ربما لحظ القارئ أنني وضعت عنوان هذا المقال في مزدوجات لغرض معين، الأول هو أن تعريف الإرهاب لم يتم التوصل لتحديده قانونيا على المستوى الدولي، ولو أن بعض الدول طورت تعريفا قانونيا للمفهوم لكن ينطبق فقط على المستوى المحلي والوطني القانوني الخاص بها ولا ينطبق على المستوى الدولي.
أما القسم الثاني من العنوان فهو أيضا محط جدل دولي، فالكثير يحاجج أن الدولة لا تمارس "الإرهاب" فهي بالتعريف من يحتكر استخدام العنف وباستخدامها له يصبح شرعيا، ولما كانت قوانين حقوق الإنسان تطورت بشكل متأخر عن تحديد مفهوم الدولة تاريخيا فلم يأخذ احتكار استخدام العنف بعين الاعتبار احترام حقوق الإنسان لمواطني الدولة وفي الحالة السورية حقهم الأدنى وهو الحق في الحياة.
لقد تطورت دراسات عنف الدولة بشكل كبير خاصة مع تصاعد الدكتاتوريات في ثمانينات القرن الماضي، وأصبح هناك الكثير من التركيز على ما يسمى أنماط عنف الدولة التي تمارسها الأنظمة السلطوية عبر العالم. لقد قام الباحثون بالبحث في عددٍ من السمات المختلفة لعنف الدولة، الذي يتلخص في سمتين اثنتين: نطاق العنف، وَشدته.
تعرف على سبيل المثال شينا تشيزناتس جريتنز المتخصصة بدراسات السلطوية في جنوب شرق آسيا تدرس مدى اتساع العنف الممارس: أي بعبارةٍ بسيطة، عدد الأشخاص الذين تستخدم الدولة العنف معهم. فيما عرّفت الشدة على أنها سوية العنف المستخدم؛ حيث يمثل القتل خارج إطار القضاء سويةً عالية-الشدة للعنف مقارنةً مع الاعتقال، على حين يأتي السجن وَالتعذيب في المنتصف. فقياس عنف الدولة يتم من خلال معاينة وَتتبع نطاقه عند سوياتٍ مختلفة الشدة. كالتدقيق في أعداد المعتقلين، أعداد المتهمين أو المحكومين بتهمٍ سياسية، وَكذلك أعداد الأشخاص الذين تم إعدامهم.
كما أن دراسات أخرى تدرج أيضاً سمةً ثالثةً من سمات عنف الدولة – العشوائية (اللاتمييز). أي ما كان النظام يستخدم القوة ضد الأشخاص الذين يستهدفهم، متجنباً استعمالها مع من هم خارج دائرة أهدافه. فالنطاق وَالعشوائية أمران متمايزان عن بعضهما من ناحية المفهوم، إلا أنهما شديدا الترابط على صعيد الممارسة: فعلى سبيل المثال، نجد أن أي حملةٍ عشوائية التمييز، ستؤدي، من خلال اعتمادها على الاعتقالات الجماعية بدلاً من اعتقال الأشخاص المستهدفين فحسب، إلى تعرض عددٍ أكبر من الأشخاص للعنف، الأمر الذي سينتج عنه عنفٌ واسع النطاق.
فضلا عن ذلك تطور ما يسمى مقياس الإرهاب السياسي الذي لم يكن معروفاً قبل عام 1976، على حين أنَّ قواعد بيانات CIRI لحقوق الإنسان قد بدأت في عام 1981 فقط.
بالنظر إلى السمات الثلاث إذاً نجد أن الدولة السورية تمارس العنف و"الإرهاب" ضد المدنيين السوريين بكل أشكاله وأنواعه، فشدة العنف وقوته واتساع نطاقه وعشوائيته على مدى العشر السنوات الماضية تظهر حجم الإرهاب الذي مارسه نظام الأسد بحق السوريين خاصة بعد بدء الثورة السورية عام 2011.
وهو ما أفردت له فصلا خاصا في كتابي "تدمير سورية: كيف نجحت استراتيجية الأسد أو نحرق البلد" حيث تحدثت عن الاستراتيجية التي استخدمها الأسد لممارسة العنف الأقصى "الإرهاب" بوصفها الاستراتيجة الوحيدة التي تمكنه من البقاء في السلطة. ربما تدفعنا الحالة السورية لإعادة تعريف إرهاب الدولة وتطبيقاته على مستوى القانون الدولي.