أي سورية؟! ليت قومي يعلمون!

2018.06.18 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عن أي سورية يدافع السوريون، وأي سورية تلك التي يريدون عودتها إلى الحياة؟ هل هي سورية الشام قبل الزرعة السرطانية الصهيونية، واقتلاع الضلع اللبناني والأردني والأناضولي؛ أم سورية 185 كيلومترا؟ أم هي سورية "الإقليم الشمالي" للجمهورية العربية المتحدة؛ ام سورية “الحركة التصحيحية "؟ هل هي سورية التي تنهش أمريكا شمالها الشرقي والجنوبي، وتركيا شمالها، وإيران وروسيا قلبها؟ 

هذه أسئلة مألوفة يكللها الألم تتعلق بمصير وطن لا يعرف السوري أين سيحط بكليهما الرحيل. ما يشفع للسوري ببعض العزاء أن الاوطان ليست فقط جغرافية. على الأغلب، الجغرافية التي يريدها السوري هي تلك المئة وخمسة وثمانون كيلومتراً؛ وكل ما خارجها بعيد عن الواقعية الآن. وهذا تطلع ممكن. ويتحقق بزوال ما تسبب بالحرب العالمية على الأرض السورية. لولا منظومة الأسد لما رأينا أياً من تلك القوى على الأرض السورية. أرادها الأسد عالمية سعياً لتضييع معالم الجريمة بحق أهل سورية.
لا بقاء لإيران في سوريا متى زالت منظومة الاستبداد التي أتت أساساً لحمايتها من شعبها؛ والأمر ذاته ينطبق على مختلف القوى العالمية. أمريكا قالت إن وجودها وإعادة الإعمار في سورية مرتبطان بإيجاد حل سياسي في سورية؛ والحل السياسي لا يمكن أن يكون باستمرار وجود من تسبب بالاحتلالات المتنوع
       

كل ما سبق يتعلق بما هو طافٍ على سطح القضية السورية؛ ولكن الأصعب ربما الدخول في النسيج المراد غزله لسورية التي نريد. وهنا تبرز الأسئلة الاصعب: أي سورية يريد ذاك الذي فقد فلذة كبد، وتلك التي اغتُصبت، وذاك الذي أمضى سنين في مقابر أحياء النظام، أو ذاك الذي فقد كل ما جناه طيلة حياته وتشرد وأُهين؟ هل سيقبل هذا التعايش مع من تسبب له بكل ذلك دون عقاب أو عدالة؟
أي وطن يريد ذاك الذي برمج إعلام النظام دماغه بأن إخوته من أهل سورية إرهابيون، أو تعاملوا مع إرهابيين أو مشغلين أجانب؛ وهم وراء ما حدث؟ أي سورية يريد ذاك الذي بقي بلا لون او رائحة خلال السنوات العجاف الماضية، وعاش وتوالد وقضى حاجياته في حمام عليه سقف وفيه ماء، وما رف له جفن تجاه كل ما حدث؟ 
        

في البحث عن سورية التي نريد لا بد من الإجابة عن الأسئلة الاوسع المتعلقة بتلك القوى المتواجدة على الأرض السورية والتفكير بمصالح خاصة بها تتعلق بمجيئهم إلى بلدنا. ولا يمكن أن يمر ذلك دون ثمن باهض فجعنا به ذلك النظام الذي تصرف بلامسؤولية وبلا أخلاق. لا بد من التفاهم مع تلك القوى. بداية بتوفير البديل، وثانيا بدفع كلفة مجيئها، فهي ليست جمعيات خيرية؛ وثالثا بالتفاهم الخاص حول تلك الاتفاقيات الجائرة التي عقدتها مع من جلبها لحمايته؛ ورابعا بعقد اتفاقات سلام وتعاون متكافئة معها ؛ وربما يستلزم  ذلك إسقاط صفة الاحتلال عنها كدفع لعقابيل فجورها ووحشيتها.
       

ولكن الوضع الداخلي يبقى هو الأصعب...... فكيف سنعيد عشرات بل مئات آلاف السوريين الذين تبعثروا بفعل النظام وغيره في أربع أصقاع الارض، وقد بدأوا يشمون رائحة الحرية والعيش الكريم، بعد معاناة قبل اللجوء وفِي بدايته؟

كيف تطور وتزرع الصبر الجميل والصفح في نفوس كاد الاستبداد يأتي على آخر قطرة تحمل فيها؟ كيف تلتقي العين "البادحة" التي رأت الجور والظلم والدمار والاعتقال والاغتصاب بالعين الكسيرة التي رأت وعاشت كل ذلك؟ وهل تتمكن العينان من الارتقاء فوق كل ذلك؟ كيف سينسى السوري ذُل الموانئ والخيام والعوز ونظرات الشفقة العالمية المذلة؟ من ذَا الذي يستطيع ان يجعل أهل سورية أنبياء أكثر من ذلك؟ والأكثر حرقة وخطراً، من يعيد أحباباً وفلذات قلوب راحوا؟!
    

لا مراكز بحوث، ولا دور معالجة ، ولا أموال، ولا مباهج، ولا فروقات دولية ، ولا قرارات أممية، ولا رخاء يمكن أن يعيد ما انكسر. وحده عقل السوري، إرادته، حضارايته، إنسانيته، تصميمه، و يقينه بأنه على رأس المساهمين في الحضارة البشرية وبنَّائها كفيلة بالبدء بالترميم والعودة الى الحياة.
 

وللقيام بذلك، لا بد من البدء من نقطة محددة معينة. ما عادت ألمانيا إلى الحياة بكبسة زر؛ ولا داوت جراحها برمشة عين؛ كل ذلك، ولَم يكن هول ما جرى لها أقل مما جرى لسورية. بداية نسّقت هتلر من كل خلية فيها؛ ولا بد لسورية من تنسيق وإزالة كل أثر للاستبداد والظلم والجريمة من كل خلية فيها.
 

وقد يكون من الحكمة بداية أن نبعد أنفسنا عن المعادلات الصفرية التي لم توصلنا إلى نتيجة خلال سنوات مريرة مرت؛ فمعادلة (الكل او لا شيء / أحكمها أو أدمرها/ أنا أو الآخر) لم تعد تجدي. أول الألف ميل خطوة؛ ويتبعها إعمال العقول والإرادات السورية الوطنية الخيّرة نحو إعادة سورية وأهلها إلى الحياة. المهم الإيمان بالفكرة بداية. ربما بداية كل شيء فكرة.

كلمات مفتاحية