أمهات عين الرمانة والشياح ومراثي الموتوسيكلات والسلاح

2019.11.28 | 20:02 دمشق

26a832d7-bb4d-4ecf-8d3f-522bc69c9855.jpeg
+A
حجم الخط
-A

سيطر مشهد لقاء أمهات الشياح وعين الرمانة على العيون والقلوب، خصوصا أنه جاء بعد يوم من إرسال نصرالله لموتوسيكلاته السود إلى عين الرمانة في مهمة خلق شروط إعادة إنتاج حرب أهلية.

 تحتاج تلك الحرب الأهلية المشتهاة إلى بث فعل الكره في المجال العام وتحويله إلى الصيغة الوحيدة للتخاطب بين اللبنانيين. كل ممارسات الحزب الإلهي في هذه الفترة تكشف عن رغبة عميقة في تجديد الحرب وملامحها، سواء من خلال الدعوات إلى صناعة 7 أيار جديد أو عبر غزوات الموتوسكيلات والاعتداءات العنيفة على الثوار في بيروت، والنبطية، بعلبك وصور.

 الحرب العنيفة التي شنتها الأمهات على نصرالله وزمانه تتمثل في التوكيد الشرس على طاقة الحب والحرص على إظهارها بوصفها الأصل الذي ينظم علاقة اللبنانيين مع بعضهم، وأن الحرب كانت مجرد خلل اعترى هذا الأصل وليس بنية مؤسّسة كما يريد نصرالله.

لم يكن مشهد أمهات الشياح وعين الرمانة مجرد مشهد عاطفي كما

الحب بوصفه نزوعا إلى إقامة التسويات هو روح السياسة وهو فعل تمارسه الأمهات يوميا، وهو تحديدا ما منح مشهد لقاء أمهات الشياح وعين الرمانة ألقه وفرادته

يحلو للكثيرين القول بل كان مشهدا يتجاوز السياسة، في اللحظة نفسها التي يمنح البلاد فيها فرصة لإعادة بنائها انطلاقا من فعل الحب.

يقع الحب في صلب السياسة ولعله الثابت الوحيد فيها، وقد يختلف الكثيرون في تحديد مفهوم عام ونهائي للسياسة، ولكن قد يكون رد بنيتها العميقة إلى السعي إلى إقامة التسويات وتدبير شؤون الواقع محل إجماع.

من هنا فإن الحب بوصفه نزوعا إلى إقامة التسويات هو روح السياسة وهو فعل تمارسه الأمهات يوميا، وهو تحديدا ما منح مشهد لقاء أمهات الشياح وعين الرمانة ألقه وفرادته.

أثبتت الأمهات أن طاقة الحب تنطوي على ما تحتاج إليه البلاد من عقلنة تستطيع إذا ما أتيحت لها الفرصة للظهور إلى واجهة الأحداث تدبيرَ حلول، وتسويةَ نزاعات، ودفن حروب أهلية بشكل فعال وحاسم.

انطلاقا من هذا البعد التأسيسي يمكننا أن نفهم تلك الهجمة الحادة التي يشنها حزب الله منذ فترة على المرأة ككل وعلى الأمهات خصوصا، وذلك لأن المرأة لم تخضع إطلاقا لمفاعيل سطوته ولا قبلت الخضوع لمنطق القوة والتغلب الذي فرض من خلاله منظومة قيمه على البلاد برجالها ونسائها.

يمكن أن نسجل في هذا الصدد ملاحظة بارزة وهي أن الحزب استعمل الإغواء كبديل عن القوة في تعامله مع المرأة اللبنانية عموما والشيعية خصوصا، فكان سحر الشهادة ورفعها إلى مرتبة القداسة وربط التضحية بالأبناء بمنظومة قيمة رمزية عالية معززة اجتماعيا وأيديولوجيا، هو الرافعة التي استند إليها للتفاهم مع المرأة خلال فترة مقاومة إسرائيل.

ولكن تلك التضحية كانت معززة بالإجماع وبالخطاب العام للبلاد في لحظة ما، وقد قبلت المرأة بالخضوع لإغواء فكرة الشهادة والصبر على مرارة فقد الأبناء مقابل خطاب مكانة وتعزية يقدمه لها الجميع.

 وكان هذا الخطاب يشرعن بخبث منطق سلب الحقوق ولكنه كان يخفيه تحته، ولكن ما إن تحولت التضحية القصوى إلى فعل عبثي مع الحرب السورية حتى اضطر حزب الله إلى استعمال خطاب القمع العاري في مواجهة المرأة، وبدأت آلته الإعلامية والإيديولجية تعمل على تعزيز الدور السلبي للمرأة بوصفها معمل إنتاج القتلى والجبهة الخلفية للمقاتلين.

مع الثورة اللبنانية القائمة حاليا والتي تصدرت المرأة واجهتها وجد حزب الله نفسه أمام مأزق جدي لا تنفع معه حملات الإغواء بمكانة أمهات الشهداء، في ظل حرب شرسة يقودها ضد حقوقهن في محاكمه التي تعادي فكرة الأمومة قبل كل شيء، وتعتدي على حياة المرأة وحريتها وحقوقها، ولعل قصص المآسي التي تسببت بها هذه المحاكم قد باتت ذائعة الصيت ويعلمها القاصي والداني.

علامات مأزق حزب الله تتمثل في الوعي النسائي العام لدور المرأة عموما والأم خصوصا؟  ماذا يمكن أن يقول لأم قد تفقد ابنها في غزوة موتوسيكلات سخيفة في لحظة يثور فيها اللبنانيون ضد نظام يصر على الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة، فإذا كانت الشهادة ضد عدو البلاد تمنح مجدا يتيح إنتاج آلية التسامي، فماذا يمكن أن يقال عن موت يدفع نصرالله فتيان الموتوسيكلات إليه في سبيل تمكين سلطة عهد يفقرهم ويستعديهم ويرفع في وجههم، وفي وجه الجميع عناوين الطائفية والاحتقار؟

لهذا العهد الذي يصرّ نصرالله على أن يتقمصه ويحل فيه قالت الأمهات "عين الرمانة الشياح توب الطوايف شلاح".

شكل هذا الهتاف فضيحة لنصرالله وللنظام اللبناني البائس الذي يختفي وراءه وأثبت عجزه التام عن إنتاج السياسة والتسويات، لا بل خروجه على الواقع والزمن، ففي اللحظة التي تغرق فيها البلاد في أزمة خطيرة وحادة تهدد

نجحت الأمهات في تظهير البعد الأعمق للزمن الذي يدفع نصرالله في اتجاهه والمتمثل في رمزية ودلالة غزوات الموتوسيكلات

عموم اللبنانيين، نجده يصر مباشرة أو من خلال حليفه العوني على إقامة فصل حاد وعنيف بين الناس وبين هذا الجمهور، والزجّ به في مهمة انتحارية بائسة.

نجحت الأمهات في تظهير البعد الأعمق للزمن الذي يدفع نصرالله في اتجاهه والمتمثل في رمزية ودلالة غزوات الموتوسيكلات. إنه زمن اليأس المطلق الذي يريدنا أن نكون جنوده، ومن أبرز سمات هذا الزمن الإصرار على الدفاع عن الموت حتى الموت. من هنا يمكن أن نسأل أنه في حال حدثت ردة فعل مسلحة ضد شبان الموتوسيكلات وقضى البعض منهم ماذا ستكون ردة فعل نصرالله؟

الأرجح أنه سيستغل الموضوع ويعمد إلى استعمال سلاحه وصناعة حربه، ولكن في كل الأحوال يبقى السؤال الأهم ألا وهو كيف سينعكس كل هذا الدم المراق على حياة الناس وخبزهم وأمنهم وعيشهم اليومي إزاء أزمة تنذر بالجوع والخراب؟

لا جواب عند نصرالله سوى الدم، ومن هنا نفهم لماذا يخشى الأمهات. السبب الواضح رسمته عناوين لقاء أمهات الشياح وعين الرمانة الذي يعلن بوضوح تام نهاية الحرب الأهلية والدوس على متاريسها. هذا الخطاب وفق منطق نصرالله يعني أن زمنه وزمن سلاحه قد باتا خارج الزمان اللبناني العام، الذي يصنع حاليا في ميادين ثورة تشكل الأمهات قلبها وروحها، معناها ومشهدها.

كلمات مفتاحية