أيها السيد الرئيس "ماكرون" شكراً ... ولكن!

2020.08.09 | 00:01 دمشق

makrwn.jpg
+A
حجم الخط
-A

كفارس من فرسان العصور الغابرة، وفي شوارع بيروت المغطاة بركام الانفجار المريع الذي ضرب مرفأ بيروت، وبلا سترة، وبأكمام مطوية، ووسط حزن واستغاثة اللبنانيين مشى الرئيس الفرنسي "ماكرون"، مطلقاً وعوده ومعلناً وقوفه الكامل إلى جانب لبنان وشعبه.

شكراً سيدي الرئيس، فقد فعلت ما نسيه الحكام العرب منذ زمن طويل، فما من أحد منهم يتذكر أن هناك شعوباً، وأن هذه الشعوب هي علة وجودهم، ومصدر نهبهم، وهي من يتحدثون عنها في خطاباتهم مفترضين وجودها.

لكن سيدي الرئيس هل تسمح لي أن ألفت انتباهكم إلى وجه آخر نسيتموه، أو تتعمدون نسيانه، رغم أنه ركن أساسي في مأساتنا نحن الشعوب التي لا تترددون أبداً في إعلان تعاطفكم ووقوفكم إلى جانبها.

في الأول من شباط عام 1979م، وعلى متن طائرة تتبع للخطوط الجوية الفرنسية، ومن باريس عاصمتكم، أرسلتم لنا من صنعتم منه "روحاً لله"، وألبستموه عمامة حُشيت بكل أنواع القتل، ومكنتموه من استباحتنا، وسكتّم طويلاً عنه وهو ينشر الموت في هذه المنطقة، واليوم تأتون لتتعاطفوا معنا نحن ضحاياه، أية مسرحية سمجة وسخيفة هذه؟ 

أتمنى ألا تتباكى علينا وتخبرنا عن وقوفك ضد الفساد والإهمال في بيروت، وتعتبره السبب فيما حدث، لأننا سنضطر إلى الضحك رغم مأساتنا، وأتمنى ألا تطلب من "عون" وصبيه الأحمق "باسيل" ومن الطبقة السياسية القائمة أن تُحارب الفساد، ستكون أمنية سخيفة.

إن كنت لا تعرف – وأنا على يقين كامل بأنك تعرف – ما الذي أوصلنا إلى هنا، يُمكنك أن تسأل أي امرأة تتشح بالحزن في شوارع بيروت، أو أي سوري تصادفه في بيروت وهو يغص بقهره، ولكي لا تتعب نفسك بالقدوم، فهناك وعلى مقربة منك في باريس مئات آلاف المقهورين السوريين واللبنانيين والعراقيين والإيرانيين واليمنيين و..و.. يمكنهم أن يخبروك الحقيقة كاملة.

يكفينا موتاً، وهذه السخافات المتعمدة، والدجل الصفيق الذي يريد دائماً التعمية عن جوهر المشكلة، والابتعاد عنها والانشغال في هوامشها، لم تعد تنفع، مشكلتنا باختصار شديد تتمثّل بوجود "مافيات" أنتم من حماها، ومكّنها، واستقبل ما نهبته منّا، وأنتم تعرفون اليوم جيداً أن مرجعية واحدة تديرها، هي عمامتكم التي بعثتموها لنا، والتي تمكنت حتى اليوم من تدمير أربع عواصم عربية، وأحالت بلدان هذه العواصم إلى خراب عميم ربما يستحيل إصلاحه، من بغداد إلى دمشق، ومن بيروت إلى صنعاء، في كل هذا الخراب والموت، ثمة وجه واحد للجريمة!

سيدي الرئيس: هل أخبرك بجديد إن قلت لك أنه ربما لم يعد بالإمكان إصلاح هذه "الدول"، فقد أوصلها ساستها اللصوص المرتهنون وبعد عقود من النهب والتخريب إلى خراب أصبح أكبر بكثير من طاقة أبنائها على الإصلاح، ليس لأنهم عاجزون وحسب، بل لأن هذه العصابات التي نصبتموها علينا، وفي مسيرة حكمها الطويل حرصت أن تكون الأقوى، لتحوز على رضاكم، فدمرت المجتمع والدولة، وها نحن اليوم أمام مساحات جغرافية كان اسمها دولاً، لكنّها اليوم مجرد مساحات مستباحة تنغل فيها العصابات، وتفتك بشعبها وخيراتها، وإمكانات نهوضها.

لم يعد اللبنانيون قادرين على لجم حزب الله وإنهاء سيطرته على كل الدولة اللبنانية، وهو المدجّج بسلاحه وعمامته وبنيته الفاشية، ولم يعد السوريون قادرين على إنهاء حكم عصابة الأسد التي تعجز عن تأمين الماء والخبز والدواء للسوريين، لكنّها لا تعجز أبداً عن امتلاك السلاح الكافي لإبادتهم، كذلك الأمر في صنعاء وبغداد، وإن باختلافات طفيفة، وليس هناك من أمل لهذه الشعوب إلا بإنهاء هذه العصابات، فأي معادلة نحن أمامها اليوم؟

لم يعد توصيف الدولة الفاشلة كافياً لمعرفة حقيقة الوضع في هذه الجغرافيا، ربما نقترب أكثر من الحقيقة إن قلنا إنها ممالك العصابات المتوحشة، هذه الممالك المحكومة بالحديد والنار، والمنهوبة، والتي أصبحت مصدر خطر ليس على شعوبها وحسب، بل وعلى البشرية كلها.

إذا كانت مصالحكم، أنتم الباحثون عن الهيمنة والسيطرة قد تطلبت سابقاً خلق ودعم هذه الأنماط من العصابات المتوحشة، فسكتّم عنها وساندتموها في قمع شعوبها، كي تصل هذه الجغرافيا إلى خرابها الحالي، فهل يكفي كل هذا الخراب لكي تقولوا لها إن المهمة أنجزت، وإن زمن طي صفحتها قد حان؟

اليوم، وأمام هول هذا الخراب، وفظاعة هذه الجريمة التي تعصف بكل هذه المنطقة، وأمام خطر كورونا الداهم، وخطر تحول هذه العصابات إلى خطر عالمي لا يمكن السيطرة عليه والتحكم به، لابدّ للمجتمع الدولي من إيجاد حل، ولا بدّ لنا نحن شعوب هذه المنطقة المنكوبة من الاعتراف بما يلي:

  • فشلنا في إنقاذ أوطاننا، وأننا عندما صمتنا عنهم، وتواطأنا مع فسادهم وقمعهم كنا نؤسس لهذا الخراب.
  • عجزنا عن مواجهتهم.
  • بنيتنا المهشّمة والمفخخة بكل أنواع العصبيات القاتلة، وبحجم الكراهية المنزرعة عميقا في أرواحنا.
  • وأخيراً بسذاجتنا عندما صدقنا كذبتكم الكبرى بأنكم حماة قيّم البشرية، والمدافعون عن حقوق الإنسان والحرية والعدالة.

لنقل إذا بكل يأسنا، وعجزنا، وذلنا، أنه مالم تقتلع عمامة الولي الفقيه، ومن يستظل بظلها من بلداننا المدمرة، فلن تكون هناك نهاية لهذا الخراب، ولا يكفي يا سيدي الرئيس "ماكرون" أن تشمر عن ساعديك وتخلع سترتك وتتمشى في شوارع "الجميزة" بكمامة أم من دونها، لكي تنقذ لبنان، ثمة في لبنان من يقول "نصر الله أو نحرق لبنان"، كما قالها آخرون في عاصمة قريبة من بيروت ومدمّرة أيضاً "الأسد أو نحرق البلد".

اعترفوا يا سيادة الرئيس: أنكم أنتم من دمرتم هذه البلاد المنكوبة، عندما أطلقتم عليها هذا الوباء المعمم، وصمتّم عنها وهي تتوغل فينا، وفي هشاشتنا، وفي غبائنا، وعصبياتنا الجوفاء.

لن ينقذ قانون سيزر سوريا، ولا صندوق النقد الدولي سينقذ لبنان، ولا تغيير عشرات الحكومات في بغداد سينقذ العراق، وأنتم تعلمون جيداً كيف يُمكن إنقاذ هذه الدول، فإمّا أن تعلنوا استسلامكم للعمامة التي خلقتموها وسمحتم لها باستباحتنا، وإمّا أن تشمروا عن سواعدكم لأمر آخر، وفي مكان آخر، لكن ليس في شوارع مدننا المدمرة.

المدن السورية المدمرة والفارغة من أهلها، ومناظر السوريين الذين يموتون في ممرات المشافي السورية بكل إهمال ولا مبالاة، وبيروت المدمّاة والمدمرة اليوم، وصنعاء التي يفتك بها الجوع والمرض والدمار، وبغداد ...

 كل هذا ما هو إلا التعبير الأشد كثافة عما فعلتموه بنا.

 استعيدوا عمامتكم التي أرسلتموها لنا، احرقوها، اقتلوها ... افعلوا ما شئتم بها، المهم أن تخلصونا منها، وعندها سنعرف نحن أبناء هذه البلاد المنكوبة بكم وبأزلامكم، كيف نسوق ما تبقى من مأجورين ومرتزقة هذه العمامة إلى حيث يستحقون.