أين الموقف الموحد؟

2022.03.15 | 06:06 دمشق

2b0f2f77-70b6-4447-b3fa-e83015a98fac.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالأمس وقع تحت يدي رابط بيان على الإنترنت عليه توقيعات لعدد كبير من الشخصيات المعارضة السورية تحت عنوان إلى موقف موحد.

ترددت قبل أن أكتب حول هذا الموضوع لأني أعرف عقلية السوريين وأعرف أني سأتحول بنظر بعض الموقعين على البيان إلى عدو الله والوطن، وأعرف أننا كسوريين بعيدون عن ثقافة الاعتراف بالخطأ أو حتى قبول الرأي الآخر، إلا أني بالنهاية عقدت العزم محتسباً أمري عند الله لما في هذا الموضوع الحساس من أهمية لمستقبل سوريا التي من المفترض أنها الأم الرؤوم التي نجتمع كلنا في كنفها والتي من المفترض أن تشكل مصلحتها ومستقبل أجيالها البوصلة الوحيدة لتسديد خطانا.

لنبدأ أولاً باستعراض الشيء الإيجابي الذي وجدته بالبيان وهو أنه استشف اللحظة التاريخية السياسية المناسبة للتحرك من جهة وروج المبادرة الجماعية للاهتمام بالقانون الدولي من جهة أخرى.

وفيما يتعلق بما جاء في مقدمة البيان فلن أناقش ما ورد فيها ولا أعتقد أن هناك من يختلف عليها لكن المشكلة كلها تكمن بالطلبات والتي سنأتي على ذكرها على التوالي:

المطلب الأول: تفعيل المادة "27"، وكذلك الفقرة الثالثة من المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة، تلك التي توجب منع النظام الروسي من التصويت داخل مجلس الأمن على مشاريع القرارات المتعلقة بالقضية السورية، لكونه طرفاً في النزاع بحسب ما ورد في البيان.. لكن هذا غير صحيح..!

فالمادة /27/ من الميثاق نظمت التصويت داخل مجلس الأمن وللعلم فإن السبب في جميع مآسينا في سوريا كشعب مشرد ووطن مسلوب ومن ورائنا جميع الشعوب العربية والإسلامية ومن ورائهم جميع المقهورين والمضطهدين في العالم هي كلمة واحدة اندست في نهاية الفقرة /3/ من هذه المادة ألا وهي كلمة "متفقة" حيث جاء بالحرف: بحيث تصدر القرارات بمجلس الأمن بغالبية تسعة أصوات تكون من بينها أصوات الدول الخمس الدائمي العضوية متفقة.. لولا هذه الكلمة الشيطانية بنهاية الجملة لكان العالم واحة للحرية والأمان والخير والجمال والسلام ولما كان هناك حروب ولا طغاة ولا ظلم ولا استبداد سياسي ولكانت الحضارة الإنسانية اليوم طوت المسافات بجميع المجالات السلمية الحياتية والمعيشية والصحية والتعليمية وغيرها عوضاً عن الحربية والوبائية.

فهل يعقل منا نحن الضحايا السوريين وبعد أن اكتوينا بـ/16/ فيتو روسياً مأجوراً أن نطالب بتفعيل المادة /27/ التي هي أساس الداء وسبب البلاء بالنسبة لنا.

ثم فيما يتعلق بالفقرة 3 من المادة /52/ من الميثاق فلا أعلم ما علاقتها بموضوعنا لأنها تنص بالحرف على أنه: على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق المنظمات أو الوكالات الإقليمية..؟

الاستكثار من الحل السلمي.. ألا تكفينا اللجنة الدستورية بما فيها من كثرة عاهات مستدامة حتى نستكثر أكثر.. ألا يكفي مليونا ضحيةٍ وأكثر من نصف السكان مهجرون قسرياً كي ندرك أن أكبر خديعة بتاريخ البشرية هي مقولة أوباما "لا حل في سوريا إلا الحل السلمي" لأنه باختصار أراد من خلالها التنصل من مسؤوليته كضامن للسلم العالمي بموجب ميثاق الأمم المتحدة من واجب الحماية المقررة قانوناً في مواجهة الجرائم التي اقترفها بشار الأسد بحق الشعب السوري اليتيم، ثم من هي المنظمات والوكالات الإقليمية التي يريد البيان أن يحيلنا إليها؟ "هل هي الجامعة العربية.. التي دعا بعض أعضائها لإعادة تدوير النفاية الحاكمة بدمشق؟.. أم عفن الثورات المضادة بالمنطقة والذين ينظرون إلى تجربة بشار الكيماوي في قتل وتشريد شعبه بالاستعانة بالمرتزقة الروس كمصدر إلهام لهم ولأنظمتهم"؟

وإذا كان القصد الخفي أن يمنع الروسي من التصويت في مجلس الأمن لمجرد أنهم طرف بالنزاع في سوريا فمن باب أولى أن يمنعوا من التصويت فيما يتعلق بالحرب على أوكرانيا لأن صفتهم كطرف وحيد ومنفرد ومعتد أوضح وأسفر مما هي عليه في سوريا، ومع ذلك لم يمنع الروس من التصويت بمجلس الأمن فكيف يمكن تخيل اعتبارهم طرفاً فيما يتعلق بسوريا ومنعهم من التصويت..؟.

المطلب الثاني: والذي جاء فيه إحالة الملف السوري إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت شعار "الاتحاد من أجل السلام" -القرار الأممي 377….إلخ.

السؤال المطروح هنا لماذا لم تستخدم هذه الآلية على مدى 11 سنة من البراميل والكيماوي في سوريا استخدمت فيها روسيا الفيتو /16/ مرة ولماذا مع الأوكرانيين استخدمت الآلية في أعقاب سويعات فقط من أول فيتو روسي.. أنا من جهتي عندي جواب على هذا السؤال لكني سأحتفظ به للمذكرة التالية والمتعلقة بسبل الحل وفقاً لرؤيتي، أما هنا فأريد أن أظل بذات المطلب الثاني من البيان وأقتبس مما جاء فيه حرفياً "إحالة الملف للجمعية العامة لتدارس الموضوع ووقف إطلاق النار وإنهاء المأساة السورية التي طالت ووقف معاناة شعبنا التي استفحلت وانعدمت معها سبل الحياة".

حالياً لا يوجد إطلاق نار ومن وجهة نظر النظام وداعميه لا توجد مأساة، كل ما هنالك عقوبات تحول دون إمكانية أن يتمتع النظام بحصد ثمار ما اقترف من جرائم… وبالتالي سوف تنقسم الآراء بالجمعية العمومية ما بين مؤيد لرفع العقوبات إكراماً للشعب السوري في حين أن الفريق الثاني بدون خطة عمل لأن الجميع يعلم أن العقوبات الاقتصادية لا تسقط الأنظمة لذلك يجب أن نكون واضحين بمطلب إسقاط النظام لاستحالة استمرار الحياة في سوريا بالنسبة للأعم الأغلب من السوريين بوجوده وهذه مسؤولية الدول التي أخذت على عاتقها حفظ السلم والأمن الدوليين بموجب مبدأ الحماية وهو ما سنأتي على تفصيله لاحقاً.

المطلب الثالث: والمتعلق بتفعيل المادتين /5-6/ من الميثاق بمعنى تعليق عضوية النظام بالأمم المتحدة وهذا لن يتم إلا بتوصية من مجلس الأمن "الرجاء العودة للمواد" وهذه التوصية مستحيلة بوجود العدو الروسي من جهة ولأسباب أخرى سنأتي على ذكرها لاحقاً والمتعلقة بآليات طرد الروس من مجلس الأمن.

المطلب الرابع: إقامة هيئة حكم انتقالي بالخارج بمعزل عن النظام واعتبارها ممثلاً وحيداً للدولة بمعنى أنها سلطة بدون شعب أو أرض وهذا أيضاً لا يعمل إذا كنا ننظر من عين الشعب السوري اليتيم أما إذا كنا ننظر من عين أعضاء هذه الهيئة أو الحكومة من أصحاب السعادة الفخامة والسمو من جهة أو من عين الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن المسؤولين عن مجموعة القرارات الاحتيالية القذرة الصادرة بحق سوريا فهذا أمر آخر.

أفضل قرار صدر من قبلهم فيما يتعلق بسوريا هو تشكيل هيئة حكم انتقالي مؤلفة من ممثلين عن المجرم وممثلين عن الضحية في خلطة واحدة.. أليس هذا مضحكاً.. هل عرف التاريخ شيئا مثل هذا من قبل؟

بطبيعة الحال فقد صدرت هذه القرارات وأمثالها من مجلس الأمن الدولي تهرباً من تحمل مسؤولياته بحماية المدنيين وفي مرحلة لاحقة أصبح تقاسم الأدوار أشنع والتواطؤ مع النظام المجرم أسفر واتفقوا فيما بينهم على التدخل العسكري الروسي لمصلحة النظام المجرم.. واليوم آن الأوان لكشف النقاب عن هذا الركام من القذارة وليس مواراتها على حساب الشعب السوري اليتيم ومستقبله.

المطلب الخامس: إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بإحالة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية.. إلخ ما ورد في الفقرة.

أساساً لا يوجد شيء اسمه قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بالإحالة لمحكمة الجنايات الدولية لأنه إن لم تكن الدولة موقعة على قانون إنشاء المحكمة فمن الممكن تحريك الادعاء بحقها في ثلاث حالات هي قبول الدولة المتهمة بولاية المحكمة أو إحالة من قبل مجلس الأمن الدولي أو أن يتحرك مدعي عام المحكمة من تلقاء نفسه على أساس معلومات متعلقة بجرائم تدخل باختصاص المحكمة حيث يقوم بتحليل جديتها وإذا استنتج أن هناك أسباباً معقولة للشروع بالتحقيق كان له أن يأذن بالبدء بإجراء التحقيق، وفي الحالة الأوكرانية تحرك "كريم خان" من تلقاء نفسه بعد أربع أيام من بدء الهجوم "صحيح أن هناك دولاً طلبت منه ذلك لكنه غير ملزم بالاستجابة قانوناً وقد تمت عملية الطلب هذه من الدول كي لا يقال أن المحكمة مسيسة لكن للأسف هذه هي الحقيقة.

لأن 11 سنة من البراميل والكيماوي في سوريا كان خلالها مدعي عام محكمة الجنايات الدولية يغط بنوم عميق وحينما تعلق الموضوع بأصحاب العيون الزرقاء هب من غفلته وباشر التحقيقات وبأثر رجعي يعود لعام 2014 ولمواراة ازدواجية المعايير كانت هناك طلبات من بعض الدول.

ونحن كسوريين علينا أن نعري هذه الازدواجية في معايير العدالة الدولية لا أن تنطلي علينا ومن ثم نسير في ركابها ونصدّق على الخداع الدولي المتعلق بها ونصبح جزءاً منه.

النتيجة:

مع احترامي لجميع الموقعين على البيان والكثير منهم من أعز الأصدقاء لكن الموضوع ليس شخصياً وأنا بعد قراءته اكتشفت أحد أسباب البؤس الذي نعاني منه ونرزح تحته بسبب العقلية البابوية التي لا تستشير وتعتبر أنها فوق مستوى الخطأ وتمارس الدبلوماسية الناعمة وخطاب الاستجداء مع الغريب الذي كان سببا في مأساتنا بينما تستخدم العداء مع القريب الذي تقاسمت معه الماضي والحاضر والمصير المشترك.

مثل هذا الخطاب يعطي رسالة خاطئة للغرب عنا كسوريين بأننا شعب جاهل وعديم الإحساس ومكان صالح لممارسة أشنع أشكال التواطؤ الدولي بحقه.

ليعلم الجميع أن السوريين أصحاب حق وقد دفعوا دماً ثمناً غالياً للحرية ومن حقهم أن تكون لهم مطالب واضحة وأولها إسقاط النظام المجرم وحماية المدنيين وعلينا أن نحمل المجتمع الدولي مسؤولية عدم أداء واجب الحماية وازدواجية المعايير وحرمان السوريين من حق الدفاع المشروع عن النفس بمواجهة البراميل ومسؤولية الاشتراك بجرم الإبادة الجماعية عن طريق السماح بالتهجير القسري ومسؤولية جيل مضى عليه أكثر من عشر سنوات من دون تعليم لا سيما أن الحرب الأوكرانية كشفت عنصرية النظام العالمي وازدواجية مكاييله وهو ما يجب فضحه لا التستر عليه.