icon
التغطية الحية

إجراءات النظام تضاعف أزمة السكن وأثرياء الحرب يساهمون معه

2020.09.02 | 18:43 دمشق

image_750x_5e16295e4acb4.jpg
بناء قيد الإنشاء في دمشق (إنترنت)
إسطنبول - فؤاد عزام
+A
حجم الخط
-A

يعرض تجار بناء علينا شراء منزلنا بأسعار منخفضة، لعدم قدرتنا على ترميمه بسبب تهدم قسم من سقفه جراء قذيفة، ويضعون أسعاراً لا تشتري شقة بديلة حتى في أبنية بمناطق بالبساتين بناها متعهدون خلال الحرب، بهذه الكلمات روى أبو لؤي أحد سكان منطقة الدويلعة بدمشق معاناته في ظل أرتفاع أسعار مواد البناء .

ويقول "أبو لؤي" لـ موقع تلفزيون سوريا إنه يسكن مع أسرته في غرفتين من الشقة عدا الصالون الذي تهدم سقفه ويعجز حتى الآن عن ترميمه، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء، ولا يتجاوز راتبه الخمسين ألف ليرة سورية، وعندما يسأل المكاتب العقارية عن أسعار الشقق يضعون أسعارا مرتفعة أو كما يقول "نار"، وحين عرض على أحد المتعهدين، ترميم منزله مقابل قسم من السطح للمتعهد، وضع ثمنا مرتفعا للترميم ومنخفضا للسطح لكنه يقول إنه مجبر على التصرف إن لم يكن من أجل الترميم فمن أجل تأمين قوت أسرته في ظل الغلاء وسوء الأوضاع المعيشية.

مئات الشقق، وضعها مشابه لوضع شقة أبو لؤي، والتي تضررت  خلال الحرب، تضاف إلى آلاف المنازل التي دمرها النظام في البلدات المجاورة في غوطة دمشق الشرقية، ومعظمها عرضة الآن لبازار التجار والمتعهدين الجدد الذين كانوا قبل العام 2011  من الباعة الصغار أو العاطلين عن العمل بحسب تعبير أبو لؤي، وباتوا في السنوات الماضية من الشبيحة الذين بنوا ثروات من "التعفيش" خلال مرافقتهم قوات النظام لدى دخولها مناطق مثل المليحة وبيت سحم والقابون وجوبر وغيرها، أو من خلال وقوفهم على الحواجز وسرقة الأهالي ولا سيما من النازحين.

عجز عن ترميم المنازل

قلة من المتضررين يستطيعون ترميم منازلهم، وقد ارتفعت أسعار مواد البناء بنحو غير مسبوق إذ وصل سعر طن الإسمنت في السوق إلى نحو 125 ألف ليرة في حين سعره في القطاع العام إلى نحو 67 ألف ليرة،  لكنه غير متوفر ويحتاج إلى معاملات مرهقة للحصول عليه بينما تجاوز سعر طن الحديد المليون ليرة بعد أن كان ثمنه قبل 3 أشهر حوالي 300 ألف ليرة فقط وأسعار مواد الإكساء الصحية والكهربائية والسيراميك والبلاط والرخام بأنواعه فقد تضاعفت أسعارها عن الفترة السابقة.

وفي حين تعجز نسبة كبيرة من المتضررين عن ترميم منازلهم إلا أن هناك حركة نشطة من التجار والمتعهدين الجدد والقدامى لشراء منازل كما يقول أسعد لـ موقع تلفزيون سوريا وهو أحد أصحاب المكاتب العقارية ويعزو السبب في ذلك إلى السعي لاستغلال الظروف المعيشية الصعبة للأهالي وعدم قدرتهم على تأمين الطعام أو كما يقول أسعد "منين بدها تاكل الناس من حيطان الشقة؟" ونسأل أسعد عن الجواب ويقول: "المهم حرك السوق .. الآن كل أسبوع نضرب ضربة" ويقصد يبيع شقة ويقبض أجرة دلالته أو ما يسمى (كومسيون)

دور أثرياء الحرب في رفع الأسعار

ولا تخفي مصادر النظام الأسباب الحقيقية لازدياد أسعار مواد البناء ومسؤولية المتعهدين الجدد والشبيحة، ويذهب الدكتور أحمد أديب أحمد الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة تشرين إلى القول: "إن ما زاد الطلب على مواد البناء في ظل ندرتها هو ظهور طبقة من أثرياء الحرب الذين اتجهوا لبناء القصور والفيلات" بحسب ما نقل عنه موقع الخبير الموالي، حيث يضيف أن هناك أسبابا أخرى من بينها ارتباط العديد من مواد البناء بسعر الدولار الذي ارتفع في السنة الأخيرة بشكل كبير ما أدى لارتفاع أسعارها بالمقابل وانخفاض الثقة بالليرة السورية بسبب التذبذبات الحاصلة في أسعار الصرف، ما دفع أصحاب المدخرات لتحويل مدخراتهم إلى عقارات كونها بنظرهم أكثر أماناً مع الزمن.

كذلك فقد نشط أثرياء الحرب في تجارة البناء في جميع مناطق العشوائيات بدمشق، وفي تشييد المنازل وبناء طوابق إضافية فوق المنازل الموجودة، وذلك يعود لارتفاع أسعار العقارات النظامية والإيجارات التي تضاعفت عشرات المرات، وذلك على الرغم من صدور مرسوم تشريعي عام 2012 يقضي "بإزالة الأبنية المخالفة مهما كان موقعها ونوعها، وفرض غرامة مالية وعقوبة بالسجن تصل إلى سنة على كل من تثبت مسؤوليته عن المخالفة" في دليل على غياب سلطة القانون وسيادة الرشاوى والمحسوبيات ولتغلغل أثرياء الحرب في مفاصل السلطات من أجهزة أمن وبلديات وغيرها.

توسع مناطق السكن العشوائي

وتوسعت مناطق السكن العشوائي ولا سيما حول الدويلعة وجرمانا ومناطق مثل وادي المشاريع غرب دمشق وغيرها وهي المناطق التي لم تتعرض لتدمير على غرار مخيم اليرموك  والحجر الأسود أو مدن وبلدات الغوطة الشرقية التي نزح معظم سكانها خلال السنوات الماضية في ظل حركة النزوح في مجمل البلاد والتي بلغت بحسب تقديرات أممية بنحو 6 ملايين نسمة بحيث أصبح عدد السكان في جرمانا على سبيل المثال أكثر من مليون ونصف بعد أن كان العدد قبل الحرب نحو 300 ألف نسمة، ما تسبب في زيادة الطلب على الآجار ومضاعفة قيمته، وهو مادفع أثرياء الحرب إلى الإستثمار في إقامة أبنية لبيعها أو تأجيرها، إذ أدى ذلك إلى زيادة في الطلب على مواد البناء .

ومن جانبه يقول الخبير في الاقتصاد الهندسي محمد الجلالي، لصحيفة الوطن المقربة من النظام إن منتجي مواد البناء اتجهوا للتكيف مع تكاليف الإنتاج الجديدة، واستمروا برفع أسعار مواد البناء على الرغم من تحسن الليرة فيما بعد (كان سعر صرف الدولار تخطى ثلاثة آلاف مطلع حزيران الماضي)، ولا تزال الأسعار ترتفع رغم استقرار سعر الصرف، نتيجة التراجع الحادّ في العرض لمواد البناء ومقابل ذلك فإن هناك تراجع الطلب على مواد البناء بحدود 50%، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين مشيرا إلى أن الأسعار بشكل عام يحددها العرض والطلب، ورد فعل الطلب على أي شيء يحدث في السوق يتسم بالسرعة، وبمجرد حدوث تقلب في سعر الصرف يتأثر الطلب مباشرة.

وكان الخبير العقاري عمار يوسف، أوضح لـ الوطن، أنه ليست هناك أي بوادر حاليًا لانخفاض أسعار مواد البناء، بل من الممكن أن ترتفع أكثر. في حين أشار في حديث لتلفزيون الخبر الموالي إلى أن ارتفاع اسعار مواد البناء أدى إلى الصعوبة حتى في الحلم المتعلق بالبناء بالنسبة لذوي الدخل المحدود خاصة بإعتبار أن البناء حلما منذ الأساس .

حكومة النظام ترفع أسعار الإسمنت

ولا تتخذ حكومة النظام إجراءات لمساعدة المتضررين الذين يحتاجون إلى ترميم منازلهم، وخاصة من ذوي الدخل المحدود بل إن قراراتها صبّت الزيت على النار، إذ أوعزت للمصارف العامة والخاصة بوقف منح القروض وهي ماكانت تلجأ إليه هذه الشريحة لحل بعض مشاكلها المادية، كذلك رفعت سعر طن الإسمنت من 45 ألف ليرة إلى نحو 67 ألفا بنسبة قدرها 52 بالمئة كما منعت استيراد الحديد المبروم لزوم البناء بذريعة حماية الصناعة الوطنية .

ويرى رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور أسامة قاضي في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن ارتفاع أسعار الحديد أكثر من ٣٠٠ بالمئة منذ عام ٢٠١٦ يعود الى التضييق على صناعة الحديد في سوريا لصالح منظومة الفساد كما في حلب حيث يتم التضييق على معامل الحديد لصالح  شركة القاطرجي لصناعة الحديد، وكذلك سيكون الطريق ممهداً للشركات الروسية للدخول إلى السوق.

كذلك لا يساعد النظام الأهالي على حل أزمة السكن وإقامة مشاريع سكنية وذلك بسبب عجزه عن التمويل وسط أزمتة الإقتصادية المتصاعدة بسبب استفحال الفساد، بل يتجاوز ذلك فحتى المخططات التنظيمية لمناطق دمرها كلياً أوجزئياً تكون مجحفة بحق أصحاب البيوت كما بالنسبة لمخططي القابون ومخيم اليرموك بحيث أقر مدير التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق المهندس إبراهيم دياب بأن عدداً كبيراً من الأهالي اعترضوا عليهما، وقال لتلفزيون الخبر إن: "هناك 2720 اعتراض من مخيم اليرموك وحوالي 2050 اعتراض من حي القابون السكني".

ويرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن ما يفعله النظام لا يستفيد منه إلا شبيحته، ولا يتضرر إلا الناس الغلابة والطبقات الشعبية ويقول: "إن النظام الذي فسد وأفسد الواقع المحيط به لن يكون بمقدوره انجاز أية عملية تنمية في ظل حالة النهب المنظم لكل أقنية الاقتصاد السوري وهو بذلك يلم الفاسدين والشبيحة ليكونوا الى جانبه ومن ثم تقاسم عملية النهب".

يبدو أن أزمة السكن إلى تصاعد مع إجراءات الحكومة برفع أسعار مواد البناء ومن أبرزها الإسمنت، وإصدارها مخططات تنظيم مجحفة وتأتي على عقارات الكثير من الأهالي، ومع سيطرة أثرياء الحرب على حركة البناء والإتجار بها، وبالتالي ارتفاع سعر الشقة أضعاف مما كانت عليه ما يبعد أكثر حلم شراء منزل عن ذوي الدخل المحدد خصوصا.