إدلب وقدرة روسيا وتركيا على تجزئة الخلافات

2020.02.24 | 23:01 دمشق

thumb_146839_700_400_0_0_exact.jpg
+A
حجم الخط
-A

أدت سيطرة قوات نظام الأسد على عدد من البلدات في محافظة إدلب آخر معاقل الثورة السورية إلى وضع العلاقات التركية الروسية أمام اختبار حقيقي في ظل إصرار كل طرف على موقفه، حيث تطالب تركيا بعودة قوات النظام إلى ما خلف نقاط المراقبة التركية المتفق عليها في سوتشي، فيما تضع روسيا كل دعمها وراء قوات النظام وتقول إنه لا عودة للوضع القائم في إدلب.

ومع توافد التعزيزات العسكرية التركية أعلنت أنقرة عن عزمها على إنفاذ رؤيتها بالإضافة إلى استدعاء الإطار الرباعي الذي يضم كلاً من فرنسا وألمانيا أيضا لمحاولة الضغط على روسيا، ومع أن هناك أكثر من سيناريو يحضر في هذا السياق من قبيل التوصل لحل مقبول خلال الأيام القادمة أو خروج الأمور عن السيطرة ورجحان الخيارات العسكرية فإن التطورات الأخيرة أشارت بوضوح إلى أي مدى يمكن أن تذهب العلاقات التركية الروسية وتعتبر الأحداث الأخيرة دليلاً على بطلان التحليلات التي قالت إن تركيا اتجهت شرقا.

من زاوية أخرى هناك قضية أخرى ربما تتأثر بشكل واضح بعد الخلاف في إدلب ولعل حرص الطرفين على تأجيل المواجهة كان واضحا فعلى الرغم من مهارة تركيا وروسيا في الفصل في ملفات الخلاف بينهما منذ 2015 حيث أثبتا مرونة عالية وفي الحقيقة تشتهر تركيا بهذه الميزة، فإن التطورات الأخيرة في إدلب تهدد هذه الميزة وفيما يلي سوف نستعرض بعض الملفات التي يمكن أن يمتد إليها التوتر في إدلب أو قد امتد

اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا في 16 شباط بإدارة الحرب في ليبيا حيث قال أردوغان "روسيا تدير في الوقت الراهن الحرب هناك على أعلى مستوى"

بالفعل وظهرت بعض علاماته في الأيام الأخيرة ومنها ليبيا وأوكرانيا والعلاقات التجارية التركية الروسية خاصة في ملف تصدير الخضار التركي إلى روسيا وبالتأكيد الملف ذو الأهمية الاستراتيجية والذي يؤثر على العلاقات التركية الأميركية وهو ملف إس 400.

فيما يتعلق بليبيا وفي ظل اشتعال التوتر حول إدلب اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا في 16 شباط بإدارة الحرب في ليبيا حيث قال أردوغان "روسيا تدير في الوقت الراهن الحرب هناك على أعلى مستوى"، كما كرر أردوغان اتهامه لشركة الأمن الروسية الخاصة "فاغنر" بدعم حفتر، ومن المعلوم أن العديد من المحللين الأتراك قد شككوا في حقيقة الضغط الذي مارسه بوتين على حفتر لكي يقبل بتوقيع وقف إطلاق النار.

ونذكر هنا أيضا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدأ برنامج شهر شباط الجاري باجتماع المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى في العاصمة الأوكرانية كييف حيث جدد أردوغان تأكيده أن بلاده لم ولن تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية بطريقة غير شرعية. ولم يتوقف الأمر عند هذه النقطة فقد قدمت تركيا مساعدات في المجال العسكري لأوكرانيا وذلك وفق ما أعلنه السفير الأوكراني في أنقرة أنه تم خلال هذه الزيارة، "توقيع اتفاقية يقدم بموجبها الجانب التركي مساعدة مالية بقيمة 200 مليون ليرة تركية (حوالي 50 مليون دولار أمريكي) ستستخدم لتلبية احتياجات

حاولت موسكو جعل أنقرة تستحضر أزمة 2015 بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية حيث أوقفت روسيا استيراد الخضراوات من تركيا

الجيش الأوكراني، وخاصة شراء الأسلحة"، مؤكدا توقيع اتفاقية مشابهة وبنفس المبلغ سابقا، لكن التوقيت هذه المرة من شأنه إثارة الاستياء الروسي. كما اعتبر هتاف أردوغان وسط استقبال حرس الشرف له في كييف "المجد لأوكرانيا" مستفزا للروس خاصة أن الهتاف مرتبط بالمشاعر المعادية ضد روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.

ومن جانب آخر على مستوى العلاقات الروسية التركية المباشرة وفي سياق توتر إدلب حاولت موسكو جعل أنقرة تستحضر أزمة 2015 بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية حيث أوقفت روسيا استيراد الخضراوات من تركيا وخاصة الطماطم مما تسبب بضرر كبير للعاملين في هذا القطاع وخاصة مدينة أنطاليا، وقد أوقفت روسيا في 10 شباط 2020 عددا كبيرا من الشاحنات التركية المحملة بالطماطم بحجة أن حصة استيراد الطماطم من تركيا والمقدرة ب 150 طناً قد اكتملت، وقد كان من المقرر رفع هذه الحصة 50 طناً إضافياً لكن صانع القرار الروسي لم يعتمد القرار بعد مما جعل 250 شاحنة  تنتظر على المعابر الحدودية عرضة لخسارة  20 إلى 30 مليون دولار في حال تلف 5 آلاف طن من الطماطم.

ربما يحاول الطرفان التوصل لحلول لكن السياسة الروسية تجاه تركيا في إدلب تظهر ميلاً أكبرَ نحو ابتزاز تركيا وفرض الأمر الواقع عليها ولهذا فإن هذا التشنج الذي تمثل في فشل عدة جولات من الحوار واتصالات على أعلى مستوى بخصوص إدلب يضع عصا في دولاب أي تقارب تركي روسي في المستقبل كما أنه يهدد بفتح القنوات على بعضها في ملفات الخلاف التي تمتد من أوكرانيا والقرم إلى البحر الأسود إلى ليبيا وغيرها.