إدلب.. ألا تقلق التطورات أنقرة أيضاً؟

2019.08.18 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يكن النظام في سوريا ليتحرك باتجاه تفجير الوضع على جبهات إدلب ومحيطها دون ضوء أخضر روسي وموافقة إيرانية.

الذي يجري في الأسابيع الأخيرة هو أبعد من أن يكون قرارا روسيا إيرانيا مشتركا بخوض المعارك ضد حلفاء أنقرة ردا على التفاهمات التركية الأميركية في شرق الفرات.

قد يعلن النظام في دمشق غدا صباحا الحرب على أنقرة وواشنطن والوحدات الكردية بسبب تفاهمات المنطقة الآمنة اللاسيادية. هل سيشمل ذلك روسيا أيضا التي تنسق مع أنقرة في كل شاردة وواردة تتعلق بسوريا، والتي ذهبت إلى تل أبيب للتفاوض مع الإسرائيليين والأميركيين على مستقبل الخارطة السياسية والدستورية والأمنية للبلاد؟ أم أن موسكو سترضيه بتحركات القضم البطيء لجغرافيا إدلب ومحيطها ريثما تأخذ مكانها أمام الطاولة الأميركية الروسية؟

ما هي العلاقة بين تكرار موسكو استعداداها لتزويد تركيا بطائرات سوخوي المتطورة وبين تفجير الوضع في إدلب أم هي مناورة روسية هدفها ترسيخ التباعد التركي الأميركي في مشروع المقاتلة إف 35؟

هل تبحث موسكو من خلال التصعيد في إدلب عن طاولة حوار ثلاثي تركي روسي أميركي يبحث دمج ملفات الشرق والغرب في شمال سوريا؟

تريد أنقرة تفعيل دور قوى المعارضة السورية في إدلب لناحية إدارة شؤونها على طريقة درع الفرات وغصن الزيتون لكن الوحدات الخاصة الروسية وقوات النظام والميليشيات الإيرانية تريد غير ذلك لهذا فاجأتها بخروقات القضم الجغرافي للاقتراب أكثر فأكثر من حدودها الجنوبية.

موسكو غاضبة لأن العسكريين الأتراك والأميركيين يلتقون يوميا في غرفة العمليات المشتركة لبحث سبل إنشاء المنطقة الآمنة وجعلها "ممراً للسلام"

موسكو غاضبة لأن العسكريين الأتراك والأميركيين يلتقون يوميا في غرفة العمليات المشتركة لبحث سبل إنشاء المنطقة الآمنة وجعلها "ممراً للسلام"، واحتمال حدوث تفاهمات تركية أميركية في منطقة فشلت روسيا في إنجاز تقدم سياسي وعسكري فيها وعجزت عن كسب الأكراد هناك رغم وعود الدستور الكونفدرالي. لا بل هي تلقت الضربة الميدانية الموجعة عندما حاولت تحريك قوات النظام هناك فدمرتها المقاتلات الأميركية خلال دقائق.

من العادي جدا أن تحاول روسيا قلب المعادلات في شرق الفرات لصالحها عبر إيلام تركيا في غربه وإيقاع الفتنة بين أنقرة وشركائها المحليين وبين الفصائل ومجموعات النصرة لتسهيل تقدم قوات النظام في إدلب.

تقول أنقرة إن الاتفاق الأخير في شرق الفرات نجح مؤقتا، في نزع فتيل انفجار كبير، لكن اليد ستبقى قابضة على الزناد، ولن تتراجع حشودها العسكرية بانتظار التنفيذ. لا يمكن إلا أن تبقى يد القوات التركية على الزناد في مناطق تخفيض التوتر المتفق عليها في الأستانا وسوتشي أيضا، ليس بسبب منع استهداف الجنود الأتراك في نقاط المراقبة فقط، بل بسبب مواجهة استهداف حلفائها المحليين الذين ينسقون معها منذ بداية الثورة السورية والذين لعبوا دورا كبيرا في إنجاح عمليات درع الفرات وغصن الزيتون وقبلوا الضمانات التركية العسكرية والسياسية.

كثر هم من يتحدثون عن الغموض الواضح في الموقف التركي حيال ما يجري في غرب الفرات. هل ستقبل أنقرة بكل هذه الخروقات الأمنية والعسكرية لتفاهمات الأستانا وسوتشي؟ وما هي فائدة قمة ثلاثية تركية روسية إيرانية مرتقبة في تركيا حول الملف السوري بعد كل هذا التصعيد العسكري والاستفزازات وتحريك ورقة اللجوء مجددا ضد تركيا؟

النظام يتحرك بقرار روسي فلماذا تفعل موسكو ذلك؟ الإجابة مهمة لكن الحقيقة الأهم هي أن هذه الخروقات تفتح الطريق أمام حالة سياسية وعسكرية وأمنية جديدة في شمال غرب سوريا.  

الأستانا إلى طريق مسدود وسوتشي فقد مصداقيته والمسألة أبعد من أن تكون دمية النصرة وإخراجها من المشهد.

لماذا لا تسهل أنقرة فتح الطريق أمام إشعال جبهات جديدة في المنطقة لتخفيف الضغط على جبهات إدلب حتى الآن؟

أسئلة كثيرة تطرح بانتظار الإجابات.

وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو كان يقول إن بعض الشركاء في التحالف يدعمون مجموعات النصرة لإلحاق الضرر باتفاقية إدلب، ومنع تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا. وقيادات تركية سياسية كثيرة تحدثت دائما عن وجود عواصم إقليمية تسعى إلى تفجير الوضع في إدلب بهدف إرباك تركيا وفتح الطريق أمام التأزم التركي الروسي وبين أنقرة وحلفائها المحليين.

الذي يبرز اليوم هو الموقف الروسي المطالب بالمزيد من التنازلات التركية مثل تحريك موضوع تشكيل اللجنة الدستورية والتخلي عن محاولة كسب العواصم الغربية في إدلب ودعم الدعوة الروسية لمؤتمر الحوار الوطني السوري وقبض موسكو ثمن التفاهمات التركية الأميركية في شرق الفرات.

السؤال المطروح قبل أشهر حول السيناريوهات المحتملة في إدلب وجوارها لقي الإجابة من خلال تقدم قوات النظام بدعم روسي إيراني بهدف تسلم مناطق جديدة. ما الذي تبقى من التفاهمات التركية الروسية في غرب الفرات سوى انجازات درع الفرات وغصن الزيتون التي يريد النظام الالتفاف عليها طالما أن الضوء الأخضر الروسي والإيراني يساعده على ذلك؟

الممثل الشخصي للرئيس الروسي في الملف السوري ألكسندر لافرنتياف قال أكثر من مرة إنه لا يوجد على جدول أعمال بلاده عملية عسكرية في إدلب

الممثل الشخصي للرئيس الروسي في الملف السوري ألكسندر لافرنتياف قال أكثر من مرة إنه لا يوجد على جدول أعمال بلاده عملية عسكرية في إدلب، فهل ما يجري هو مناوشات ومحاولات اختبار وجس نبض؟

تعقيدات المشهد في إدلب ستدفع أنقرة نحو الخيارات الصعبة كي لا تقع في مطب الخيارات الأصعب. هي تأخرت في حسم موضوع النصرة لكنها لا تريد أن تغامر بتحمل أعباء خسائر أكبر. إشعال كل الجبهات السياسية والعسكرية بين الخيارات الأقرب اليوم طالما أن النظام وحلفاءه يريدون ذلك وكي لا تفقد ما بنته في الأعوام الأخيرة من تحالفات وإنجازات ميدانية.

أنقرة هي أيضا بين المعنيين في رسائل التصعيد هذه. هي أرادت إرجاء حسم موضوع إدلب ريثما تتوضح الصورة في شرق الفرات لكن روسيا تقول غير ذلك في إدلب.

إدلب تتحول يوما بعد آخر إلى ساحة الاختبار الجديد لمسار ومصداقية الكثير من التحالفات والاصطفافات المحلية والاقليمية. حصة أنقرة هنا هي الإسراع في حسم موقفها وأخذ مكانها في ساحة الخطط البديلة وإلا ما معنى الإعلان عن تشكيل أكبر كيان عسكري يضم نحو 100 ألف مقاتل تحت مسمى "الجبهة الوطنية للتحرير" بدعم من تركيا؟

قبل أشهر نشرت صحيفة تركية معروفة مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، مادة تحليلية تقول إن تركيا وروسيا تتفاوضان بشأن صيغة ينسحب بموجبها الجيش السوري من حلب، لتنتقل السيطرة على المدينة إلى الجانب التركي. بعد ذلك بأيام تحركت قوات النظام في دمشق بدعم روسي وإيراني لاسترداد مدينة إدلب. الصحيفة التركية لا تهتم كثيرا بما يجري في إدلب اليوم.

فرص تركيا في شمال سوريا مرتبطة بعد الآن بقدرتها على تحريك سيناريو التقارب والانسجام أو التباعد والتنافر الأميركي الروسي بما يحمي دائما مصالحها هناك. غير ذلك يعني تقدم سيناريو التوافقات الأميركية الروسية على حساب الجميع وبينهم تركيا في سوريا.