أوباما المزيف

2020.06.02 | 00:06 دمشق

obama_sotu.jpg
+A
حجم الخط
-A

في العام 2011، مُنحت جائزة نوبل للسلام لـ باراك حسين أوباما، وذلك بعد أشهر من توليه منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ليصبح أكثر رجل نافذ و الرجل صاحب القدرة القصوى على تحقيق تغيير ولو نسبي إن أراد، بالطبع لم يكن أوباما قد فعل شيئاً أو أنجز أي أمر، لكن مؤسسة نوبل للسلام أرادت في حركة ذكية أن تطوقه وتلبسه لبوس رجل السلام أو صانع السلام في بدايات عهده، فهو صاحب نظريات كثيرة و عديدة أهمها، " نعم نحن نستطيع " التي أصبحت سلوجناً سياسياً واجتماعياً عالمياً...

ولكن الرجل خذل الجميع بدءاً من مؤسسة نوبل وصولاً لكامل الشعوب التي اندلعت أزمات على أراضيها أثناء تسلمه زمام الحكم في واشنطن، ربما شأنه شأن معظم الحائزين على نوبل ممن يرتبطون بالشرق الأوسط أو العالم الثالث، فها هي " توكل كرمان تهدم حياديتها وتنحاز لطرف ضد آخر، و بذلك تخرق مبدأً أساسياً من مبادئ السلام الذي يجب أن يشمل الجميع، ولايجوز لداعية السلام أن يكون متحزباً لطرف دون آخر، وكذلك ناديا مراد حاملة نوبل للسلام 2016، التي حصرت عملها وشؤون اهتمامها في القضية اليزيدية دون أن تدرك أن نساء الشرق الأوسط جميعهن منكوبات بذات الدرجة وذات الأسلوب، بل ذهبت أسوأ من ذلك حينما بدأت تطلق تصريحات سلبية و عنصرية من جهة ضد أخرى، دون وعي أو إدراك..

عودة إلى باراك حسين أوباماً، الرجل الذي حاز قصب السبق في عشرات المسارات التي أدخلت اسمه التاريخ، فهو الرجل الأول من أصول أفريقية الذي يصل لمنصب المرشح الرئاسي وهو أول رجل من أصول أفريقية يصبح رئيساً لأميركاً أو لأي دولة في الغرب الأبيض، وكذلك هو أول رجل من أصول "مسلمة" يصل لأرفع مكتب في الولايات المتحدة، وتكرّ السبحة في توصيف ريادته، ولكن ماذا فعل الرجل فعلياً لإيقاف سيول الدماء في سوريا أو ليبيا أو مصر أو اليمن أو إيران أو العراق أو فلسطين، وغيرها كثير..؟

الجواب، هو لا شيء، كان أوباما يبذل قصارى جهده من أجل تجنيب إدارته التي استمرت ثماني سنوات الدخول في حرب، وذلك إيفاء بتعهداته التي كبلته بها مؤسسة نوبل للسلام، فهو يفهم السلام بنفيه، أي بعدم خوض أية حروب، وبناء على تلك النظرية ترك الملايين يواجهون موتهم في الشرق الأوسط، انسحب من العراق قبيل انتشار تنظيم داعش الإرهابي، و ترك المنطقة لطغمة التنظيم ولإيران، وفوق ذلك وقّع الاتفاق النووي مع إيران الذي تتبدى نصوص بنوده يوماً بعد يوم، بإطلاق يد الجمهورية الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط مقابل تحجيم المشروع النووي العسكري في طهران.

واليوم ماذا يفعل باراك أوباما إزاء الكارثة التي تندلع في شوارع المدن الأميركية، سوى المراقبة والصمت

واليوم ماذا يفعل باراك أوباما إزاء الكارثة التي تندلع في شوارع المدن الأميركية، سوى المراقبة والصمت، لقد قُتل رجل أسود نتيجة العنف المرتكب من قبل رجال الشرطة الأميركية، وبناء على هذا الفعل العنصري المستمر من قبل البوليس الأميركي منذ عقود، نزل الغاضبون إلى الشوارع واندلعت أعمال العنف والتخريب في الأسواق، وبدأ العنف المتبادل من قبل الشرطة، وبدأ القتلى بالتساقط نتيجة التصادم مع المتظاهرين، وخرج الرئيس ترامب، ليهدد و يتوعد برفقة رجالات إدارته، معتبراً ما جرى بأنه تقريباً "مؤامرة"، بينما الرئيس الديمقراطي السابق صامت بلا أي حراك، وهو أعلى منصب وصل إليه الرجل الأفريقي في أميركا، إنه النموذج أوباما، وهو صامت حتى لحظة كتابة هذه السطور بعد خمسة أيام على وقوع الجريمة، خائف ربما، اليوم خرج نائبه جو بايدن المرشح الرئاسي للانتخابات القادمة، ليدين العنف ويؤيد حق التظاهر، فقط...

ولكن الحركة النضالية السوداء في الولايات المتحدة افتقدت باراك أوباما أو زوجته، فهما مشغولان بإلقاء المحاضرات حول الديمقراطية البيضاء، ودبلوماسية فض النزاعات، بينما الرجال من أصول أفريقية يقتلون في شوارع أميركا دون أي محامٍ عنهم، لم يكن الحال كذلك لو أن مارتن لوثر كينغ، أو مالكولم إكس، أو حتى نينا سيمون و سيدني بواتييه...أحياء ..وكلهم كانوا رموزاً للنضال من أجل فض التمييز العنصري ضد الملونين في أميركا ...

يصف الكاتب الفرنسي مارك ناب، أوباما بـ الزنجي المزيف، أي إنه أسمر البشرة بالفعل ولكنه ينتمي لقيم ونظم البيض العنصريين الذين يحكمون واشنطن، وليس أصحاب القضايا العادلة، وهو وصف حقيقي وعادل تجاه رجل، كان من المفترض أن يكون صوت كل المقهورين من السود و الإسبان والعرب و الآسيوين والهنود الأميركيين في الولايات المتحدة، فما فائدة وصول رجل من أقلية مضطهدة إلى سدة الحكم، وممارسته ذات التمييز العنصري تجاه المضطهدين، سوى أن يكون ديكوراً لديمقراطية قد تكون زائفة ومزيفة، يقول المثل "السلطة مفسدة" وهي كذلك أينما وجدت ، ولكن أوباما المكنى بحسين لا يملك من ثقافة الاضهاد سوى لونه واسمه، أما سلوكياته وممارساته و سياساته فهي أشد تمييزاً وعنصرية من خلفه ربما، ففي عصر أوباما سقط الملايين قتلى نتيجة تردده في ردع القتلة، حيث اكتفى الرجل باهتمامات دولية تتعلق بممارسة التنس و توقيع اتفاق نووي مع الجمهورية الإسلامية، و توقيع اتفاقية المناخ العالمي..

لا دين للسلطة والتغيير يتطلب جرأة حقيقية، دونها يجب على الجميع انتظار ذلك الرجل الأسود في التفكير الذي ربما يكون لون بشرته أبيض بالمناسبة، كي ينصف كل هؤلاء، وهنا تحضرني لوحة للمعلم فاتح المدرس، وقفت أمامها طويلاً في التسعينات، وفيها قد رسم المسيح مصلوباً ولكنه كان صاحب بشرة سوداء.