فاجأ فيروس كورونا المستجد العالم؛ الذي لم يكن مستعدا لمواجهة وباء من خلال الاعتماد على النظام الصحي وحده، ما جعل إجراءات الدول تكون واحدة تمثلت بإغلاق الحدود والمدن والاقتصاد وتطبيق إجراءات العزل الطوعي والإجباري في أماكن من العالم. نتائج ذلك ظهرت واضحة على المستوى الاقتصادي والمعيشي، في حين ماتزال آثارها المتوقعة على العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية قيد البحث من قبل المختصين بعلم النفس والاجتماع.
يعاني 60 في المئة من سكان العام من نتائج العزلة والتباعد الاجتماعي وقال مركز الدراسات البريطاني "معهد كينجز كوليدج" في دراسة نشرت بالمجلة الصحية "دو لنسي"، إن الحجر الصحي والعزل عن الأهل والأحباب وفقدان الحرية، والخوف من الأخبار حول تطورات فيروس كورونا والملل، كلها عوامل يمكنها أن تتسبب في حالات مأساوية".
السوريون سيعانون أكثر
واجه السوريون صدمات نفسية مختلفة في السنوات الماضية، بسبب ظروف الحرب وفقدان الأحبة والتهجير وصعوبة حياة اللجوء والحصول على عمل والاندماج الاجتماعي في تركيا وباقي دول اللجوء، ما يجعل احتمال تعرضهم لأمراض نفسية كبيرا في ظل "أزمة كورونا" التي أدت إلى فقدان الكثير من السوريين لأعمالهم وهددت مرضى القلق والإكتئاب بمضاعفات على وضعهم الصحي.
ويقول الطبيب النفسي محمد دندل لـ موقع تلفزيون سوريا إن الحجر الصحي الطوعي أو الإجباري، في مرحلة الوباء سيزيد "الطين بلة" على السوريين في تركيا وباقي دول أوروبا، خاصة الذين يعانون من أمراض نفسية، ويتابع "فقدان البيت والدخل وعمليات التهجير التي عاشها السوريون إضافة إلى فقدان المعيل في كثير من الأحيان، كل ذلك سيؤدي في ظل الوباء إلى إرباك أكثر بسبب ضعف القدرة على الوصول للمصادر الطبية وخاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية".
ويوضح "دندل" أن معاناة العائلات التي يعاني أحد أفرادها من الأمراض الذهانية أومن الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب ستزاداد بسبب غموض النتائج والمآلات في المرحلة المقبلة.
ويشير إلى أن الضغط النفسي على السوريين يزداد، وتزداد بناء عليه حالات الاكتئاب والقلق ويضيف أن "كثيرا من المرضى أكملوا علاجهم النفسي أصيبوا بانتكاسات وبدأت تأتيهم نوبات الهلع والقلق بعد سنين من الاستقرار النفسي". لافتا إلى أن ذلك ازداد في الآونة الأخيرة مع إجراءات العزل لمكافحة كورونا التي أدت إلى فقدان الكثيرين لمصدر رزقهم، وبالتالي فقدوا القدرة على الوصول إلى الأطباء والحصول على الدواء.
كورونا ونوبات الهلع
ويوضح "دندل" أن السوريين في تركيا وأوروبا يعانون بسبب حاجز اللغة، التي تصعب من توجههم إلى الطبيب المختص، في حال ظهور أعراض مرض كوفيد-19 أو المرض النفسي، كما أن معرفتهم معرفتهم بالقوانين ضعيفة، "معظم الدول مرتبكة بالتعامل مع الفيروس ومشغولة برعاية مواطنيها، إذا لقد زاد موضوع اللغة معاناة المقيمين واللاجئين على أراضيها.
وحول الخوف من الإصابة بفيروس كورونا وتأثيره النفسي يقول دندل" يقف الإنسان أمام خظر غامض يضعه أمام قلق شديد وهناك العديد من السوريين لديهم قلق أو اكتئاب وقد يصابون بحالات هلع".
فقدان العمل بسبب الإجراءات الأخيرة في تركيا يؤثر نفسيا على السوريين حيث أن أغلبهم عمال "مياومين" أو أصحاب دخل بسيط وغير مسجلين بالضمان الاجتماعي، ما يؤدي إلى حدوث نوبات هلع، ليس ضروريا من الإصابة بكورونا، أحيانا بسبب خوف رب الأسرة على عائلته وأهله في مكان آخر، ويضيف دندل" كل ذلك يستنزف طاقة الإنسان النفسية، المريض قد يشعر أنه سيموت في أي لحظة، بسبب نوبة قلبية ويذهب للإسعاف في إحدى المستشفيات، حتى طبيب الإسعاف يعيش تحت ضغط اليوم بسبب الفيروس، عدد أكبر من حالات الهلع تم تسجيلها حتى عند الأطفال".
العمل ومواجهة الاكتئاب
الوحدة جراء العزلة وفرض التباعد الاجتماعي، عامل ينطبق على الجميع كما يقول "دندل" لكن الفرق بالقدرة على تحمل العزلة أو حالة الحجر الصحي الاختياري ترتبط بظروف الفرد ودرجة استقراره المادي والمعيشي.
ويشدد الطبيب النفسي على أن السوري اللاجئ الفقير لا يملك مدخرات وهو عامل جديد دخل على المعادلة النفسية ما يجعل قدرته ضعيفة خلال فترة العزل، ومعرضا للقلق والاكتئاب، ويتابع" عندما يعيش الانسان تحت ضغط شديد قد يحرض ذلك على الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب أوالفصام.. مرضى الفصام كانوا مستقرين نفسيا، وإذا افترضنا أنهم خسروا أعمالهم في الأزمة الراهنة، فإن قدرتهم ع شراء الأدوية غالية الثمن أصلا والوصول للطبيب ستكون صعبة، ويجعلهم عرضة للانتكاس ، كل الأمراض كـ القلق والاكتئاب والأمراض النفسية المزمنة".
ويؤكد أن الصحة النفسية ضرورية لكل كائن، فهي تحفز القدرة على العمل والإبداع مشددا على أن السوريين بحاجة لأن تكون الصحة النفسية جزءا من ثقافتهم أكثر من غيرهم بسبب تعرضهم لصدمات خلال سنوات الحرب، "الأمر ليس رفاهة بل ضروة قصوى تحت ضغط مرض معين لن يكون الإنسان قادرا على حل أبسط مشاكله وسيعيش دون أمل".