icon
التغطية الحية

إثر زلزال تركيا وسوريا: العنصرية والتمييز يطلان بوجههما القبيح في أوقات الشدة

2023.03.23 | 11:11 دمشق

الطبيبة جميلة ذو الفقار مع امرأة وطفلة في أحد مخيمات النازحين بشمال غربي سوريا
الطبيبة جميلة ذو الفقار مع امرأة وطفلة في أحد مخيمات النازحين بشمال غربي سوريا
Mancunian Matters- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد تجربتها في تقديم الإغاثة عقب زلزال تركيا وسوريا، حدثتنا الطبيبة جميلة إسلام ذو الفقار التي تعمل حالياً لدى منظمة آكشن فور هيومانيتي عما رأته من تمييز عرقي وجندري خلال عملها.

فعند وقوع كارثة أو بدء موجة نزوح، يكون العبء أكبر على النساء والفتيات ويتمثل بحماية أنفسهن والحفاظ على سلامتهن وتأمين تغذيتهن في أثناء نزوحهن. لذا، وخلال أزمة الزلزال، أصبحت عملية تأمين مساحات آمنة للنساء والفتيات اللواتي افترقن عن أهلهن بغاية الأهمية.

غادرت الدكتورة جميلة بيتها في مانشستر وسافرت إلى مناطق مزقتها الحرب وضربتها كوارث طبيعية في مختلف بقاع العالم، بيد أن تجربتها مع زلزال تركيا وسوريا كانت أصعب من أي مهمة سبق لها أن قامت بها.

ففي تقرير نشرته منظمتها خلال هذا الأسبوع، تبين بأن 98% من كل النازحين في شمال غربي سوريا نزحوا بسبب الزلزال، وبأن تسعة أشخاص من بين كل عشرة منهم نزحوا بسبب الزلزال وبسبب النزاع الذي امتد لاثنتي عشرة سنة.

العنصرية وقت الشدة

كان مستوى الصدمة وحجم الخسارة والفجيعة ومعدلات الإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة غير مسبوقاً، فالجميع لديه قصة ليسردها، ومن بين الأشخاص الذين تحدثوا من تركيا، نذكر محمود الذي بقي يبحث عن أمه وشقيقته لأيام، فلم يعثر على أمه، لكنه ظل يبحث عنها، بيد أن قصته لن تنته إن عثر عليها، وذلك لأن شقيقته فاطمة لم تفقد أمها فحسب، بل فقدت أيضاً زوجها وابنة من بناتها، وهذه البنت تعرضت للسحق تحت الأنقاض حتى ماتت. كما أن فاطمة نفسها عُثر عليها بعدما كسرت ذراعها، وتعرضت لحالة تعرف بهبوط في المعصم، وهذه الحالة تؤثر على حركة المعصم والأصابع، كما كان الدم ينزف من فمها وجبهتها عندما وجدوها. وهكذا تدمرت تلك الأسرة مثلها مثل الآلاف غيرها، خلال 75 ثانية فحسب.

بعدما تم إنقاذ فاطمة، اقتربت من ثلة من الناس احتشدوا حول نار، وعندما سمع هؤلاء بأنها سورية هددوها وأبعدوها عنهم، إذ إن المشاعر المعادية للاجئين والعنصرية تجاههم موجودة بالأصل، إلا أن الزلزال عراها تماماً.

من الغريب برأي الدكتورة جميلة أن يرى امرؤ امرأة تنزف وتعاني من شدة كبيرة دون أن يمد لها يد العون، بل والأنكى ألا يرى فيها سوى عرقها وأصلها، ما يعني بأن التمييز العرقي والجندري لا يطل بوجهه القبيح إلا في أوقات الأزمات والشدة، ومن يمارسونه هم من يضمرون مشاعر كره للآخر لدرجة تمنعهم من تقديم لفتة طيبة يمكن لأي شخص أن يبديها في ساعة كهذه، وهكذا يقوم الناجون من ضحايا هذا النوع من الكراهية بكتم مشاعرهم داخلهم وهم يسعون لتجاوز ما حدث حتى يتمكنوا من العيش والبقاء.

وهنا تعبر الطبيبة عن خشيتها في حال عدم القيام بأي شيء لمعالجة حالات التوتر المتزايدة، لأن ذلك يمكن أن ينحو نحواً خطيراً، كما ستترتب عليه تبعات قاسية على الضحايا من جراء احتمال ظهور حالة كراهية مجتمعية.

الطبيبة جميلة ذو الفقار في شمال غربي سوريا

أما نقطة التخوف الأخرى فهي الشكل الذي ستتجلى به تلك الحالات، وكيف يمكن ضبطها والتخفيف من حدتها إن ظهرت، وذلك لأن نسبة الإبلاغ عن حالات تعرض طفل للأذى وكذلك بالنسبة لأي عنف جندري أو جنسي ماتزال قليلة بصورة مقلقة، بما أن النساء لا يتمكن على الدوام من الوصول إلى مساحات آمنة بوسعهن من خلالها الحديث عن تلك الأمور. كما أن انهيار الشبكات والبنى التحتية بسبب الزلزال يعني حرمان كثير من الناس من أبسط الخدمات.

 

حلول مقترحة

وهنا لا نتحدث عن خلافات اجتماعية يمكن أن تنكشف بسبب هذا الزلزال، وذلك لأن النساء تضررن بشكل أكبر بسبب الخراب الذي خلفه الزلزال، لذا فمن أهم الاحتياجات بالنسبة للنساء اليوم هو تأمين مساحات آمنة لهن حتى يقمن بالاستحمام، وليحصلن على رعاية تخصصية في مجال الصحة العقلية، إلى جانب تأمين موارد وخدمات مناسبة ودعمهن حتى لا يتأثرن بالظروف الاقتصادية الراهنة عبر تأمين مصدر رزق لهن، لا سيما بالنسبة للنساء اللواتي أصبحن المعيلات لأسرهن في سوريا بسبب الحرب أو الزلزال.

فمن ترملت بسبب الكارثة الطبيعية أو النزاع يتعين عليها أن تتكيف مع أحزانها، ومع إحساسها بالفقدان والفجيعة، مع سعيها لتأمين احتياجات من تبقى من أطفالها، بما أن أغلبهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهذا الوضع موجود في كل التجمعات السكانية، فقد تبين بأن الغالبية العظمى من السكان، أي 99% من النازحين في شمال غربي سوريا و75% من اللاجئين السوريين في تركيا يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

والنسبة الأكبر من النازحين في ظل هذه الظروف هي نسبة النساء والأطفال، ولهذا يجب عدم التقليل من أهمية توظيف النساء، وذلك لأن النساء والأطفال الذين تعرضوا لصدمة من المرجح  أن يتجاوبوا وينخرطوا مع نساء يعملن في مجال الإغاثة بنسبة أكبر من تجاوبهم مع العاملين في مجال الإغاثة من الذكور. كما أن غالبية النساء في المخيمات بوسعهن أن يتواصلن مع غيرهن من النساء ويخلقن حالة انتماء لهن ويشاركنهن بالحديث عن المصاعب التي يتعرضن لها (مثل عدم وجود مساحات آمنة، والمشكلات التي تتصل بتوفر مرحاض ومساحة تحفظ كرامتهن وغيرها من المشكلات).

 المصدر: Mancunian Matters