إدلب: وفي الليلة الظلماء اختفى القمر المتوهم!

2020.02.12 | 15:30 دمشق

thryr_alsham.jpg
+A
حجم الخط
-A

لطالما شكلت القوى الجهادية قضية إشكالية بالنسبة للثورة السورية والمعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، وليس الاستغلال الروسي لوجود ما تبقى من هذه القوى في إدلب حالياً، من أجل خرق كل الاتفاقات مع الجانب التركي، وشن المزيد من الحملات الدموية على المنطقة وسكانها سوى آخر وجوه الإشكال الكبير هذا.

لسنا اليوم بوارد البحث مجدداً في مسألة (من أين جاء الجهاديون وماذا فعلوا وكيف تصرفوا إلخ؟) فقد أشبعت هذه الأسئلة وغيرها نقاشاً، بل أعتقد أن التطورات الأخيرة التي يعيشها أهلنا في إدلب وريف حلب الغربي، باعتبارها من آخر معاقل المعارضة، تقود إلى البحث في جانب من المسألة لم يكن ممكناً الحسم فيه قبل هذا اليوم.

لقد تصرفت معظم التنظيمات السلفية الجهادية بمنتهى العداء ضد قوى الثورة والمعارضة الأخرى، السياسية منها والعسكرية، ومنذ البداية كانت تمتلك أو تؤمن باستراتيجية واضحة اتفقت عليها هذه التنظيمات رغم كل خلافاتها، وهي تقويض أي قوة أو مشروع سياسي أو عسكري وطني، باستخدام كل الأدوات والأسلحة المادية وغير المادية.

لم تستطع القوى الوطنية ولا الإسلامية السورية أن تقاوم استراتيجيات وتكتيكات التنظيمات الجهادية

لم تستطع القوى الوطنية ولا الإسلامية السورية أن تقاوم استراتيجيات وتكتيكات التنظيمات الجهادية، التي تمتلك بطبيعة الحال خبرة كبيرة في هذا المجال، وتجارب كثيرة قبل التجربة السورية، فكان أن كسبت كل المعارك التي شنتها ضد القوى الثورية، ليس عسكرياً فقط، بل وحتى على صعيد الرأي العام الذي يجيد الجهاديون التعامل معه.

لم يكن اختلاق الأسباب واختراع الذرائع من أجل تبرير الهجمات على الفصائل الإسلامية وتشكيلات الجيش الحر السلاح الوحيد الذي استخدمته الجماعات الجهادية لتنفيذ استراتيجيتها، بل ودائماً ما اعتمدت المظلومية وادّعت أنها مستهدفة من قبل القوى الوطنية التي لم تكتف بتشويه صورتها، من خلال اتهامها بالعمالة ووصمها بالفساد المطلق، بل وبالإضافة إلى كل ما سبق، ركزت الدعاية التي استخدمتها هذه القوى على التحذير من مخاطر مجابهتها أو رد اعتداءاتها بالعديد من المبررات، التي كان أهمها "أن الثورة ستكون بحاجة إلى هذه القوى في يوم الحسم".

(هل يقطع عاقل يده..غداً سوف يأتي اليوم الذي تقدرون فيه قيمة هؤلاء..كيف يمكن أن تحاربوا من سيكون شوكتكم في اليوم الحرج..اصبروا عليهم ففي لحظة الشدة ستعرفون قيمتهم..)..

كل هذه العبارات وغيرها رددها مؤيدو الجماعات الجهادية لثني القوى الثورية عن رد اعتداءاتها التي كانت باهظة الثمن، وهي الدعاية التي آمن بها الكثيرون فعلاً، أو تحسباً ليوم صعب تبرز فيه الحاجة إليهم، حتى إذا جاء هذا اليوم ظهرت حقيقة قدرات وإمكانات هذه القوى.

مرت نحو ثلاث سنوات على بدء قوات النظام وحلفائها قضم المناطق الممتدة من ريف حماة إلى ريف حلب، وهي المناطق التي تمركزت فيها الجماعات الجهادية المختلفة مع تنظيم الدولة، وخاضت ضد بقية الفصائل فيها معارك دامية من أجل فرض هيمنتها على هذه المنطقة، لكن بمواجهة جيش النظام ومليشياته عجز الجميع عن وقف مسلسل الخسائر حتى الآن!

(في اليوم) المنتظر لم تتمكن القوى الجهادية التي عملت على تقويض الفصائل الأخرى وتفكيكها من إحداث أي فارق يذكر، وفي اللحظات الحاسمة، اكتفت هذه الجماعات بببعض التفجيرات والمبالغة بنتائجها، ما كشف أو أكد أنه لم يكن التعويل عليها والمبالغة في تقدير قوتها بمواجهة العدو سوى تخيلات.

إن الايمان بقدرات استثنائية للجماعات الجهادية يمكن الاستفادة منها في اللحظات الحرجة، لا يعدو أن يكون وهماً يساوي تماماً خرافة أنها جماعات منتجة في معامل الاستخبارات، وهذا الإيمان يتجاهل بطريقة ساذجة المصير الذي آلت إليه التجارب السابقة لهذه الجماعات.

إن النصر الوحيد الذي يسجله التاريخ للقوى الجهادية كان على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وهو نصر لم يكن ليتحقق بدون توفر السلاح النوعي الذي قدمته الولايات المتحدة لهذه التنظيمات

إن النصر الوحيد الذي يسجله التاريخ للقوى الجهادية كان على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وهو نصر لم يكن ليتحقق بدون توفر السلاح النوعي الذي قدمته الولايات المتحدة لهذه التنظيمات، التي لم تقاتل لوحدها كما هو معلوم، بل كانت محدودة العدد بالنظر إلى القوى الأفغانية الأخرى، التي انقلب عليها الجهاديون لاحقاً، كما هو معروف أيضاً.

والآن، فإن قوى المعارضة السورية، وكل من آمن بالتنظيمات السلفية الجهادية كعامل خلاص أو توازن، يدرك بما لا يقبل الجدل أن الثورة السورية لم يكن ينقصها الإيمان ولا الرجال لكي تنتصر، بل كانت بحاجة منذ البداية وإلى اليوم، إلى السلاح النوعي الذي يجسر هوة الفارق في الإمكانات مع الروس والإيرانيين وطيران النظام، وأن هذه الجماعات، ومثلما كانت عبئا في البداية، فهي عبء اليوم بعجزها الميداني، الطبيعي على أي حال، وفي توظيفها السياسي والإعلامي من قبل الروس الذين يكررون أمام العالم وبمواجهة تركيا أنهم يحاربون (الإرهاب) في إدلب مستغلين وجود هذه الجماعات!

"وهل كانت روسيا ستمتنع عن مهاجمة إدلب لو لم تكن فيها هذه الجماعات ؟!.."

مؤكداً سيكون هذا سؤال البعض الذي سيحاولون به تفريغ النص من مضمونه، وهو سؤال تكرر باستمرار، وكان بلا معنى دائماً، لكنه لم يكن كذلك مثل اليوم، فاليوم ليس السؤال "هل كان العدو سيهاجمنا بهذه الذريعة أو بغيرها"، بل السؤال هو: أين الجماعات السلفية الجهادية اليوم مما يجرى في إدلب، وماذا قدمت للسوريين الذي صبروا عليها واحتملوها من أجل هذه اللحظات الحاسمة ؟!