إدلب تمتحن الحلف الروسي التركي

2018.09.12 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

منذ وصول فلاديمير بوتين إلى الكرملين عام 2000، أخذت العلاقات الروسية التركية منحىً تصاعدياً، عززه حزب العدالة والتنمية الذي فاز بالانتخابات التركية عام 2002، ومنذ ذلك التاريخ عقد بوتين وأردوغان حلفاً اقتصادياً سياسياً مرّ بعدة اختبارات وانتكاسات، إلا أنه تجاوزها جميعاً، من أزمة تدخل روسيا عسكرياً في جورجيا واقتطاع أوسيتيا الجنوبية عام 2008 إلى أزمة احتلال شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، وصولاً إلى "أزمة المقاتلة" الروسية التي أسقطتها تركيا أواخر العام 2015 على الحدود السورية التركية، والتي تُعدُّ الأزمة الأكبر بين البلدين، أعقبها اغتيال السفير الروسي في أنقرة، إلا أن ذلك كله لم يؤثر في العلاقات الاقتصادية الكبيرة التي تحكم مصالح البلدين وتفرض نفسها كأولوية على كليهما.

وعلى الرغم من التباين حدَّ الوقوف على طرفي نقيض من الثورة السورية، فقد استطاع الروس والأتراك الانخراط معاً - في حلف يضم إيران إلى جانبهما-

رسم توافق "أستانة" خريطة سيطرة وواقع أمر أعطى الروس والإيرانيين (باسم النظام) الساحل السوري ودمشق وريفها والجنوب ووسط البلاد، وأعطى تركيا (باسم المعارضة) مناطق تهم أمنها القومي شمالي حلب.

في مسار ابتدعوه بعيداً عن المجتمع الدولي بغية التفرد بالحل وفرض رؤى توافق مصالحهم وتوازن بين مصالح "أطراف الصراع" السوري، واستمر تحالف "أستانة" بتحقيق أهدافه طالما كان هناك أشياء يمكن المساومة عليها أو مناطق يمكن طرحها للمبادلات، فكان أن رسم توافق "أستانة" خريطة سيطرة وواقع أمر أعطى الروس والإيرانيين (باسم النظام) الساحل السوري ودمشق وريفها والجنوب ووسط البلاد، وأعطى تركيا (باسم المعارضة) مناطق تهم أمنها القومي شمالي حلب (جرابلس والباب وعفرين..)، إلى أن حانت لحظة إدلب، المعقل الأخير للمعارضة التي لا تقبل القسمة ولا يرى الحلفاء بداً من تحقيق انتصار فيها، فروسيا تريد استلابها لطيّ صفحة الحرب وفتح صفحتي اللاجئين وإعادة الإعمار، وتركيا ترى فيها خاصرة هشة لا يمكن تسليمها لعدو أو حليف عدو، كما أنها لا يمكن أن تقبل بإعادة سيرة حلب فيها، ما جعل بوتين وأردوغان يظهران كخصمين لدودين في قمة طهران الأخيرة، فما أن انفض الاجتماع حتى أخذ كل واحد منهما يصعّد تجاه الآخر – وإنْ من غير تصريح- حتى وصل الأمر إلى الدعوة لتدويل القضية فيما يدل على الوصول إلى طريق مسدود، وينذر بإحباط مسار "أستانة" ومخرجاته، ليعود مسار جنيف الأممي إلى الواجهة كمرجعية وحيدة للحل، وفي ذلك مصلحة كبرى للثورة السورية.

صحيح أن الحلف الروسي التركي صمد في وجه كل الاختبارات منذ وصول بوتين وأردوغان إلى السلطة، وصحيح أيضاً أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين أكبر وأعظم من أن يُسمح بانهيارها، لكن إدلب أكبر من أن تكون عقبة يسهل تذليلها على طريق نفط أو خط غاز بين الحليفين، وكما تخشى روسيا من وجود جماعات "إرهابية" فيها تهدد وجودها في "حميميم" راهناً ومستقبلاً، فإن فيها جماعات إرهابية تكنُّ عداء تاريخياً لتركيا وتتحين الفرص لأذيتها، ما يجعل الطرفين بعيدين كل البعد عن تقارب محتمل،

الكفة العسكرية الروسية الوحشية تبدو راجحة، إلا أن الموقف التركي يتفوق لجهة الإرادة الشعبية العارمة الداعية لوضع المنطقة تحت إدارة تركية.

إلا إذا قررا تقاسم المنطقة وفق سيناريو رشح منذ أسابيع يقضي بسيطرة روسيا على جسر الشغور وسهل الغاب غرباً، ويترك لتركيا إدارة بقية المحافظة وريف حلب الغربي المجاور، مع تولي الطرفين إدارة الطرق الدولية التي تمر في المنطقة، وهو سيناريو لا يبدو مقبولاً من السكان المحليين الذين انحازوا لخيار المقاومة والدفاع عن حصنهم الأخير.

ومع أن الكفة العسكرية الروسية الوحشية تبدو راجحة، إلا أن الموقف التركي يتفوق لجهة الإرادة الشعبية العارمة الداعية لوضع المنطقة تحت إدارة تركية، وكذلك الموقف الأوروبي الداعم لجهود تركيا وموقفها في إدلب، إذ يرى الأوربيون أن المذبحة الأكبر ستكون في إدلب إذا ما استباحها النظام والروس، كما أنهم لا يرغبون في مواجهة اختبار موجة لجوء جديدة تُصعِّب الأمور في قلب دولهم وتُصعِّد اليمين المتطرف الذي يتغذى على عداء اللاجئين.

وخلاصة القول، فإن التاريخ ربما يذكر أزمات جورجيا وأوكرانيا وإسقاط المقاتلة كمحطات فتور وتأزم في العلاقات الروسية التركية، إلا أنه سيذكر إدلب على أنها العقدة التي ثلمت المنشار، فهي المعركة التي لا بد فيها من خاسر ورابح، ومع وجود أطراف أخرى ألصق بالقضية، إلا أن روسيا وتركيا هما عنوان التحدي وأبطاله المُعلنون.