إدلب قبل ساعات من التنفيذ

2018.10.07 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يرى البعض أن اتفاق سوتشي التركي الروسي حول الحل في إدلب حقق نجاحا سياسيا وأمنيا في تجنيب المدينة كارثة إنسانية مكلفة. هو طرح كان من الممكن قبوله لو لم تبرز بعد ساعات فقط من الإعلان عن تفاصيل الاتفاق الكثير من الأصوات القلقة والحذرة ومسارعة كل طرف محلي وإقليمي ليغني على ليلاه في فهم الاتفاق وتفسير بنوده وطائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تكن قد غادرت المجال الجوي الروسي بعد.

قبل أيام فقط من البدء بتنفيذ تفاهمات سوتشي التركية الروسية حول إدلب ما زال الغموض والتباين وحالة القلق المهيمن الأول على مسار الأمور. أنقرة دعت قوات المعارضة ومجموعات "هيئة تحرير الشام" لتسليم لوائحها حول عدد مقاتليها والأسلحة التي تملكها في المنطقة العازلة، لكن هذه القوى تقول إنها لم تصل بعد إلى ما تريده من تطمينات وضمانات كافية حول استفسارات كثيرة طرحتها.

أنقرة دعت قوات المعارضة ومجموعات "هيئة تحرير الشام" لتسليم لوائحها حول عدد مقاتليها والأسلحة التي تملكها في المنطقة العازلة

تقول أنقرة أيضا إنها في اتفاقية سوتشي حققت ما تريده لناحية توفير الحماية لمئات الآلاف من المدنيين في إدلب وقطعت الطريق على دخول قوات النظام إلى المدينة وزادت من عزلة ومحاصرة المجموعات المتطرفة التي لم يعد أمامها الكثير من الخيارات سوى حل هيكليتها والتخلي عن أسلحتها وإبعاد المقاتلين الأجانب عن المكان.

إلا أن هناك حقيقة أخرى تقول إن تطبيق بنود الاتفاق لن يكون فقط الامتحان الأصعب لكلا الطرفين التركي والروسي، بل هو اختبار جديد في طبيعة التحالفات بين أكثر من لاعب محلي وإقليمي في سوريا.

الرئيس التركي قال بعد توقيع الاتفاقية نحن نتعامل مع المتطرفين والروس يتعاملون مع النظام. لكن ما تقوله أصوات البعض في المعارضة السورية هو غير ذلك. الفصائل المعارضة تريد ضمانات كافية بأنها لن تكون هي من يدفع الثمن خصوصا وأن وليد المعلم يقول مهددا قبل أيام من انطلاق عمليات التنفيذ "من حق سوريا أن تستخدم كافة السبل لاستعادة إدلب سواء بالمصالحة أو غيرها".

النقطة التي لا تؤخذ كثيرا بعين الاعتبار أيضا هي قدرة أنقرة وموسكو على تجاهل ما تقوله واشنطن في الأسابيع الأخيرة ومنذ تسلم جيمس جيفري للملف السوري في الإدارة الأميركية. واشنطن تقول في العلن إنها ستبقى في سوريا لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هزيمة داعش، وخروج إيران وقواتها النظامية والميلشيات التابعة لها من هناك، وتحقيق حل سياسي بناء على القرار الدولي رقم 2254، لكنها في الأساس تبحث عن موازنة النفوذ الروسي والتركي وحماية مصالحة حليفها المحلي الكردي في شمال شرق البلاد.

الواضح اليوم هو أنه كلما اقترب موعد تطبيق اتفاق سوتشي كلما زاد عدد الروابط بين تنفيذ الاتفاق والتطورات السياسية والعسكرية على الأرض في سوريا وعلى رأسها:

التحرك الأميركي الأخير وإعلان وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أن عدد الديبلوماسيين الأميركيين تضاعف على الأرض في سوريا، وأن واشنطن تساعد على "تشكيل مجالس محلية للأهالي في المناطق التي استعيدت من داعش"، والتوتر الحاصل بين روسيا وإسرائيل حول منظومة «إس - 300»، وتسليمها إلى دمشق، ودعوة موسكو لخروج كافة القوات الأجنبية بما فيها الروسية من سوريا، وشن الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين هجوماً عنيفاً على واشنطن التي تماطل في تشكيل دوريات مشتركة في منبج، ملوحا باتخاذ "خطوات ضد إرهابيين على الساحة السورية في أي لحظة بما يضمن أمننا القومي".

ما الذي يدفع القيادات التركية وهي التي تضع اللمسات الأخيرة على خطة إدلب للتصعيد على هذا النحو ضد واشنطن وسياستها السورية خصوصا في منبج؟

ما الذي يدفع القيادات التركية وهي التي تضع اللمسات الأخيرة على خطة إدلب للتصعيد على هذا النحو ضد واشنطن وسياستها السورية خصوصا في منبج؟ وما الذي يقود أنقرة للربط بين مغادرتها سوريا وبين إجراء الانتخابات وإنجاز عملية إعداد دستور سوري جديد بعدما كانت الأولويات غير ذلك قبل أشهر فقط؟

الغامض حتى الآن على هامش تفاهمات سوتشي التركية الروسية هو حجم التنسيق بين أنقرة وقيادات الفصائل قبل توقيع الاتفاقية وهل نوقشت مواد الاتفاق مع المعارضة السورية أم لا؟ لكن الأكثر غموضا هو هل ما تم الاتفاق عليه بين الأتراك والروس كان مجرد اتفاقية تحدد الأطر العامة للحل في إدلب وتركت التفاصيل العسكرية والميدانية للجان مشتركة تقر شكل التنفيذ وأن قيادات المعارضة هي خارج كل هذا النقاش التركي الروسي؟

الدافع لطرح تساءلات من هذا النوع هو تصلب الفصائل في رفض الكثير من مواد سوتشي وفي مقدمتها حدود المنطقة العازلة واحتمال أن تكون منطقة خفض التوتر هي منطقة نزع السلاح الثقيل ومسرح العمليات العسكرية الروسية التركية، ودخول القوات الروسية إلى المنطقة العازلة التي تسيطر الجبهة الوطنية السورية عليها لمراقبة التحرك والانتشار العسكري هناك دون أي تدابير ميدانية تتخذ حيال مناطق انتشار النظام وحلفائه.

ثمن إدلب لا يمكن أن يكون إطلاق يد القوات الروسية في المنطقة العازلة أو الوقوع في فخ نقل المواجهة إلى قلب المدينة بين تركيا وحلفائها في المعارضة من جهة وبين ومجموعات "هيئة تحرير الشام" من جهة أخرى، وهي ستكون الهدية التي لا تقدر بثمن المقدمة لموسكو والنظام في دمشق.

الاحتمال الذي لا تريد أنقرة مناقشته هو أن تكون موسكو تعمل لإيقاع الأتراك في مصيدة إدلب وتوريطها في مواجهات مباشرة مع قوات "هيئة تحرير الشام"

الاحتمال الذي لا تريد أنقرة مناقشته هو أن تكون موسكو تعمل لإيقاع الأتراك في مصيدة إدلب وتوريطها في مواجهات مباشرة مع قوات "هيئة تحرير الشام" وضرب التحالف القائم بين تركيا والفصائل السورية المعارضة.

أما مفاجأة آخر لحظة التي تعدها موسكو للقيادة التركية فقد تكون التراجع عن دعم القمة الرباعية التي تجمع تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا أمام طاولة واحدة بدعوة من أنقرة رغم انعقاد اللقاء التحضيري على مستوى الخبراء في الشهر المنصرم.

موسكو إذا لم تحصل على ما تريده في إدلب وشعرت أن تركيا تريد العودة إلى فتح خطوط اتصال وتواصل مع العواصم الغربية في الملف السوري فهي لن تتردد في العودة إلى أسلوب الترغيب والترهيب مع أنقرة لإنجاز خطتها السورية وبالشكل الذي تريد.