نفذ تنظيم "الدولة الإسلامية" أول عملية إعدام ميداني بحق إحدى مختطفات محافظة السويداء، سبقها إعدام أحد المختطفين قبل أسابيع، بينما هدد التنظيم بإعدام البقية خلال ثلاثة أيام، وذلك من خلال تسجيل مصور نُشر بشكل "غير رسمي" وأُرسل إلى عائلات المختطفات و"لجنة متابعة شؤون مختطفي محافظة السويداء".
عملية الإعدام صعَّدت من المواجهة بين أهالي المختطفات ومحتجين مدنيين من جهة، وسلطات النظام في مدينة السويداء من جهة أخرى، وقطع المحتجون الطرق الرئيسية في المدينة وأغلقوا مبنى المحافظة لساعات، مطالبين مسؤولي النظام بالعمل على إطلاق سراح ذويهم، بينما دعا الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ موفق طريف، "دول العالم وخاصة روسيا ومنظمة الأمم المتحدة إلى العمل الفوري على جميع الأصعدة وبكل الوسائل المتاحة على إطلاق سراح المخطوفات قبل فوات الأوان" بحسب بيان صادر عنه.
قوات النظام والميليشيات الداعمة لها، استطاعت طرد التنظيم من كامل ريف السويداء الشرقي وحصرتْ نفوذه في منطقة تلول الصفا الصخرية، لكنها لم تعثر على أيٍ من المختطفات، ولم تنجح في تقديم أية أدلة على مكان وجودهنّ، ليبقى التنظيم المُتحكم الوحيد بهذا الملف.
التسجيل المصوّر الذي قُتلت فيه المختطفة "ثروت أبو عمار"، يثير كثيراً من علامات الاستفهام حول المكان الذي نُفذت فيه هذه العملية، ويعيد طرح السؤال الذي مازال يتردد منذ اختطافهم قبل أكثر من شهرين، أين يخفي تنظيم الدولة مختطفات السويداء؟
ليسوا في تلول الصفا
المعلومة الأهم التي كشف عنها التسجيل، أن المختطفات لسْنَ في منطقة تلول الصفا، آخر معاقل تنظيم الدولة في البادية الممتدة بين ريفي السويداء ودمشق، على عكس ما يردد إعلام النظام منذ أكثر من شهرين، فمنطقة تلول الصفا هي منطقة صخرية وعرة تضم المئات من المغاور الصخرية وهي خالية تمامًا من أي قرى أو منازل، بينما أظهر التسجيل وجود المختطفة وقاتليها داخل أحد المنازل.
ما يعزز من هذا المُعطى الجديد، ما قاله المتحدث في التسجيل المصور الذي استعرض شروط التنظيم مقابل إيقاف عمليات الإعدام، والتي كان أحدها "إيقاف الحملة على إخواننا في منطقة الصفا" بحسب قوله، ما يُفهم منه أن المتحدث لا يوجد في المنطقة ذاتها، وأنه ليس من ضمن المجموعات المحاصرة داخل تلول الصفا.
إن لم تكن مختطفات السويداء في منطقة تلول الصفا، فأين هنّ؟ الاحتمال الأول أن التنظيم مازال يحتفظ بنشاط أمني وسيطرة غير مباشرة في بعض قرى ريفي السويداء الشرقي والشمالي، وأن المختطفات يوجدن في منطقة هي تحت سيطرة قوات النظام والميليشيات الداعمة لها، لكن التنظيم موجود داخلها عبر خلايا ومجموعات صغيرة.
الاحتمال الثاني الذي يعتبر أكثر تعقيدًا، هو أن التنظيم قام بنقل المختطفات إلى آخر معاقله في محافظة دير الزور، وتحديدًا شرق نهر الفرات، مستفيدًا من المساحات الواسعة التي لا تخضع لسيطرة أي طرف في البادية السورية، المنطقة التي تعتبر آخر نفوذ للتنظيم شرق الفرات تتعرض حاليًا لهجوم عنيف من "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي، ولعل المواجهات العنيفة التي يخوضها التنظيم هناك، دفعته لإعادة ملف المختطفات إلى الواجهة، والتهديد بقتلهن خلال أيام قليلة، ربما يخشى التنظيم أن يفقد ملف المختطفات في حال تعرضن لأي أذى أو استطاعت "قوات سوريا الديمقراطية" من الوصول إليهن، وهو ما قد يمكن اعتباره المناورة الأخيرة للتنظيم في هذا الملف.
ريف محافظة الرقة
الاحتمال الثالث الذي يبدو متاحًا كذلك، أن التنظيم قام بنقل المختطفات إلى منطقة لا تخضع لسيطرته العسكرية بشكل مباشر، لكنه يحافظ على نفوذه الأمني فيها، الحديث هنا بشكل رئيسي عن بعض القرى في ريف محافظة الرقة جنوب وغرب نهر الفرات، التي يُفترض أنها تخضع لسيطرة قوات النظام، ما يعزز من هذه الفرضية، العمليات الأمنية التي يقوم بها التنظيم في تلك القرى بشكل متصاعد خلال الأسابيع الأخيرة، وسحب قوات النظام لأعداد كبيرة من المقاتلين بهدف تعزيز جبهاته في محافظتي حلب وإدلب.
منذ ارتكب تنظيم الدولة مجزرته في ريف السويداء الشرقي، وجَّه أهالي السويداء أصابع الاتهام إلى قوات النظام التي اتهموها بالانسحاب وبتسهيل دخول التنظيم إلى المنطقة، وبعد شهرين من اختطاف التنظيم لأعداد من المدنيين معظمهم من النساء والأطفال، لم يُظهر النظام ومسؤولوه أي اكتراث لهذا الملف، رغم امتلاكهم مفاتيحَ حلّه، فهل تكشف الأيام القادمة عن أدلة أخرى تُظهر تورط النظام، وربما مشاركته، في العبث بمصير محافظة السويداء وأهلها؟