أهداف "أيشي"... وحرائق الغابات السورية!

2020.09.17 | 00:53 دمشق

manar-02435750015710939097.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تبلغ مساحة الغابات في سوريا حسب تقرير تقييم الموارد الحراجية العالمية 2015 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة 491 ألف هكتار، وتشكل 2.7 بالمئة من مساحة سوريا، وهنالك 35 ألف هكتار أراض حراجية أخرى، و231 ألف هكتار مغطاة بالأشجار. وواقع الأمر أن نسبة الغابات ومساحاتها في سوريا متواضعة مقارنة ببقية البلدان العربية‘ فهي العاشرة ضمن الدول العربية من حيث المساحة،  فهي أكثر فقط ب168 ألف هكتار من بلد صحراوي كالإمارات العربية المتحدة بينما تفوقها الإمارات بنسبة الغابات لمساحتها فتبلغ (3.9% بينما سوريا 2.7%) ، وتشكل الغابات في السعودية ضعفي مساحتها ، وطبعاً لم تبلغ مساحة الغابات في سوريا سوى 2.7  بالمئة من مساحتها، بينما هي 12.6 بالمئة في المغرب وحوالي 22 بالمئة في السودان بشطريها، ولبنان 13.4 بالمئة، وحقيقة يصح أن نطلق الصومال الخضراء أو المغرب الخضراء، أو السودان الخضراء فكلها تفوق ما يعرف بتونس الخضراء من حيث مساحة الغابات ونسبتها من المساحة الإجمالية.

لم يتعاط السوريون مع خبر حرائق 14 غابة مؤخراً في غابات صلنفة في اللاذقية وامتدت إلى ريف حماة الغربي، وتحديداً إلى قرى الفريكة والفوقانية وعين بدرية. في سوريا بأي نوع من الاستغراب فهذا الخبر يرد في الإعلام السوري بشكل شبه دوري دون أن يجرى أي تحقيق عملي ونزيه حول سبب ومسبب الحرائق منذ خمسين عاماً والكل يعرف المشتبه بهم، ولا يلاحق المسألة بعد أي حريق، حيث من السهولة معرفة لمن آلت أراضي الغابات التي احترقت منذ عشرات السنوات، وأي المفاحم استفادت من هذه الحرائق  وخاصة في محافظات اللاذقية وحماه وإدلب وطرطوس، حيث تشكل الغابات الطبيعية في هذه المحافظات 73.04% من إجمالي مساحة الغابات الطبيعية في سوريا.

الأرقام الرسمية حسب مديرية الحراج 1993 تشير إلى أن 40 بالمئة من الحرائق  في اللاذقية مجهول و 9 بالمئة مقصود و 11 بالمئة إهمال! أما في طرطوس 53 بالمئة هو حريق مقصود و 44بالمئةمجهول! ورغم ذلك فإنه لا يوجد تحقيق واحد يلاحق هذه الحرائق "غير المقصودة" ولا حتى "المقصودة" منها على الأقل منذ 1993!

عام 2015  كان هناك أكثر من 90 ألف هكتار محترق ، وفي عام 2016 كانت هنالك  9 حرائق وأكبر الحرائق حدث في حماة انتهى باحتراق 650 هكتارا ، وفي عام 2014 تم إحراق 500 هكتار.

عام 2015  كان هناك أكثر من 90 ألف هكتار محترق ، وفي عام 2016 كانت هنالك  9 حرائق وأكبر الحرائق حدث في حماة انتهى باحتراق 650 هكتارا ، وفي عام 2014 تم إحراق 500 هكتار.

حريق 14 غابة الأخير في سبتمبر 2020 كان مشابهاً  للحريق الذي حصل في 3 تشرين الثاني عام 2016، حيث اندلعَ خمسة عشر حريقاً في جبال ريف اللاذقية في وقت واحد، كان أكبرها في محيط قرية إبراهيم، في منطقة جبل الأربعين بالقرداحة (45 كم عن اللاذقية)، وقد أتى لوحده على 100 هكتار من أصل مساحتها الخضراء الإجمالية البالغة 35 ألف هكتار، التهمت النار مئات الهكتارات من اﻷشجار (أكثر من 400 هكتار) حسب تقرير "حرائق الغابات في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2016" الصادر عن مركز البحوث المشتركة للمفوضية الأوروبية الذي يقدر حجم الأراضي المحترقة بنحو 1706 هكتارات.

كذلك حريق الغابات السورية في سبتمبر 2020 يشبه حريقا جرى في تشرين الثاني 2018 قرب قلعة المهالبة، وامتدّ إلى جبل اﻷربعين مع رياح شرقية جافة شديدة زادت من سرعة انتشار النار، إلا أنّ فرق الإطفاء سيطرت عليه قبل أن يصل لمنازل المدنيين بعد أن التهم 15 هكتاراً من اﻷراضي الزراعية المشجرة بالزيتون، وآخر خمس سنوات شهدت القرداحة وحدها نشوب 75 حريقا حراجياً بمساحة إجمالية فوق 40 هكتاراً، ارتفعت نسبة الحرائق المتعمدة من 41 بالمئة إلى 90بالمئة، وما بين 2010-2018 هنالك 2000 حريق مسجل رسمياً بمساحة إجمالية بلغت 103 آلاف هكتار محروق، كان نصيب الساحل منها فوق 800 حريق، وفي طرطوس تم تسجيل (1300) حريق، أبرزها حريق منطقة ضهر العنازة (المشيرفة) التهم مساحة 20 هكتاراً من الصنوبر البروتي، وحريق غابة "مجدلون البستان"  في صافيتا، وفي مناطق السفح الشرقي لجبال الساحل أتى حريق في منطقة مصياف أواخر عام 2017 على بقية غاباتها.

الجدير بالذكر أن افتعال الحرائق المقصودة يقضي على الأغصان الصغيرة ويبقي جذوع الأشجار فيسهل على المتنفذين كثيراً استغلالها عبر المزايدات الرسمية التي تطرحها مديريات الزراعة لاستثمار نواتج اﻷرض المحروقة من اﻷشجار بشكل "رسمي" وبالطبع يكون الفوز بها مضموناً!

يتيح التفحيم والتحطيب والتقطيع الحصول على دخل جيد مقارنة بغيره من الأعمال اﻷخرى المتوفرة زمن الحرب، إذ يصل سعر كيلو حطب التفحيم إلى حوالي 100 ليرة سورية  في حين يصل سعر كيلو الفحم في السوق الساحلية إلى 5000 ل.س بينما في دمشق يتجاوز 6000 ل.س. وبسبب أزمة الوقود فقد ارتفع سعر الحطب من 30 دولارا إلى حوالي 200 دولار للطن الواحد من الفحم.

لم يتم مثلا تحقيق مع مفحمة بيت ياشوط (40 كم من جبلة) التي سبق أن شهدت حريقاً وسط أحراش قرية "بشيلي" أتى على عشرة دونمات من الصنوبر والأرز في تشرين الثاني عام 2018 وعلاقة ميليشيا "صقور الصحراء" التي أسسها أيمن جابر  بتلك المفحمة، أو بقية الميليشيات التي يشار إلى ضلوعها بتلك الحرائق من مثل الغابة القريبة من جبل قرفيص التابعة لنائب رئيس فرع أمني سابق والذي يضع يده على الغابة بشكل كامل، ولم يتم التحقيق لماذا يطالب موظفو الضابطة الحراجية بالانتقال إلى وظيفة أخرى بعدما تكرر تهديدهم بالقتل من قبل مسلحي الميليشيات؟ ولماذا تم تخفيض عدد أبراج مراقبة الضابطة الحراجية من 38 برجاً إلى عشرة فقط لمراقبة 230 ألف هكتار في اللاذقية؟ وكذلك تم تخفيض عدد الأبراج في طرطوس.

وما هو مصير 669 ضبطاً مختلفاً موزعة على قطع أشجار وتفحيم وبيع ونقل ووضع يد في طرطوس وفقاً لمديرية الزراعة ودائرة حراج طرطوس؟ وكيف تكتفي اللاذقية بعشرين ضبطاً فقط بينما معظم الحرائق في غاباتها؟ وكيف تم في تشرين الثاني 2018 الاعتداء بالضرب على دورية مخفر الجنجانية في ريف اللاذقية الشرقي لمصادرة مستودع فحم وحطب بل وصل بهم الأمر لاعتقال مدير الناحية نفسه!؟

أعلن المحتمع الدولي في ناغويا -اليابان عام 2010 التزاماً أمام الأجيال القادمة بالخطة االاستراتيجية للتنوع البيولوجي  2011-Aichi Biodiversity Targets2020، وكذلك 20 هدفا من "أهداف أيشي" للتنوع البيولوجي.  

حيث إنها ضرورية للتنمية المستدامة، وأساس رفاهية الإنسان، ولعل الهدف الخامس من أهداف إيشي مهم للغاية وهو : تخفيض معدل فقدان الغابات، إلى النصف على الأقل، وحيثما يكون ممكنا إلى ما يقرب من الصفر، وكذلك وبنفس الأهمية الهدف السابع 7:  تدار مناطق الحراجة على نحو مستدام لضمان حفظ التنوع البيولوجي، والهدف الخامس عشر 15:  إتمام تعزيز قدرة النظم الإيكولوجية على التحمل ومساهمة التنوع البيولوجي في مخزون الكربون، من خلال الحفظ واالاستعادة لأن خسارة الغابات تعني خسارة مخزون رئيسي عالمي للكربون .

إن هذه الأهداف الثلاثة ينبغي أن تكون حاضرة على أجندة أية حكومة سورية مقبلة، بما فيها النظم البرية ونظم المياه العذبة والنظم البحرية إلى جانب مجموعة من خدمات النظم البيئية، بما في ذلك الغذاء والأخشاب وقانون جودة الهواء والدورات الغذائية وإزالة السموم والاستجمام والخدمات الجمالية لكون الغابات بيئيا رئة سوريا التي تتنفس بها هواءها النقي، فضلاً عن مساهمتها الاقتصادية .

إن التوعية البيئية في سوريا المستقبل ، والتمسك ب"أهداف أيشي" للتنوع البيولوجي، وحماية غاباتنا التي أنهكها إهمال النظام، وحرقها  بطائراته وصواريخه ومدافعه، إضافة لتعمد حرقها من خلال منظومات فساده التي لا يطالها قانون النظام السوري خلال خمسين عاماً، يجب أن تكون واحدة من الأهداف الرئيسية لأية حكومة انتقالية قادمة، لأن الوعي الإيكولوجي ورعاية محمياتنا الطبيعية وغاباتنا التي نتنفس من خلالها سيجعل لسوريا موقعا حيوياً كمساهم عالمي في تعزيز القيم المناخية والبيئية من وجهة نظر اقتصادية وأخلاقية معاً.

 

كلمات مفتاحية