إدلب أولاً ..........

2020.02.28 | 23:03 دمشق

tovfxi6afdxbpcsqrotbgffrz32uqxv0cmbuksu8.jpeg
+A
حجم الخط
-A

في إدلب تتقاطع رموز ثورة الحرية حتى تكاد تعتقد أن أخضر علم الاستقلال الذي رفعته الثورة إنما شرّع من إدلب وإنما تشرّبته الخضراء حتى فشلت كل محاولات صبغها بأي لون غيره، إدلب التي استقبلت حكم الأسد الأب بالأحذية، وناصبته ما يستحق من رفض على مدى سني حكم الأب والابن، لم يكن غريباً أنها من أوائل من ثار على حكمه، ورفع السلاح وتحرر من قيده، وهي التي استقبلت جموع الثائرين الناجين من حصار المحتلين الأصلاء بعد أن أذلت بنادقهم الوكيل فلاذ بهم ليخوضوا حربهم علينا بأنفسهم.

إدلب التي اختارها ملايين السوريين في أعظم استفتاء عرفه التاريخ، اختاروا الخضراء نجاةً من النظام المجرم وراعييه الروسي والإيراني، وانحيازاً لثورة الحرية، خطته الدماء وقوافل النازحين الذي تركوا كل شيء واختاروا حياة بلا أسد، وبأمل المأمن منه ومن باقي الوحوش، فوفدت إليها قوافل الأحرار بدءاً من حمص القديمة ثم تكرر سيناريو الحصار والإبادة ثم الاختيار بين البقاء في سجن الأسد أو الحرية في إدلب.

إدلب التي كفت نفسها وأنجزت تحريرها ثم أمدّت ثغور الثورة بالرجال والأرتال، والتي أغاثت الجميع وأطعمت الجميع، والتي ذاقت الحرية لست سنوات، تحاصرها ميليشيات النظام وراعييه وطائراتهم وأحقادهم، اليوم يمنّي النظام ورعاته النفس بالخلاص من كابوسها، والانتقام من التي أذاقته المرّ، من قبل وعلى مدى سنوات الثورة.

تصر روسيا على المضي بهذا التوجه وكأن لسان حالها  يقول: إن لم نجتّث الأخضر سيفرع من جديد ويعود ليعم خارطة سوريا فجمر الثورة في إدلب، سيعود ليحرق هيكلها الفارغ الذي تُبقي الأسد الهزيل على رأسه، فعطّلت القرارات في مجلس الأمن بل حتى مجرد صدور بيان بخصوص إدلب ولازالت تراهن على الوقت وعلى أنها تستطيع أن تنهي ملف إدلب سريعاً حتى تنفرد بسوريا وتؤمن على أن ما تبقى من النظام الذي بات دمية في مشهد مساومات الدول ومصالحها.

إيران وميليشياتها الطائفية التي ولغت في دمائنا وباتت تقتات عليها ليستمر مشروعها العبثي، لا زالت ترسل الموجة تلو الموجة من مرتزقتها إلى إدلب في رحلة من اتجاه واحد، غير آبهة بحال شعبها الذي يئن تحت مستويات الفقر، وتجلده العقوبات ويفتك به المرض، ويستمر نظام الملالي فيها باتباع بوصلة القدس التي تمر حيث تقتضي مصالح "إسرائيل" أن تمر، فبقيت بوصلتها دماءنا رغم أن قائد فيلق القدس نفسه قد قُتل وهو ينسّق عمل الميليشيات التي استهدفت كل الاتجاهات على خارطتنا إلا القدس.

هناك آخرون مع الأسف لا ينظرون إلى ما يجري من إبادة في إدلب إلا من زاوية المصالح الضيقة والكيدية السياسية على حساب المبدأ الإنساني وواجبات الإخوة، ويتغاضون عن مشهد قوافل النازحين التي لا تنتهي وأشلاء الضحايا التي ملأت العيون لمن يرى وأنين الجرحى الذي ملأ آذان من يسمع.

المجتمع الدولي الذي غاب صوته طويلاً حتى عن ميدان الشجب والإدانة

إدلب بعد كل ذلك وقبله يجب أن تكون اليوم بوصلتنا جميعاً، التي لا نحيد عنها، وأولويتنا التي لا يتقدم عليها أمر

وتسجيل النقاط والمواقف، عاد ليتحدث بخجل وتحت وطأة الخشية من موجة النزوح الكبرى، لكن بلا جدية ولا تأثير، ولا زال صوته بلا صدى أو هكذا يريد، كما أن أكبر أصدقاء الشعب السوري لم يفوت الفرصة لربط دعمه صمود الثورة في إدلب بأجنداته ومشاريعه شرق الفرات.

تحاول تركيا وحيدة إنقاذ إدلب وأهلها وراية الثورة فيها، مجازفة بعلاقاتها مع روسيا وإيران، حشدت تركيا طاقاتها العسكرية والسياسية والإنسانية لمجابهة رغبة روسية إيرانية معلنة ورغبات الآخرين الدفينة في وأد حلمنا الأخضر في إدلب، طالبت الناتو بأن يفعّل آلياته لتغطية تحركها العسكري، وتصدّت للنظام، وقدّم جيشها الضحايا لإيقاف الهجوم على إدلب، وأرسلت قوافل المساعدات لتخفيف معاناة أهلنا.

إدلب بعد كل ذلك وقبله يجب أن تكون اليوم بوصلتنا جميعاً، التي لا نحيد عنها، وأولويتنا التي لا يتقدم عليها أمر، كل جهد اليوم يجب أن يُوجه لحماية إدلب وكل صوت يجب أن يُرفع لأجلها، وكل طلقة ادخرت يجب أن تكون اليوم لحمايتها، وكل قدرة على دعم إغاثي أو إنساني علينا أن نوجّهه لأهلنا فيها.

إنقاذ إدلب هو إنقاذ للثورة، وأمل لسوريا كلها أن يعمها الأخضر من جديد، لندع اللوم والتحليل اليوم ونتوجه للعمل فقط لإنقاذ أنفسنا ووطننا هناك، علينا جميعاً أن نستنفر كل نبض للثورة وكل قواها لأجل إدلب، وأن ننتظر بعد ذلك نصرها وكلنا أمل وثقة بأن الأحذية التي استقبلت بها إدلب الأسد الأب في مطلع السبعينيات هي ما ستودع به الابن اليوم.

كلمات مفتاحية