icon
التغطية الحية

أوّل تهجير من نوعه.. شهود يروون مجريات إخلاء حمص المحاصرة (2/1)

2022.05.24 | 05:35 دمشق

حمص المحاصرة
لحظات خروج المقاتلين من مدينة حمص 9 أيار 2014 - عدسة سليمان أبو ياسين
+A
حجم الخط
-A

يُعدّ خروج الأهالي من أحياء مدينة حمص إلى بلدة الدار الكبيرة في ريفها الشمالي، أوّلَ تهجيرٍ من نوعه بواسطة الحافلات الخضراء في سوريا، بعد حصار هو الأشدُّ من نوعه لمدَّة 700 يومٍ، بدأ في التاسع من حزيران عام 2012، وانتهى في التاسع من أيار عام 2014.

لم يستطع نظام الأسد السيطرة على الأحياء رغم محاولات حثيثة من هجمات عسكرية وعروض تفاوض، تخللها تدمير ما يقارب الـ 70% من الأبنية السكنية، فضلاً عن استغلال جوع المحاصرين وإغرائهم بالعفو عنهم حال أجروا "تسوية" معه.

في هذا التقرير يوثّق تلفزيون سوريا أبرز مجريات التفاوض والتهجير القسري.

أسباب خروج الأهالي من حمص

الإعلامي أنور أبو الوليد - أحد الناشطين الذين شهدوا الحصار والتهجير - يلخّص لـ موقع تلفزيون سوريا أبرز الأسباب التي دفعت الأهالي للخروج من أحياء حمص كحلّ أمثل وطبيعي لحالتهم بعد عامين من الحصار، بما يلي:

  • لم يعد بإمكان الأهالي داخل أحياء المدينة المحاصرة قدرة على مقاومة الجوع غير المسبوق، ففي الشهور الأخيرة أكلوا أوراق الأشجار وحشائش الطرقات، وعدّة أنواع من الحيوانات كالسلاحف والضفادع والجراد وحتى القطط.
  • رغم فشل محاولات النظام باقتحام المنطقة عسكرياً مع تدمير البنية التحتية، إلا أنَّ الجوع بلغ من الأهالي مبلغاً لا يُحتمل، وألغى إمكانية الاستمرار في الصمود أكثر، فضلاً عن القناعة -بعد عشرات المحاولات- بوجود عجز لدى الأهالي عن كسر طوق الحصار من الداخل والخارج.
  • شح المواد الطبية تسبب بوفاة أو ازدياد الحالة المرضية لكثير من المحاصرين، خاصة ضعف الحالة الغذائية ونقص الكالسيوم الذي تسبب بكسور لأقل إصابة جسدية، مع انعدام الدواء وكثرة الإصابات خاصة حالات البتر للأطراف نتيجة القصف والمعارك اليومية.

مراحل المفاوضات

جرت عدّة مفاوضات مدنية وعسكرية لإيجاد صيغة تُنهي الحصار عن أحياء حمص لا سيّما المساعي الدولية عبر مؤتمر جنيف2.

ويقول المفوّض عن المُحاصرين في حمص طارق الهويش (المعروف باسم أبو الحارث الخالدي): إنَّ المفاوضات جرت على مرحلتين، الأولى مع السفير يعقوب الحلو ممثل الأمم المتحدة في سوريا، الذي زار المنطقة المحاصرة مع فريقه الأممي وأوكل مهمة التفاوض إلى مستشاره الأمني محمد ندى الذي تواصل مع المفوّضين من المعارضة والنظام، واستمرت المفاوضات لما يقارب الأسبوعين انتهت بإجلاء نحو 250 عائلة خرجت جميعها تحت رعاية أممية وعبر دفعات من 7 إلى 12 من شباط 2014، باتجاه حي الوعر.

ويوضح أنَّ بنود الاتفاق الأممي نصّت على دخول سيارات فيها الحاجات الأساسية، ووقف إطلاق النار (لكن النظام واصل القصف بقذائف هاون)، ثم خروج كلّ من هو دون 15 سنة وفوق 44 سنة إلى المكان الذي يريده دون تسوية مع النظام، بينما الذين ما بين العمرين فيتم تسوية وضعهم بإشراف الأمم المتحدة، خلال مدة أقصاها 24 ساعة، ليخلف النظام بهذا البند ويعتقل العشرات من مدرسة الأندلس في شارع الدبلان، وكثير منهم إلى اليوم لم يُعرف مصيرهم، منهم: منير الحوزاني والإعلامي غانم مشعلجي.

ويذكر الهويش أنَّ النظام كما أخلّ بالالتزام في إطلاق سراح الخارجين، أخّل في إدخال المساعدات، إذ دخلت ثلاث سيارات كان في إحداها لوازم مطبخ لا حاجة للمحاصرين بها، واعترض على دخولها مئات الأشخاص من الأحياء الموالية الذين تجمهروا عند مركز انطلاق السيارات الأممية، وعرقلوا وصولها لنحو 7 ساعات يوم 8 من شباط 2014، ليستهدف النظام مكان وقوفها في السوق وارتكابه مجزرة بحق المدنيين.

الإعلامي أحمد عبارة (أحمد أبو لؤي) - أحد الناجين من المجزرة - يقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "خلال دخول وفد الأمم المتحدة أصبتُ بشظايا في الرأس، نقلتُ على إثرها إلى المستشفى الميداني، مؤكداً أنَّ حصيلة الضحايا بلغت 6 قتلى بينهم القائد الميداني أبو محمد بحلاق وعمر الجاسم (زوج أخته)، و13 جريحاً.

وأشار إلى تعرّضه للاعتقال بعد خروجه بتنسيق من الأب ميشيل نعمان للعلاج، في 25 من نيسان 2014، لمدة ثمانية أشهر تنقل بين أفرع "أمن دولة، الأمن السياسي، الأمن العسكري، الرباعية" في حمص، وفي دمشق "فرع فلسطين/ 235، فرع 248، سجن صيدنايا"، وذلك بسبب عمله الإعلامي.

الإعلامي أحمد عبارة
الإعلامي أحمد عبارة (أحمد أبو لؤي)

كذلك وجّهوا لـ"عبارة" تهمة قتل الأب الهولندي فرنسيس فندرلخت، مؤكداً تعرّضه للتعذيب مع شتائم رافقته طوال فترة الاعتقال، وبعد خروجه بنحو شهر، وصل إلى ريف حمص الشمالي عبر طريق تهريب.

وفي اليوم التالي (9 من شباط 2014)، كان من المقرر دخول سيارة طحين من جهة حي القرابيص فحصل خرق بإطلاق النظام النار على سيارة الأمم المتحدة من جهة سوق الهال وإطلاق قذائف هاون على سيارة الطحين الذي حُرم المحاصرون منه، ما أوقع مجزرة ثانية ليختلط الطحين بدماء سبعة ضحايا وعشرات الجرحى، ليبدأ إخراج الناس بينهم نحو 75 شخصاً من المسيحيين بالتنسيق مع الأب فرنسيس فندرلخت، إلى حي الوعر المحاصر أيضاً. وفقاً لـ"أبي الحارث".

المرحلة الثانية من التفاوض

مرحلة التفاوض المباشر مع النظام جرت في قصر محافظ حمص طلال برازي برعاية وزير المصالحات علي حيدر، وكانت بحضور وسطاء منهم د. أمين الحلواني وتمام التركاوي، حيت شُكّلت لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص من المحاصرين يرأسها غزوان السقا، وصلت حي الوعر في 24 من آذار 2014، واستمرت المفاوضات لنحو شهر، ولم ينجح المفاوضون سوى بإدخال مساعدات للحي.

ويؤكد "أبو الحارث" أحد أعضاء اللجنة، عودته إلى الأحياء المحاصرة بعد إخبارهم بانتهاء المفاوضات، بينما بقية الأعضاء فضّلوا البقاء في حي الوعر، مشيراً إلى أنَّ الاتفاق كان أن تذهب لجنة التفاوض إلى دمشق للقاء بشار الأسد لكن عند وصول المفاوضين للوعر حذّرهم المحافظ من الاستهداف حال ذهبوا.

ويشير أبو الحارث إلى أنَّه قبل دخول الأمم المتحدة في المفاوضات، جرت محاولتا تفاوض كانت الأولى: بتفويضه من "المجلس العسكري للثوّار"، للتواصل مع العميد حسام لوقا مدير فرع الأمن السياسي في حمص، الذي طرح ثلاثة مقترحات لم يقبلها المجلس، باعتبارها حلاً مهيناً ولعدم الثقة بالنظام ووعوده، مضيفاً: أنَّ لوقا تواصل مع بعض قياديي المعارضة مستغلاً جوعهم، فأغراهم بالعفو حال خرجوهم، ما أدّى إلى بلبلة كبيرة في المنطقة، ومن نتائج مفاوضات لوقا: إدخال سيارة مساعدات مقابل إخلاء جثث 16 عنصراً من ميليشيا "حزب الله" اللبناني.

تلاها مفاوضات مع العميد علي سالم - أحد ضباط القصر الجمهوري - عبر الهاتف، والذي طرح تسوية شاملة لحمص تتضمن تشكيل "لجان شعبية" تأخذ أسلحة مرخّصة من النظام وتشكّل حواجز مشتركة مع الجيش النظامي، على غرار ما حدث في بعض مناطق ريف دمشق حينذاك، لكن هذا الطرح مرفوض لأنَّه يُعدّ تبعية مباشرة للقوات النظامية. وفقاً لـ"أبي الحارث".

المرحلة الأخيرة من التفاوض

بعد إقرار اتفاق خروج الأهالي من حمص عبر مفاوضات الوعر من جهة، ومفاوضات عسكرية رعتها "الجبهة الإسلامية" من جهة أخرى، أُوكلت المهمة الأخيرة لثلاثة أشخاص يُمثلون المحاصرين هم: "الإعلامي أبو رامي الحمصي، القيادي زهير عرابي النجار، الشيخ عبد العليم هلال"، جرت على مدار يومين في فندق السفير، خلال يومي الثالث والرابع من أيار 2014.

ويقول زهير عرابي النجار لـ موقع تلفزيون سوريا: إنَّ المفاوضات العسكرية كان لها الدور الأكبر في تنفيذ الاتفاق، وتمّت بين قائد "كتائب الأنصار" في حمص "أبي عزام الأنصاري" عبر "حركة أحرار الشام" مع جهة من النظام قيل إنَّها إيرانية.

وتابع: "نحنُ كثوار اطلعنا فقط على البنود التي تخصُّ خروجنا مقابل إدخال مساعدات إنسانية لبلدتي نبل والزهراء المحاصرتين من فصائل المعارضة شمالي حلب، إضافة للإفراج عن أسرى بينهم إيرانيون، وعند اطلاع السفير الأممي لتنفيذ بند إدخال المساعدات خلال لقائنا في فندق السفير، قرّر إدخالها أيضاً لقرى محيطة بها تخضع لسيطرة المعارضة، موضحاً أنَّ إخلاء الأهالي كان من المقرّر أن يتم في يوم واحد، لكنَّه استمر ثلاثة أيام بسبب تأخر إدخال المساعدات إلى نبل والزهراء.

بدوره، يقول الإعلامي "أبو رامي": إنَّ التواصل كان مع الهلال الأحمر السوري لينقلهم من منطقة السوق (دوار الساعة القديمة) إلى فندق سفير حمص، وهنا جرى استهدافهم وأصيب الشيخ عبد العليم برصاصة بيده لكنها كانت طفيفة، واعتبر النظام هذا الاستهداف تصرّفاً فردياً"، مردفاً الإعلامي: "تابعنا الطريق واستقلينا سيارة شرطة مدرّعة مغلقة وعبرها وصلنا إلى الفندق، بكلّ ثقة دون أيّ خوف".

ويضيف أنَّ الاجتماع الأوّل غاب عنه ممثلو الأمم المتحدة، وكان بحضور رئيس شعبة المخابرات العامة اللواء ديب زيتون، ورئيس فرع المنطقة الوسطى للجيش، ورئيس فرع أمن الدولة، ورئيس سرية المداهمة (215) التابعة لشعبة المخابرات العسكرية العميد حسن دعبول، والعميد حسام لوقا، ومحافظ حمص طلال البرازي، والدور الأبرز للمندوب الإيراني "الحج فادي" وآخرين، وأوّل عرض من "زيتون" هو تسليم المقاتلين أنفسهم بالكامل، وبحسب "أبي رامي" فإنَّ "زيتون" خصّه بكلام أراد به إقناعه كي لا يعود مع اللجنة، لكنه رفض العرض.

واللقاء الثاني، حضره السفير الأممي يعقوب الحلو، وشدّد خلاله ممثلو التفاوض على تنفيذ شروط المقاتلين مقابل الخروج وأهمها: "تأمين حافلات نقل، إشراف الأمم المتحدة، إخراج السلاح الفردي، مرافقة سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر، إضافة إلى وجود شخص مدني يُرافق كلّ حافلة وقد اختار النظام شخصيات دينية مسيحية ومسلمة وأعضاء من مجلس الشعب"، وعند عودة المفاوضين بسيارة الهلال الأحمر تجهّز الأهالي للخروج.

وكانت أوّل دفعة في السابع من أيار 2014، وكان القادة البارزون ملثمّي الوجه حرصاً من أيّ استهداف، لكن الدفعة الثالثة تأخّر خروجها 24 ساعة، حيث أوقف النظام مغادرة الحافلات بحجة عدم إدخال المساعدات إلى نبل والزهراء، وهنا بدأت الاتصالات بين ممثلي المحاصرين الثلاثة مع قيادات "أحرار الشام" وعندما تأكّد النظام من إدخال المساعدات للبلدتين، سمح بالمغادرة لآخر سبع حافلات وكان كلّ شخص يحمل سلاحه وجعبته وحقيبته، إضافةً إلى سلاح "آر بي جي" واحد في كلّ حافلة. وفق "أبي رامي".

والجدير بالذكر أنَّ النظام كان يرغب في إبقاء الحصار على حمص كورقة ضغط بيده لتنفيذ غاياته، وشهد منذ البداية مبادرات تتمحور حول خيار تحويل المقاتلين إلى لجان شعبية (قدّمها أمين الحلواني صاحب مستشفى الأمين في حمص)، لكن لم تلقَ قبولاً من الطرفين، ودخل "الحلواني" إلى منطقة الحصار مع وفد الهلال الأحمر للتفاوض مع المعارضة قادماً من مكان إقامته في الإمارات، وكان متابعاً للمفاوضات الأخيرة، لكنَّه اختفى في الثالث من أيار 2014 عندما خرج من منزل المحافظ طلال البرازي في حي الإنشاءات، وما يزال مجهول المصير.

يذكر أنَّه خلال الأشهر الأخيرة من حصار أحياء حمص، خرج مئات المحاصرين بتسويات فردية باتجاه مناطق النظام واحتُجزوا ضمن مدرسة في شارع الدبلان، إضافة إلى حدوث معارك بعد خروج العائلات، ومعرفة تلك الأحداث مع أبرز مجريات الحصار العسكرية، ستكون في التقرير الآتي.