أوقفوا محادثات جنيف!

2018.04.07 | 09:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم تمض  ساعات على اتفاق فيلق الرحمن مع الروس لخروج المقاتلين ومن يرغب من المدنيين مع عائلاتهم من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري حتى استدعى لافرف المبعوثَ الدولي ستيفان دي مستورا  من أجل جولة جديدة للمحادثات في جنيف، المبعوث الدولي بكل وضوح شكر موسكو على جهودها في الغوطة الشرقية لإخراج المدنيين ! في موقف سيذكره التاريخ كأحد أسوأ مواقف  ممثلي الأمم المتحدة التي لم تخدم أحداً في ظل الثورة السورية سوى نظام الأسد وحلفائه، وعلى أية حال فإن هدف موسكو من جولة جديدة هو بلا ريب حصد المكاسب العسكرية التي حققتها  وصرفها سياسياً  في أسرع وقت  ممكن.

في الواقع ظل السؤال الملح منذ بداية الثورة "هل حقاً هنالك حل سياسي في سوريا؟"  وثمة قناعة عامة ترسخت خلال سبع سنوات بأن النظام السوري قدم كل المؤشرات بأنه لا يرغب في أي حل سياسي، وأن الحل الوحيد الذي يؤمن به هو الحسم العسكري، وهو إيمان بلا بشك يشاطره فيه الروس والإيرانييون، ويقابله رغبة شديدة من المعارضة السياسية منذ البداية في إنجاز حل سياسي محترم يقوم على جنيف1، أي على انتقال سياسي عماده تشكيل هيئة حكم انتقالي لا يكون للأسد أي دور فيها، وفي حين بقي النظام متشدداً ولم يقدم أي تنازل من أي نوع كان ولو شكلياً في جولات جنيف التسعة قدمت المعارضةُ كل التنازلات التي يحتاجها النظام بالمجان دون أي مقابل، بتوصيات من الأصدقاء (الذين كانوا على الدوام  أسوأ من الأعداء) تارة، وبضغوط من  ستيفان ديمستورا بالتواطؤ مع الروس تارة أخرى، وبتواطؤ بعض الأصدقاء مع الروس تارة ثالثة، خصوصاً أولئلك الذين صاروا يرون في الثورة السورية عبئاً عليهم، فأصبحوا يريدون لحمها ورمي عظامها،

"لماذا إذا يريد الروس  وحلفاء النظام من خلفهم إحياء جنيف ما داموا لا يؤمنون إلا بالحسم العسكري؟ لماذا لا يمضون مباشرة إلى الحسم وينسون عملية جنيف، فلديهم القدرة على إماتتها إذا استطاعوا ذلك؟ "

وبالرغم من أن رغبة المعارضة واضحة في الحل السياسي إلا أن قناعتها العميقة كانت تتطابق وقناعة النظام  بالحل العسكري، فإذا ما استثنينا المعارضة الهامشية، فإن المعارضة السورية والقوى الثورية على العموم تعتقد أن الحسم العسكري هو السبيل الوحيد للتخلص من هذا النظام الذي لا يفهم لغة الحوار.

على هذا الأساس يصبح السؤال وجيهاً: لماذا إذا يريد الروس  وحلفاء النظام من خلفهم إحياء جنيف ما داموا لا يؤمنون إلا بالحسم العسكري؟ لماذا لا يمضون مباشرة إلى الحسم وينسون عملية جنيف، فلديهم القدرة على إماتتها إذا استطاعوا ذلك؟  الجواب باختصار أن أي حل عسكري حتى يمكن أن يكتسب الشرعية يحب أن يمر عبر اتفاق تسوية سياسي في نهاية المطاف، هو في شكله اتفاق سلام، وفي مضمونه اتفاق استسلام يمنح "المنتصر" الشرعية النهائية اللازمة له، لهذا يريد الروس أيضاً أن لا تموت جنيف، بل أن تبقى حية لاستخدامها  في النهاية.  وحتى يكون الاتفاق لديه شرعية دولية وشرعية محلية يريد الروس تطويع جنيف لتمكنهم من تحقيق ذلك عندما يحين وقته، وهذا التطويع يتم خطوة خطوة، من جهة يتم صرف كل تقدم عسكري بتغيير سياسي في جنيف، ومن جهة ثانية يتم تغيير المعارضة وتقليص تطلعاتها وتخفيف "ثوريتها" بربطها بالتراجع العسكري  على الأرض، ومن جهة ثالثة يتم تأويل بيان جنيف ووضع خرائط للحل السياسي تعيد تأويله وتدفع به إلى نهاية تطابق الرؤية الروسية في الحل النهائي، ومن جهة رابعة يتم استخدام عملية جنيف من أجل إعادة الشرعية لنظام الأسد  وسحب اعتراف بها من المعارضة بالتدريج.

لهذا السبب العملية السياسية في  جنيف لن تتوقف، ولن تموت فكل الأطراف الدولية الأخرى حريصة عليها، حرصاً نابعاً من قناعة مفادها أنها الطريق السياسي الوحيد الذي يجبر الروس على البقاء تحت رحمة الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن من أصدقاء سوريا، والواقع أن هذا المنطق يشتمل على خدعة كبيرة، لا النظام مكترث بالإحراج ولا الروس معنيون به، من قتل مئآت الآلاف من البشر بكل أنواع الأسلحة تحت سمع العالم وبصره ولم يحرجه ما الذي سيحرجه بعد ذلك؟! لكن جنيف 9 لا يشبه أبداً جنيف 2 يوم انطلقت جولات المحادثات الأولى، وجنيف 10 الذي يريده الروس الآن سيكون مختلفاً تماماً عن جميع ما سبقة، فما يريده الروس من اجتماع

"قد لا ينجح ديمستورا في تحقيق ما يريده الروس في حنيف 10، لكنه بكل تأكيد لديه فرص كبيرة لتحقيق ذلك في جولات أخرى وفي تقنيات، فالرجل عين الروس التي لا تنام"

لافروف-ديمستورا أمرين، أولهما تنفيذ مخرجات  مؤتمر سوتشي ممثلة في شكل أساسي في اللجنة الدستورية وبدء عملها، وثانيها إقناع المعارضة بأن تكون اللجنة الدستورية بتشكيل الأمم المتحدة ولكن بتوقيع من بشار الأسد بصفته "رئيسا  للجمهورية العربية السورية"، أي بوضوح تام: أن تَمنحَ المعارضةُ رأسَ النظامِ اعترافاً بشرعيته، وسيعمل ديمستورا بكل جهده  للضغط على المعارضة وهزها كما كان يفعل دائماً من أجل أن تتقبل بذلك، وسيساعده في ذلك أصدقاؤنا السيئون جميعاً في ذلك تحت شعار  "إحراج النظام"، وهو شعار خادع لا معنى له سوى تنازل المعارضة وتجريدها من الشرعية بالتدريج.

قد لا ينجح ديمستورا في تحقيق ما يريده الروس في حنيف 10، لكنه بكل تأكيد لديه فرص كبيرة لتحقيق ذلك في جولات أخرى وفي تقنيات، فالرجل عين الروس التي لا تنام، إلان أن المقلق ليس مسعى ديمستورا (الذي لا يملك فرض شيء نظريا ويملك فعل كل شيء عملياً) إنما هو استجابة المعارضة نفسها، تلك التي تحتل التحدث باسمها  "الهيئة السورية للمفاوضات" والتي صار النظام شريكاً فيها عبر منصة موسكو على الأقل في فضيحة غير مسبوقة في عالم السياسة؛ إذ ما من شك أن هذه الهيئة المطواعة غير قادرة على مقاومة الضغوط، وتسودها أفكار من نوع الواقعية التي تغلف الهزيمة والتي تقود بالضرورة إلى الاستسلام. 

والحال هذه فإن كل جولة من المحادثات تراكمُ إلى الخسائرِ والتنازلاتِ من المعارضة خسائرَ وتنازلاتٍ جديدة ٍ، وكل جولة تراكم مكاسب سياسية لروسيا وإيران ونظام الأسد، فلماذا إذا ندع هذه المعارضة تبيع الوهم للسوريين فيما هي تبيع الشرعية للنظام في جنيف؟ إذا أردنا أن نوقف الخسائر في جنيف فلنوقف المحادثات الآن، فلا أحد يؤمن أن ثمة حل في جنيف سوى الروس وبعض المغفلين منا!

كلمات مفتاحية