أين الخلل الحقيقي في العراق؟

2022.02.13 | 05:33 دمشق

alraq-ryysy-5-730x438.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما من شك أن الفوضى السياسية المتنامية في العراق هي جزء من عموم التوتر الأمني والاجتماعي والاقتصادي والتخطيطي القائم في بلاد لم تنعم بالراحة التامة والهدوء الحقيقي منذ مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي!

هذه الفوضى السياسية والأمنية انعكست بشكل بارز على مجمل المواقف والتصريحات والكتابات والتحليلات وتقديرات المواقف التي تظهر في عشرات القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية!

وفي ملف الهرج السياسي تتنامى هذه الأيام المنافسة بين أكثر من عشر شخصيات للظفر بمنصب رئيس جمهورية العراق، وذلك على خلاف عملية التصويت المتعلقة بمنصب رئيس البرلمان التي لم تكن عسيرة، وفاز بها النائب محمد الحلبوسي بسهولة ويسر!

ويبدو أن التحالف الثلاثي بين مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود برزاني، وتحالف سيادة بقيادة خميس الخنجر وقيادة ضمنية لرئيس البرلمان الحلبوسي قد دخل في دوامة جديدة بعد قرار الصدر، قبل 48 ساعة من انعقاد الجلسة، بمقاطعة جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، وفعلا لم يحضر لجلسة يوم الاثنين 7/2/2022 سوى (58) نائبا وفقا للدائرة الإعلامية في البرلمان!

وأيضا قرر التيار الصدري تجميد مفاوضاته مع الكتل السياسية بشأن تشكيل الحكومة، مما يؤكد أن الصدر هو المتحكم الأبرز اليوم بالعملية السياسية باعتباره الكتلة الأكبر، وبالذات بعد أن ردت المحكمة الاتحادية العليا، في يوم 3/2/2022، دعوى الإطار التنسيقي بشأن الكتلة الأكبر، وبقاء الصدر هو الكتلة الأكبر!

هذا الموقف الصدري تبعه قرار مهم للمحكمة الاتحادية العراقية العليا، بعد 24 ساعة فقط، والتي قررت تعليق ترشيح زيباري «مؤقتا» لحين حسم دعوى أقيمت بحقه بخصوص اتهامات بالفساد موجهة إليه.

التخوّف الأبرز يتمثّل في نقطة جوهريّة واحدة وهي: "هل سيثبت الصدر على موقفه ويشَكْل حكومة وحدة وطنيّة، أم أنّه سيتراجع في اللحظات الحاسمة؟

ومعلوم أن زيباري هو مرشح الديمقراطي الكردستاني، المتحالف مع الصدر غير المستقر، وهذه نقطة ينبغي الوقوف عندها ودراستها بعناية، وقد سبق أن ذكرت في مقال سابق لي بموقع (تلفزيون سوريا) نهاية كانون الثاني/ يناير 2022 أنّ التخوّف الأبرز يتمثّل في نقطة جوهريّة واحدة وهي: "هل سيثبت الصدر على موقفه ويشَكْل حكومة وحدة وطنيّة، أم أنّه سيتراجع في اللحظات الحاسمة؟ وقد أكّدت التجارب الماضية أنّ الصدر تراجع في الغالبيّة العظمى من مواقفه السابقة في اللحظات الأخيرة"! جمد الصدر موقفه، أو تحالفه، في الوقت الضائع مع الديمقراطي الكردستاني؟

وبعيدا عن الهرج الأمني والسياسي الواضح في البلاد أرى أن من أبرز صور الفوضى المرتقبة هي إشكالية (الفراغ الدستوري) لعدم انتخاب رئيس الجمهورية خلال المدة الدستورية المحددة، وذلك بموجب المادة 72 من الدستور، إذ يتوجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال فترة 30 يوما من جلسة البرلمان الأولى التي عقدت في التاسع من يناير/ كانون الثاني الماضي، وبخلافه، وبحسب بعض التفسيرات القانونية، تدخل البلاد في فراغ دستوري، وهو ما دفع رئيس الجمهورية برهم صالح، الثلاثاء، (8/2/2022)، لتقديم طلب للمحكمة الاتحادية العليا لتفسير المادة 72 من الدستور، وذلك لتمكينه من مواصلة عمله، ولتجنيب البلاد الدخول في فراغ رئاسي.

لكن، ومع انتهاء المدة الدستورية يوم 8/2/2022، نجد أن رئاسة البرلمان، واستناداً إلى أحكام قانون الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم (8) لسنة 2012، قررت فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية ابتداء من يوم الأربعاء التاسع من شباط 2022 ولمدة (3) أيام، وذلك بعد فشل مجلس النواب على الاجتماع بعد مقاطعة الكتل الكبرى لجلسة التصويت على رئيس جديد للجمهورية، بما فيها كتلة رئيس البرلمان المتحالفة مع الصدر!

وهذه الفوضى ربما تحمل في طياتها الكثير من المخاوف، وقد حذر زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي يوم 5/2/2022 من أن العملية السياسية أمام الفرصة الأخيرة لعبور الأزمة الراهنة، وهذه الأزمة من الممكن أن تدخل العراق في فراغ دستوري بعد دعوات المقاطعة والخلاف حول الأسماء والمناصب، قبل الوصول إلى مرحلة اللاعودة.

ويصعب على المتابع أن يحصي كل الأسباب التي تقف وراء هذا التداخل الدستوري، وهل نحن أمام إشكالية قانونية دستورية أم سياسية مصلحية توافقية؟

وجميع هذه التطورات تدفع بالبلاد نحو حلقة جديدة من حلقات الفوضى المتراكمة والمتنامية، والتي لا تقتصر على مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية، وإنما ستنسحب على ملف تشكيل الحكومة القادمة من حيث شخصية رئيسها وشكلها وصلاحياتها!

ومع كل هذه التطورات ربما من الأهمية بمكان إثارة جملة من التساؤلات الجوهرية في المرحلة الحالية، ومنها:

- هل المشكلة العراقية تكمن في شكل الحكومة القادمة، سواء أكانت حكومة أغلبية وطنية، أم حكومة توافقية؟

- وهل الإشكالية في أن رئيس الجمهورية سيكون من الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (الرئيس الحالي برهم صالح)، أو الحزب الديمقراطي الكردستاني (هوشيار زيباري)، أو غيرهما؟

- وهل المعضلة في كون رئيس الحكومة القادمة من التيار الصدري أم من الإطار التنسيقي أم من غيرهما؟

- وهل تشكيل الحكومة، واختيار رئيس الجمهورية قبل ذلك، ستنهي الفوضى وتجف بواسطتها منابع الفساد!

والحقيقة لا تتمثل المشكلة العراقية في مَنْ سيكون رئيسا للحكومة أو للبرلمان أو للجمهورية، ذلك لأن التجارب السابقة أظهرت أن القوى المتناحرة ستتفق في نهاية المطاف على شخصية لتمثيلها في هذه المناصب السيادية الدقيقة والمهمة، وسنكون أمام ثلاث رئاسات كاملة، لكن وماذا بعد هذه الاتفاقيات؟

الإشكالية المفصلية تتمثل في مدى القدرة على معالجة عموم حالة الفوضى العميقة والمترسخة في البلاد، والوقوف على أهم أسبابها السياسية والأمنية والإعلامية، والسعي لمعالجتها.

وأيضا تتمثل في القدرة على مسابقة الزمان، والعمل ضمن التوقيتات العلمية القائمة على التخطيط المسبق لوضع حد لحالة التخبط في المتاهات الحالية التي لم تثمر عن أي مشروع أو نهضة أو فكرة تجمع الناس من مختلف الألوان والأطياف الدينية والفكرية والعلمية وتبني الوطن!

الفوضى يمكن أن تنتهي حينما نجد قيادة عراقية وطنية، تسعى لإنقاذ الوطن من المتاهة المهلكة الحالية، وقادرة على ضبط المؤسسات المدنية والعسكرية

لم يعد بالإمكان القفز على حالة الانغلاق السياسي القائمة الآن لدرجة أن هادي العامري زعيم منظمة بدر أكد أنه حتى (الأولياء) لا يعرفون ما هي التحالفات في العراق اليوم، في إشارة واضحة إلى عدم تفهمهم لما يدور حولهم وهم من قيادات الصف الأول في العملية السياسية!

وبالعودة إلى سؤالنا الرئيسي وهو: متى تنتهي الفوضى في العراق؟

أتصور أن الفوضى يمكن أن تنتهي حينما نجد قيادة عراقية وطنية، تسعى لإنقاذ الوطن من المتاهة المهلكة الحالية، وقادرة على ضبط المؤسسات المدنية والعسكرية وحصر السلاح المنفلت الإرهابي بيد المؤسسة الرسمية، وجعل القانون فوق الجميع، ولا تجامل على حساب دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، ولا على حساب المال العام وعوامل هدم الدولة!

حينما نجد مثل هذه القيادة الفردية أو حتى الجماعية يمكن أن نكون ساعتها قد وضعنا أقدامنا على الموطئ الصحيح لانطلاقة سليمة وجادة نحو بناء العراق الجامع بعيدا عن كل عوامل الخراب والفوضى الضاربة للوطن والقاتلة لكل مظاهر الحياة!