أوروبا تفنّد ادعاءات النظام وترفض التطبيع معه

2021.07.12 | 07:06 دمشق

f7bda744464323687576c7dcff4e0b2e264ecdd0.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أصدر الاتحاد الأوروبي في نهاية حزيران/ يونيو الماضي تقريراً نشره على موقع "بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا" الإلكتروني لمواجهة حملة التضليل، التي يقوم بها مسؤولون من نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، عبر نشر الأكاذيب والأخبار الزائفة التي يراد منها تحميل دول الاتحاد الأوروبي المسؤولية عن معاناة الشعب السوري كونها تفرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد، والادعاء بأن هذه الدول بدأت التطبيع مع النظام السوري، وسوى ذلك من الادعاءات والأكاذيب.

وإن كانت أكاذيب وادعاءات نظام الأسد لا يمكن عدها وحصرها كونها تشكل جزءاً من طبيعته ونهجه الذي اعتاد عليه، إلا أن واضعي التقرير الأوروبي رأوا بأن الأوان قد آن لوضع الأمور في نصابها وتفنيد المعلومات المضللة أو الأوهام التي يروّج لها نظام الأسد وحلفاؤه، والتي حصروها في مجموعة من ادعاءات مضللة تتمثل في أن: "سوريا آمنة من أجل عودة اللاجئين"، و"الاتحاد الأوروبي والغرب يشنّان حرباً اقتصادية على الشعب السوري"، و"دول الاتحاد الأوروبي تهيئ الأرضية للتطبيع مع النظام السوري"، و"النظام السوري لم ينفذ هجمات بالأسلحة الكيمياوية، و"الغرب هو من أنشأ التنظيمات الإرهابية ويقوم برعايتها"، و"الاحتجاجات (التي انطلقت في منتصف آذار/ مارس عام 2011) كانت مؤامرة أجنبية منذ البداية".

لا تصمد ادعاءات نظام الأسد بأن سوريا باتت آمنة من أجل عودة اللاجئين إليها أمام الوقائع التي أثبتت أن "قلة قليلة من السوريين يجرؤون على العودة لبلدهم"

ولا شك في أن الهدف الأساسي من حملة التضليل والادعاءات الباطلة هو طمس عواقب أفعال المسؤولين في نظام الأسد وحلفائه و"تحميل العالم الخارجي مسؤولية معاناة الشعب السوري وسوء إدارة البلاد"، حيث "ادعى مسؤولون في النظام السوري وحلفاؤهم أن عقوبات الاتحاد الأوروبي هي عقاب جماعي للشعب السوري، تمّ فرضها بهدف دفع اللاجئين إلى عدم العودة إلى سوريا. كما ادّعوا أن الغرب يدعم منظمات إرهابية في سوريا ويتلاعب بهيئات دولية كمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتمرير قرار غير شرعي، وتوجيه الاتهام إلى النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية".

ولا تصمد ادعاءات نظام الأسد بأن سوريا باتت آمنة من أجل عودة اللاجئين إليها أمام الوقائع التي أثبتت أن "قلة قليلة من السوريين يجرؤون على العودة لبلدهم"، وأن الكثير منهم تعرض "عند عودته إلى الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والمعاملة السيئة على يد قوات أمن النظام أو أرغموا أحياناً على التجنيد" الإجباري، لذلك وبالرغم من أن حق العودة الآمنة والطوعية والكريمة هو حق فردي للاجئين والمهجّرين داخلياً، إلا أن التقرير يؤكد أن "سوريا بلد غير آمن وتمييزي بالنسبة إلى غالبية مواطنيه، ولا تزال القوانين والإصلاحات السياسية اللازمة من أجل ضمان حق المواطنين في العيش بأمان غائبة".

ويبدو أن المسؤولين في نظام الأسد والنظام الروسي ونظام الملالي الإيراني يريدون من حملة التضليل والافتراءات التي يقومون بها أن يصدق المجتمع الدولي بأن الهجمات بالأسلحة الكيميائية التي نفذوها في الغوطة عام 2013 وسواها من المناطق المدنية السورية هي هجمات مدبرة من طرف فصائل المعارضة أو أنها لم تقع أساساً، بالرغم من تعدد التقارير الأممية والدولية التي تؤكد استخدام نظام الأسد أسلحة كيميائية ضد مناطق مدنية خارجة عن سيطرته، إذ أن محققي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أكدوا في تقريرهم عام 2018 قيام النظام بتنفيذ 33 هجوماً بالأسلحة الكيميائية، كما أكد تقرير أصدرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 12 من شهر نيسان/ أبريل 2021، استخدام النظام السوري أسلحة كيمياوية محرمة دولياً، وذلك في الهجوم بغاز الكلور على مدينة سراقب في 4 من شباط/ فبراير 2018. وسبق للمنظمة وأن حمّل تقريرها الماضي، قبل نحو عام، قوات النظام المسؤولية عن ثلاث هجمات بالسلاح الكيمياوي باستخدام غاز السارين في بلدة اللطامنة في 24 و30 من مارس/ آذار 2017 وغاز الكلور في 25 من مارس 2017.

وتمتد حملة التضليل الأسدي إلى تحميل الاتحاد الأوروبي والغرب مسؤولية الكوارث التي تسبب بها النظام لسوريا والسوريين، بغية التنصل من مسؤوليته عنها، وخاصة الوضع الاقتصادي المزري الذي يعاني منه غالبية السوريين، والذي يعود إلى عدة عقود من التخريب والنهب والفساد والمحسوبيات، إلى "جانب اعتماد اقتصاد الحرب الذي بناه النظام وأتباعه لتحقيق الازدهار، فضلاً عن أزمة المصارف اللبنانية والفساد المستشري"، لذلك يؤكد التقرير الأوروبي أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا على النظام لا علاقة لها بكل ذلك، وفرضت عليه بسب قمعه الوحشي للسوريين، فضلاً عن أنها "صُممت لتتفادى عرقلة المساعدات الإنسانية، إذ لا يخضع تصدير الغذاء والأدوية والتجهيزات الطبية، كأجهزة التنفس الصناعية، لعقوبات الاتحاد الأوروبي".

ويبدو أن غاية التقرير الأوروبي ليست فقط إفادة حملة التضليل التي يقوم بها نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون، بل القطع بأن لا تطبيع أوروبياً مع نظام الأسد "إلا إذا دخل عملية انتقالية ذات طابع سياسي استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة، ويشمل ذلك إنهاء القمع وإطلاق عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجونه"، وبالتالي على النظام أن يخرج من جلده ويغيّر نهجه وممارساته، كي ينخرط في عملية سياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهذا غير ممكن بالنظر إلى طبيعة نظام الأسد وتركيبته، كونه لجأ إلى القمع والقتل منذ بداية الثورة السورية، واتخذ أشكالاً متنوعة من الإنكار بوجود أي حراك احتجاجي سلمي، وراح يروّج لنظرية المؤامرة الخارجية، ووصف المحتجين بالعملاء لقوى المؤامرة الكونية، وأطلق عليهم تسميات مندسين ومهلوسين ومخدرين وصياصنة وعرعوريين وسلفيين وعصابات إجرامية وإرهابيين وسوى ذلك.

نظام الأسد سيبقى منبوذاً من طرف دول الاتحاد الأوروبي والغرب طالما بقي يظن أن بإمكانه، اعتماداً على حلفائه الروس والإيرانيين، التحايل على الوقائع وتزييف الحقائق، ورفض القرارات الأممية

وبالرغم من اعتماد نظام الأسد وحلفائه على ديماغوجية واهية وعلى بروباغندا الأكاذيب والتضليل، على خلفية فهمهم للسياسة التي تراها كامنة في إنكار الحقائق وتزييف الحقائق والوقائع والمراوغة، إلا أن ذلك لن يحقق محاولتهم التي تريد تصوير التطبيع الدولي والعربي الشامل مع نظام الأسد، وكأنه أمر واقع، أو أنه تحصيل حاصل، وبات قاب قوسين أو أدنى، فيما يكشف واقع الحال أن نظام الأسد سيبقى منبوذاً من طرف دول الاتحاد الأوروبي والغرب طالما بقي يظن أن بإمكانه، اعتماداً على حلفائه الروس والإيرانيين، التحايل على الوقائع وتزييف الحقائق، ورفض القرارات الأممية. وبالتالي لن تنفع النظام حملات التضليل والأوهام الكاذبة لأن العالم بأجمعه، وخاصة دول الغرب، تعي تماماً أنه لا يمتلك أي شرعية من أي نوع، وذلك منذ أن استولى حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري عام 1970.