أوكسجين الأسد لإنعاش لبنان المحتضر.. دلالات وأبعاد

2021.03.26 | 06:59 دمشق

2021-03-24t130236z_1950782669_rc2phm914c3f_rtrmadp_3_health-coronavirus-syria-lebanon.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن إعلان وزير الصحة اللبناني حمد حسن عن "مكرمة" رئاسية من رأس النظام في سوريا، بشار الأسد، لإنعاش الجسد اللبناني المختنق بعوامل الاقتصاد وفواعل الانقسام السياسي، لتمر مرور الكرام من دون أن تثير مزيدا من الانقسام في الشارع اللبناني، بين مؤيد ومعارض، في وقت تئن فيه مشافي العاصمة دمشق ومحافظات أخرى تحت وقع امتلاء غرف العناية المشددة بالمرضى، والتحذير من وصول الموجة الثالثة من فيروس كورونا بسلالته المتحورة إلى سوريا.

وزير الصحة التابع لحكومة النظام حسن غباش "تباهى" بتزويد لبنان بالأوكسجين على دفعات، في وقت بدأ فيه تفعيل خطة الطوارئ في مشافي العاصمة السورية لتدارك عدد الإصابات المتزايد بفيروس كورونا. 

تزويد لبنان بـ75 طناً من الأوكسجين بمعدل 25 طناً لمدة ثلاثة أيام، جاء مشروطا "بما لا يؤثر على توافر الأوكسجين في البلاد" على حد تعبير وزير الصحة السوري. أما حديث وكالة الأنباء الرسمية سانا عن "خلو مشافي لبنان من الأوكسجين"، وتواصل المسؤولين اللبنانيين مع وزارة الصحة السورية، و"الاستجابة بالسرعة القصوى" لإنقاذ نحو "ألف مريض على أجهزة التنفس الصناعي" وأن الكمية الموجودة من الأوكسجين في لبنان "تكفي ليوم فقط"، فهو مجرد ذرّ للرماد في العيون.

واقع الحال أن لبنان يعاني من تداعيات جائحة كورونا بلا شك، لكن سوريا تعاني هي أيضا من تداعيات الأزمة ذاتها، وفي وقت تمكن فيه لبنان من استجلاب آلاف الجرعات من لقاح كورونا من عدة جهات لا تزال سوريا بانتظار "المكرمات" الدولية لتقديم اللقاح، والتي من المنتظر أن تصل طلائعها إلى سوريا مطلع شهر أبريل/ نيسان المقبل.

لا نقص في الأوكسجين في المستشفيات اللبنانية، وفق ما تؤكّده مصادر في القطاع الصحي لمواقع إعلامية لبنانية، وعدم النقص يعود إلى قدرة المصانع اللبنانية على تأمين الكميات المطلوبة، فضلا عن عدم وجود أزمة أوكسجين أو نقص في إنتاجه في ظل وجود معملين اثنين لإنتاجه.

فماذا يروم الأسد من القرار المفاجئ؟

بصرف النظر عن الانقسام اللبناني الذي سوف يتأجج بمجرد خروج الخبر إلى الإعلام، وهو هدف لا يمكن التقليل من "فوائده" على نظام الأسد تحديدا، وتداعياته على مجتمع منقسم سياسيا، ومشلول حكوميا، وتنتظره عقوبات على طغمته السياسية التي فشلت في تدوير زوايا الحكومة المطلوبة بعد أشهر على تكليف سعد الحريري بتشكيلها. فالتلويح بورقة النظام في وجه الفرقاء اللبنانيين، خطوة من شأنها تقوية فريق على حساب فريق، من جهة، والتذكير بقدرة النظام على ممارسة نفوذه في لبنان، على الرغم من انتهاء ما يسمى "عهد الوصاية السورية" على البلد المنكوب بسياسييه.

وفي وقت تسعى فيه روسيا لتخفيف أعباء الأزمات المعيشية المتناسلة في مناطق سيطرة النظام في أعقاب اتفاقها مع تركيا على فتح ثلاثة معابر مع مناطق شمال غربي سوريا الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، يروم نظام الأسد "تسويق" نفسه فاعلا إقليميا قادرا على إيجاد حل سياسي توافقي في لبنان المأزوم، وتنفيس الاحتقان الاقتصادي والمجتمعي عن الجار "العاجز" عن التوافق السياسي بعيدا عن التدخلات الخارجية، ولا يبدو أن بشار الأسد، تحديدا، قد مسح من ذاكرته ما افتتح به عهد رئاسته في سوريا، عندما اضطر "صاغرا" إلى سحب الجيش السوري من لبنان عام 2005 بضغط دولي تبع زلزال غزو العراق.

لا يمكن التقليل أو التهوين من حراك نظام الأسد لفك عزلته عربيا وإقليميا ودوليا عبر الترويج لنفسه كطرف قادر على منع انهيار لبنان وإعادة التوافق والهدوء وحتى الانفراج الاقتصادي إلى شرايينه، كما لا يمكن استبعاد خطوة وزير الصحة اللبناني وطلبه مدّ أنابيب الأوكسجين من دمشق إلى بيروت، بمعزل عن زيارة وفد حزب الله اللبناني إلى موسكو في الشهر الجاري، ويبدو أنها خطة متكاملة الأركان مدعومة بتحركات على أصعدة عدة لتشتييت الانتباه عن المغزى الرئيسي مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، فنظامٌ اقتات على تقديم الخدمات السياسية الخارجية لدول العالم وعقد حتى مع ألد أعدائه اتفاقات من تحت الطاولة لتقديم الخدمات اللوجستية، لن يفوت فرصة تحويل محنة جاره لبنان إلى فرصة ذهبية لإعادة إنتاج نفوذه وتعويم علاقته الإقليمية وتوظيفها لصالح بقائه في الحكم، فهل يحول الأسد رئته المختنقة "لبنان" إلى "متنفس" لإعادة إنتاجه وقبوله في المجتمع الدولي؟، وهل سنشهد وفودا عربية ودولية تطرق بابه للاستنجاد "بخبراته" في إدارة الملف اللبناني.. قريبا!