إسرائيل تشهد حربا طاحنة بين دوائر صنع القرار

2020.12.06 | 23:08 دمشق

images.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالتزامن مع التطورات الخارجية التي تشهدها إسرائيل في الأشهر الأخيرة، سواء موجة التطبيع مع عدد من الدول العربية، أو التوترات الحاصلة مع دول أخرى في المنطقة، فإن العلاقات بين صناع السياسة الأمنية الإسرائيلية تدهورت إلى أعماق منخفضة، بسبب انعدام الثقة ونقص التعاون، لأن الاستراتيجية الأمنية والسياسة الخارجية، يديرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع رئيس الموساد يوسي كوهين ورئيس مجلس الأمن القومي مائير بن شبات.

شكلت رحلة نتنياهو السرية مع كوهين للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دون إبلاغ المؤسسة العسكرية، وقرار وزير الحرب بيني غانتس بتشكيل لجنة تحقيق في فضيحة شراء الغواصات، مؤشرات على عمق الأزمة الحاصلة في دوائر صنع القرار الإسرائيلي.

دفع هذا الأمر بغانتس للإعلان أن تسريب رحلة السعودية خطوة غير مسؤولة، لكن ما يحدث اليوم هو عرض ترويجي لما قد يحدث في حالة الطوارئ، كالمواجهة العسكرية بقطاع غزة، لأن السلوك الإشكالي لمجلس الوزراء خلال حرب غزة الأخيرة الجرف الصامد في 2014، وما شمله من اتهامات متبادلة، وتسريبات في الاتجاه المعاكس، وصعوبة في اتخاذ القرارات، سيبدو مثل لعبة أطفال في المواجهة القادمة.

لعل ما قد يفسّر خريطة الانقسام الداخلي في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، أنه يقع ضمن ثلاث جبهات: الأولى يقودها نتنياهو ودائرته الضيقة مثل رئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي، والثانية غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، والثالثة رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك نداف أرغمان.

من الصعب تجاهل الضرر التراكمي الذي أصاب مكانة الجيش، مع تقلص دوره في صنع القرار، لأن إخفاء اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج، وصفقة السلاح بين الولايات المتحدة والإمارات، وعدم إطلاع مطبخ كبار الوزراء، يجعل مثلث العلاقات بين رئيس الوزراء ورئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي تجاوز منذ فترة طويلة الممارسة المقبولة في إسرائيل، فيما يتعلق بصنع القرار في القضايا السياسية والأمنية.

جاءت رحلة نتنياهو إلى مدينة نيوم السعودية سرية للغاية، لدرجة أن الرقيب العسكري بعد يوم واحد فقط أكد وجوده هناك

لقد برر حزب أزرق- أبيض قراره بدخول حكومة الوحدة في ظل الحاجة الملحة لمواجهة وباء كورونا، والضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد، وعدم الاستقرار السياسي، والحملات الانتخابية التي لا تنتهي، وفي النهاية ستمر الجائحة، وسيكون من الصعب العثور على الغراء الذي سيستمر بربط أزرق-أبيض بالليكود، والآن سينضم للتوتر الحالي بين نتنياهو وغانتس، وجود لجنة التحقيق الحكومية في قضية الغواصة والسفينة.

جاءت رحلة نتنياهو إلى مدينة نيوم السعودية سرية للغاية، لدرجة أن الرقيب العسكري بعد يوم واحد فقط أكد وجوده هناك، وحقيقة أنه ذهب لاجتماع سري في دولة ما تزال تُعرف حسب البروتوكول على أنها معادية، دون علم المؤسسة العسكرية بذلك، دون تحديد صلاحيات لنائبه، وفي انتهاك صارخ للإجراءات الدستورية، بما في ذلك إجراءات الإنقاذ والاتصال بالسلاح الجوي، وهو أمر ضروري في حالة الطوارئ.

نتنياهو ليس أول رئيس وزراء يفعل ذلك، لكن هناك أمثلة من الماضي البعيد، ففي السنوات الأخيرة، تم وضع إجراءات واضحة للسفر السري، وليس من الواضح لماذا مطلوب منه العمل بهذه السرية؟ فهل كان الهدف من إحراج وزير الحرب للقيام بعمل انتقامي على إنشاء لجنة التحقيق في شراء الغواصات، ما شمل ضمناً إحراج العسكر الإسرائيلي؟

إن عدم إبلاغ نتنياهو لوزير الحرب ورئيس الأركان ومؤسسات الجيش الإسرائيلي ذات الصلة، لا يعني انتهاكا لسرية الزيارة، وقد ينسفها، ما يتطلب منه التفكير مرة أخرى، فأسرار الدولة التي يحوزها هؤلاء أكبر بكثير من زيارة نتنياهو للسعودية، وقد أخذ معه سكرتيره العسكري الجنرال آفي بالوت دون إبلاغ قائد الجيش، ما شكل معضلة معقدة.

صحيح أنه كان من الصواب إبلاغ وزير الحرب وقائد الجيش برحلة السعودية، لتفادي الإحراج الذي وقع فيه، لكن الشعور السائد اليوم في أروقة صنع القرار الإسرائيلي أنه تم استخدام السخرية السياسية، واللدغة الصارخة تجاه المؤسسة العسكرية.

هذه التطورات تشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستمر باستهداف الجنرالات العسكريين بوصفهم يساريين، وهذه المرة، وضع رئيس أركان الجيش الجنرال أفيف كوخافي في مرمى النيران، لأن خطيئته أن يكون تحت حماية وزير الحرب بيني غانتس، وهو قائد سابق للجيش، وحاليا عدو سياسي مرير لرئيس الوزراء، لكن نتنياهو يتطلع لأن يدير شؤون الدولة بمفرده، ويبقيهما خارج الحلقة.

في نوفمبر، سافر نتنياهو للسعودية دون إبلاغهما، ودون تعيين بديل مؤقت أثناء غيابه، ودون إجراء نوع المشاورات والمناقشات التي تسبق هذه الخطوة التاريخية، وكذلك جاء قراره في سبتمبر 2019 بضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، دون إجراء مناقشة مهنية حول الآثار المحتملة لهذه الخطوة البعيدة المدى مع رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مما أدى لإغضابهم.

كما أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لبيع الولايات المتحدة مقاتلات إف35 للإمارات عشية التطبيع معها، دون مناقشة مع قادة الجيش والأمن، ولم يخبرهم مسبقا، وبحلول الوقت اكتشف رؤساء الأجهزة الأمنية أن نتنياهو وافق على بيع المقاتلات بعد فوات الأوان، وبات يحمل العصا من الطرفين، ولا يثق سوى بنفسه، ويتخذ القرارات بنفسه، ويغذي جنون العظمة العميق تجاه الجنرالات، ويحد من طموحاتهم السياسية.

نتنياهو وغانتس يواجهان قرارا دراماتيكيا بشأن تفكيك حكومة الوحدة، والاستعداد لجولة رابعة من الانتخابات خلال عامين

يرى الإسرائيليون أن شكوك نتنياهو قد يكون لها أساس من الصحة، فقد أحبط أحد الجنرالات محاولة إعادة انتخابه من جديد، وهو إيهود باراك، وتحدى آخرون قبضته على السلطة على مر السنين، بينهم قادة الجيش السابقون: شاؤول موفاز، إسحاق مردخاي، ومؤخرا موشيه يعلون، وبيني غانتس، ووزير الخارجية غابي أشكنازي.

نتنياهو وغانتس يواجهان قرارا دراماتيكيا بشأن تفكيك حكومة الوحدة، والاستعداد لجولة رابعة من الانتخابات خلال عامين، ربما في الربيع، رغم أن غانتس يفضل السقوط على سيفه الآن، بينما لا يزال يتمتع بقدر ضئيل من الفخر، والوقوف بدلا من انتظار نتنياهو لإذلاله أكثر، ومع ذلك لا يملك غانتس الكلمة الفصل، والقرار يعود لنتنياهو.

حتى يتم اتخاذ قرار ما، يستمر نتنياهو في تلطيخ خصومه بوصمة اليسار القاتلة، وأثارت رحلته للسعودية، ولقاؤه بولي العهد محمد بن سلمان قلقا كبيرا في إسرائيل من إمكانية تكرار صفقة إف35 مع السعوديين، مع أن المملكة ليست الإمارات، وأن تجهيزها بهذه المقاتلات المتقدمة مقلق للغاية، نظرا لنقاط الاحتكاك المحتملة مع إسرائيل في البر والبحر.

مثل هذه الصفقة تمهد طريق السعوديين للتطبيع مع إسرائيل، لكن رئيس هيئة أركان الجيش ووزراء الحرب والخارجية ورؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات ليس لديهم إجابات على هذه المخاوف من الصفقة المذكورة، وليس لديهم من يسألون عنه، لأن نتنياهو يمثل النموذج الفردي الذي يعمل بهذه الطريقة، والشخص الوحيد الذي يتحمل المسؤولية أمامه هو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.