إدلب وملامح الحلف الأميركي التركي

2018.09.14 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

نجحت تركيا في فرض إيقاع جديد للتعامل مع معركة إدلب لم يقتصر على لجم الاندفاعة الروسية الإيرانية الأسدية في اتجاه الحل العسكري وحسب، بل تمثل في تركيب معادلة تلحظ للمقاربة التركية  المغايرة وزنا كبيرا في ضبط إيقاع الأمور.

بدا الخلاف التركي الروسي واضحا خلال قمة طهران واتضح أن معالم الحلف المفترض بينهما تنطوي على نسبة عالية من الهشاشة انطلاقا من تضارب المشاريع.

يعتمد المشروع الروسي منطقا إباديا تحت حجة القضاء على الإرهاب، يتم بعد إنجازه تسليم إدارة الأمور لجيش بشار الأسد المدعوم بالميليشيات الإيرانية، في حين تقوم المقاربة التركية على إمكانية إنشاء تفاهمات تؤمن خروج الجماعات المتطرفة من المعادلة، وتجنب تركيا وأوروبا موجات لجوء هائلة، وتمنع حدوث مجزرة كبيرة بحق حوالي ثلاثة ملايين شخص من سكان إدلب.

عزز الموقف التركي الحازم والصلب والمدعوم بتدفق عسكري كبير الموقف الأميركي الرامي إلى تحجيم نفوذ إيران، التي كانت تسعى من خلال اتفاقها مع الروس إلى المشاركة في هجوم كبير على إدلب لتثبيت مواقعها في المعادلة السورية، وتعطيل المسار الأميركي الذي يهدف إلى إخراجها.

بدا الخلاف التركي الروسي واضحا خلال قمة طهران واتضح أن معالم الحلف المفترض بينهما تنطوي على نسبة عالية من الهشاشة انطلاقا من تضارب المشاريع

تحول التقارب التركي الإيراني الروسي إلى صراع مشاريع و تضارب مواقع، إذ إن تغيير مقاربة موضوع إدلب ولجم الأعمال العسكرية والبحث عن مقاربة أخرى، يعود بشكل أساسي إلى الموقف التركي الذي يلتقي في جوهره مع الموقف الأميركي، ويتضارب مع المواقف الروسية والإيرانية.

من هنا قد تكون مآلات المناخ الدولي حول إدلب مدخلا لتركيب نسق جديد من التحالفات على الأقل في هذه المرحلة تبدو فيه تركيا حليفة لأميركا وليست حليفة روسيا وطهران.

التحالف مع أميركا يؤمن لكل من أميركا وتركيا جملة من المصالح لا يؤمنها حلف تركي روسي، لأن استكمال المشروع الروسي وفق النمط الذي سارت عليه الأمور حتى الآن لا يمكن أن ينجز إلا على حساب الدور التركي، في حين أن أميركا لا يهمها من الوضع السوري بشكل خاص سوى موضوع ضرب النفوذ الايراني. يعني ذلك أنه في اللحظة التي تعمل فيها روسيا على تثبيت نفوذها في سوريا كمدخل يخولها النطق باسم الشأن السوري بشكل عام، تتعامل أميركا مع الملفات الكبرى المتعلقة بسوريا والتي من أهمها موضوع الإعمار بوصفها الأداة الصلبة التي تمكنها من الضغط في سبيل فرض ضرب إيران كشرط أساسي للإفراج عن هذا الملف الحيوي بالنسبة لروسيا.

يمكن لتركيا أن تلعب دورا كبيرا في هذا الملف لأن حلفها مع أميركا في شأن موضوع إدلب لا يعني العداء مع روسيا، بل يعني تحولا في الأدوار يقتضي الانتقال من دور الحليف إلى دور المفاوض وليس الخصم. لا تستطيع روسيا أن ترفض الدور التركي الجديد لأنها لا تستطيع تجاوز تبعاته العسكرية وتأثيراته على ملف الإعمار، فأميركا تعلن أنها لن تفرج عن هذا الملف قبل إنجاز مشروع الحل السياسي، وتركيا تعلن أنه يمكنها لعب دور الوسيط المقبول من قبل أميركا ومن قبل المعارضة السورية المشرعنة دوليا للشروع في إنجاز تفاصيل  هذا المشروع. من هنا يتخذ الدور التركي صفة الدور المطلوب الذي يحظى بإجماع طرفين لا يمكن أن تنجز الأمور إلا من خلالهما أي أميركا والمعارضة السورية المعتدلة.

قد تكون مآلات المناخ الدولي حول إدلب مدخلا لتركيب نسق جديد من التحالفات على الأقل في هذه المرحلة تبدو فيه تركيا حليفة لأميركا وليست حليفة روسيا وطهران

يرجح أن تتحول إعادة النظر في الحل العسكري لمسألة إدلب الى استفتاء دولي حول النفوذ الإيراني، حيث تلتقي مصالح القوى الفاعلة والمؤثرة حول هذا الموضوع أو أنه على الأقل بات يشكل نقطة تقاطع مصالح أميركا وروسيا وتركيا. يرجح أن يفتح هذا التقاطع الثلاثي  سلسلة مقايضات تطبخ في الأفق تتعلق بالموضوع الإيراني حيث تعرض أميركا على روسيا مقايضة رأس إيران في سوريا بموضوع القرم، وتعرض على تركيا إعادة إنتاج موقعها ونفوذها في المنطقة وربما يصار إلى رفع العقوبات عنها مقابل لعبها دورا يحول دون اندفاعة عسكرية روسية تسمح لإيران بتمكين حضورها، ويتيح من ناحية أخرى تفكيك الحلف الإيراني الروسي وتسهيل المقايضة مع أميركا حول رأس إيران في سوريا.

أثبتت الاندفاعة التركية المرفقة بالتصرف الميداني السريع أن تركيا  هي دولة لا يمكن تجاوز مصالحها وحضورها في المنطقة بسهولة، وأن أي حل في سوريا لا يمكن أن يتم من دونها، وأنها تمتلك من عناصر المناعة ما يمنع تحول الإرباك الاقتصادي الذي سببته العقوبات الأميركية إلى استفتاء حول شرعية الحكم كما هو الحال في إيران، بل لم يعدو كونه اختبارا لنجاعة بعض المعالجات الاقتصادية في إدارة اقتصاد ميال إلى النمو والتوسع، ويمتلك من عناصر التمكين الاقتصادي ما لا تملكه جل اقتصادات المنطقة. كل هذه العناوين تجعل من تركيا شريكا إلزاميا في عملية إعمار سوريا من ناحية وفي حل مسألة الانتقال السياسي ومسألة اللاجئين، حيث يسجل لها أنها نجحت في احتواء عدد كبير من اللاجئين السوريين في ظروف إنسانية ومعيشية لم تتوفر لهم في سائر دول اللجوء.

ربما يكون الأبرز في المعادلة الأميركية التركية الجديدة أن نجاح هذا الحلف في فرض ضرب نفوذ إيران وما سيستتبعه حكما من تهاوي منظومة الممانعة القاتلة في المنطقة، سيحول تركيا إلى حليف جدي لكل شعوب المنطقة، وسيجعل شبكة علاقاتها تشكل البديل الصحي والآمن للنفوذ الإيراني المتهاوي، والأهم أنه قد يساهم في تركيب حلف تركي عربي قد يتيح للمنطقة الدخول في زمن آخر مغاير لمآلات الزمن الإيراني الأسود.