل قطاعات العمل المدعومة من تركيا يفقد قيمته أمام الغلاء ورفع الأسعار غير المبرر من قبل تجّار السوق، وزاد الأمر سوءاً بعد الانخفاض الجديد لأسعار صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، وتواصل انهيارها حتى الوقت الحالي في الربع الأخير من العام 2021، وبالتالي أصبح الراتب الشهري للمعلم لا يتجاوز الـ80 دولاراً أميركياً.

اقرأ أيضاً.. ملف رواتب معلمي ريف حلب الشمالي.. أزمة تتكرر

على الرغم من تأكيد عدد من منظمي احتجاجات المعلمين الذين تواصل معهم موقع تلفزيون سوريا بأن حراكهم حدّد كثيرا من المطالب: كالقضاء على الفساد في المؤسسات التعليمية وتحسين المناهج وتوفير المزيد من المدارس للطلاب، إلا أن مطلب زيادة الراتب هو الدافع الرئيسي وراء الاحتجاجات، ويبدو مبرراً منطقياً في ظل أزمة المعيشة التي يعانيها العاملون في القطاع التعليمي، والتي أجبرت عدداً كبيراً منهم، منذ منتصف العام 2021، على الاستقالة والبحث عن عمل آخر يمكن من خلاله الحصول على راتب أعلى وتغطية المصاريف المتزايدة لأسرهم.

التهديد بالفصل

لولا الانتقادات اللاذعة التي طالت المجالس المحلية في الباب وقباسين وبزاعة بسبب القرارات التعسفية التي أعلنت عنها ضد المعلمين لكانت باقي المجالس في ريف حلب قد أصدرت قرارات مشابهة، ويبدو أن المجالس ومديريات التربية والتعليم التابعة لها لديها البديل في حال نفّذت تهديداتها بفصل المعلمين المضربين، كما أن لديها مستنداً تعتبره قانونياً لإدانة المعلمين وفصلهم، وهو التعهد الذي يوقع عليه المعلم بداية توظيفه، وفيه الكثير من البنود أهمها: يُمنع على المعلم المشاركة في أي احتجاج أو رفع لافتات أو حراك سياسي ومن يفعل ذلك منهم يعتبر مفصولاً من عمله.

بدت المجالس جدية في تهديدها، كيف لا وقد فتحت قبل مدة الباب أمام حملة الشهادة الثانوية للتقدّم لمسابقات العمل في التعليم لإشغال الشواغر الوظيفية، وتبدو مستعدة اليوم لقبول المزيد من حملة الثانوية كبدلاء عن المعلمين الذين تنوي فصلهم، وبطبيعة الحال هناك الآلاف من طلاب الجامعات ومن حملة الثانوية ومن الجنسين يحلمون بهذه الوظيفة التي توفر لهم المصاريف الشخصية ومصاريف التعليم الجامعي.

تداولت شبكات محلية في وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلا صوتيا لرئيس المجلس المحلي في أخترين شمالي حلب خالد ديبو قال فيه: "وجهنا نداء لجميع المدارس لكي يفتتحوها، لكن وصلني خبر مؤخراً بأنهم لن يفتحوها، وأن المعلمين مضربون".

ووجه "ديبو" كلامه للمخاتير ووجهاء أخترين والقرى في ريفها قائلاً: "إذا أنتم مقتنعون بإغلاق المدارس فنحن ليس لدينا أي مشكلة، لكن الحل الثاني، على كل مختار أن يجمع 10 وجهاء وليتجولوا على المدارس، كل واحد في قريته ومنطقته، يصحبوا وفداً من الأهالي، والمعلمين غير الموجودين، عليكم التصرف معهم وجهاً لوجه، وترسلون أسماءهم، نحن ما عنا إضراب ولا غيره، أضربوا يوم الخميس ومشيناها، الآن من يريد إغلاق المدارس ويواصل إضرابه يكون قد تجاوز حده، هذه المسؤولية عليكم..".

وسبق لـ"ديبو" أن نشر على صفحته في "فيس بوك" تصريحاً قال فيه: "نثمن ونقدّر الحراك الذي يقوده المعلمون في سبيل تحسين الواقع المعيشي ونفتخر بهذا الحراك الذي يعبّر عن مدى الحريات في مناطقنا ونحيي نضالهم النبيل، كما نحترم حقوقهم في المطالب وإصرارهم على تحقيق مطالبهم وهذا ما نراه ثمرة من ثمار ثورتنا ونضال شعبنا".

وأضاف "إغلاق المدارس وحرمان الطلاب من الحصص الدراسية وحق التعليم هو تصرف متسرّع نتيجة ردة فعل ما، فلا يمكن أن تكون الوسيلة إغلاق المدارس لأجل غاية زيادة الرواتب والأجور، كما أن الردّ القاسي على المطالب المشروعة أيضاً غير مبرر دون وجود حوار ووعود قابلة للتحقيق من قبل المعنيين، كذلك فإن استصغار أي مطلب يخلق خلافاً في المجتمع وبؤرة توتر بين المعلمين وأولياء أمور التلاميذ وتحميل المعلم مسؤولية التقصير وهو أمر لا نريده ولا نتمناه".

تصاعد الأزمة

بدأ تحضير المعلمين في ريف حلب للاحتجاجات، منذ بداية شهر تشرين الأول، وبعد نجاح التنسيق انطلقت الاحتجاجات والإضراب منتصف الشهر ذاته في الباب ومارع وقباسين وبزاعة واعزاز، وكانت الأكثر تصعيداً عفرين وريفها، ويرجع ذلك إلى استياء شريحة واسعة من المعلمين من الواقع السيئ للقطاع التعليمي في المنطقة، والذي يعاني من عدة إشكالات من بينها انخفاض الراتب.

عاد المعلمون في معظم المناطق الى العمل في الفترة ما بعد 14 تشرين الأول، وكان إضرابهم متقطعاً، وحدد بشكل مقصود يوم الخميس من الأسبوع لأنه سيليه يومان عطلة رسمية، وهذا يعكس رغبة المعلمين في عدم التصعيد، وكي لا يتضرر الطلاب من توقف المدارس، كما تعرض المعلمون في بعض المناطق للضغوط من مديريات التربية لكي ينهوا الإضراب، بينما واصل المعلمون في الباب وضواحيها وفي قباسين حراكهم.

في 19 تشرين الأول/أكتوبر أعلن في الباب وقباسين عن تأسيس نقابة المعلمين والتي من المفترض أن تنظم الحراك الاحتجاجي للمعلمين وتتحدث باسمهم لتحقيق مطالبهم.

واستمرت اللجنة التأسيسية للنقابة مجتمعة حتى ساعة متأخرة من ليل 19/20 تشرين الأول، واجتمعت أيضاَ بوفد من العسكريين من "غرفة القيادة الموحدة - عزم" وبعدد من الشخصيات والفعاليات المحلية، وقدمت اللجنة للوفد العسكري قائمة بمطالب المعلمين ووعد العسكريون بإيصال صوتهم والمساعدة في حل الأزمة.

قال عضو في اللجنة التأسيسية لنقابة المعلمين (فضّل عدم الكشف عن اسمه) لموقع تلفزيون سوريا إنّ "العمل ما يزال مستمراً على تأسيس النقابة، والاجتماعات متواصلة حتى الآن لكتابة نظام داخلي للنقابة، وتحديد أهدافها والمهام التي من المفترض أن تقوم بها باسم المعلمين في الباب وقباسين".

وأضاف "من المفترض أن ينضم للنقابة أكثر من 1200 معلم ومعلمة، ونسعى إلى أن تكون النقابة منبراً يطالب بحقوق المعلمين وينهض بالقطاع التعليمي خلال الفترة القادمة".

وأشار بخصوص العلاقة المتوترة بين المعلمين المضربين في الباب والمجلس المحلي إلى أنّ "القرار الذي أصدره المجلس وأعاد صياغته أكثر من مرة في صفحته الرسمية على فيس بوك كان صادماً بسبب اللهجة التصعيدية التي استخدمها ضد شريحة واسعة من المعلمين بناة الأجيال".

وتابع: "المجلس المحلي حاول الاجتماع بمنظمي الإضراب في الباب بطريقة عشوائية، طلبوا منا الاجتماع مع المشرفين المحليين والأتراك على التعليم في المنطقة، ولم يكن هناك موعد مسبق للقاء، قلنا لا نستطيع الآن، نريد مزيداً من الوقت لنرتب أمورنا، وهذا ما أزعج المجلس على ما يبدو، والذي أرسل لنا وفداً من الفعاليات الشعبية والوجهاء لكي يحثنا على التهدئة، لكن لم نتوصل إلى أي نتيجة، وهذه كانت المحاولة الوحيدة من المجلس للاستماع لمطالب المعلمين المضربين عن العمل".

وأوضح عضو اللجنة التأسيسية أن "تضامن الفعاليات الشعبية والمدنية والثورية والمعلمين في باقي مدن المنطقة شجعهم على الاستمرار في الإضراب حتى تحقيق المطالب.. العاملون في مختلف القطاعات متضامنون معنا بما فيهم العاملون في المجلس المحلي"، لافتاً إلى أنه "ليس لدى المعلمين نية التصعيد ولا إيقاف العملية التعليمية والإضرار بالطلاب، هي محاولة للفت الأنظار إلى معاناة شريحة كبيرة من العاملين في أهم القطاعات الحيوية في المنطقة".

وأردف أنه "يتوجب على الجهات والمؤسسات التي تدير المنطقة أن تتعاطى معها بإيجابية بدل لغة التهديد والوعيد، هناك عدد كبير من المعلمين يضطرون للعمل الإضافي لكي يغطوا مصاريف معيشة أسرهم، معلم يعمل في مقهى، وآخر يعمل على بسطة في واحدة من ساحات المدينة، ومعلم آخر يعمل في إصلاح الأحذية، والأمثلة كثيرة على المعاناة التي يعيشها المعلم الذي من المفترض أن يكون ذا قيمة عالية لقاء خدماته الجليلة التي يقدمها للمجتمع".

وبحسب عضو اللجنة التأسيسية للنقابة فإنّ "مشكلة التعليم في منطقة ريف حلب وفي الباب تحديداً ليست فقط بانخفاض الأجور، المشكلة متشعبة، فمثلاً نعاني من قلة المدارس في المدينة وضعف القدرة الاستيعابية، هناك 5 مدارس على الأقل تستخدمها الشرطة والمجلس المحلي والفصائل لأغراض غير تعليمية، وهناك 5 مدارس أخرى كانت مدمرة بفعل القصف السابق لقوات النظام أزيلت بالكامل ولم يجرِ ترميمها، إضافة إلى مشكلة المناهج وغيرها من مشاكل التعليم في المدينة".