
كشف مدير الزراعة بحلب، فراس سعيد، لموقع تلفزيون سوريا، أن عودة ضخ مياه نهر الفرات في قنوات الري التي تخترق سهول حلب أنقذت القسم الأكبر من محاصيل الفلاحين من الجفاف الذي ضرب المنطقة بسبب انحباس الأمطار، موضحاً أن قرابة 70 ألف هكتار من الأراضي الزراعية سوف تستفيد من مياه الري بعد ترميم القنوات والجسور ومحطات الضخ المتضررة، كما بيّن أن عمليات الترميم التي تهدف إلى إعادة الضخ نُفذت بشكل إسعافي بسبب الجفاف، على أن تستمر أعمال الإصلاح ومراقبة شبكة الري.
وأشار سعيد إلى أن مياه الري تصل إلى الفلاحين بأسعار رمزية جداً، وأن معظم تلك الأراضي في سهول حلب تُزرع بثلاثة محاصيل سنوياً، وهو ما يتيح للفلاح تحقيق أرباح جيدة، الأمر الذي يسهم في إنعاش المنطقة ويسهّل عودة سكانها الذين تهجّروا عنها.
عودة المياه
وكان محافظ حلب، عزام الغريب، قد أجرى خلال الأيام القليلة الماضية جولة تفقدية لعدد من قنوات الري التي أُعيد ترميمها وتأهيلها وتشغيلها في ريفي حلب الشرقي والجنوبي. واطلع الغريب على واقع عمليات تطوير البنية التحتية المائية، وإعادة ضخ المياه، وتوسيع شبكات الري، بما يتيح ري آلاف الهكتارات من الأراضي ويدعم الاستقرار الزراعي والاقتصادي في أرياف حلب.
وسبق جولة المحافظ إعادة تشغيل محطة ضخ البابيري قرب الخفسة، التي تُزوّد مدينة حلب بمياه الشرب، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الحيوية في شمالي سوريا، من بينها المؤسسة العامة لمياه الشرب بحلب، والمحطة الحرارية قرب دير حافر لأغراض التبريد، والمدينة الصناعية لتغذية معامل الشيخ نجار.
وكانت محطات الضخ على نهر الفرات، والقنوات التي تروي السهول الزراعية من مسكنة حتى مشارف مدينة حلب مروراً بريفيها الجنوبي والشرقي، قد تعرضت للدمار والقصف من قبل النظام المخلوع، وخرجت معظمها عن الخدمة خلال عقد ونيف من تبادل السيطرة بين عدة قوى في المنطقة. ومع بداية عام 2025، بدأ العمل على إعادة ترميمها، وكانت الورشات تسابق الزمن قبل انتهاء موسم الري للمحاصيل الشتوية العطشى.
وقال مدير الموارد المائية والاستصلاح الزراعي في حلب، أحمد الأحمد، لموقع تلفزيون سوريا، إن "هناك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية تعتمد على مياه قنوات الري التي تأتي تغذيتها المائية من محطة ضخ البابيري، وتمتد تلك السهول الزراعية في ريفي حلب الشرقي والجنوبي، بالإضافة إلى منطقتي تادف والباب، خصوصاً مع ما تشهده مناطق حلب هذا العام من شح الأمطار والجفاف". وتروي قنوات الري التي تأخذ تغذيتها من محطة البابيري (مشروع غرب مسكنة) نحو 35 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، بمعدل يصل إلى 70 متراً مكعباً.
وأشار الأحمد إلى أن المحطات كانت في وضع سيّئ، فقد تعرضت للسرقة والإهمال في عهد النظام البائد. وقال: "تمت صيانة بعض المضخات بالتنسيق بين هيئة الموارد وبعض المنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، والصليب الأحمر الدولي، والهلال الأحمر السوري، للبدء بضخ المياه وتأمينها لمحافظة حلب وريفها".
القنوات تنعش سهول حلب
يرى مدير الزراعة بحلب، فراس سعيد، أن مشاريع الري في سوريا عموماً، وفي حلب خاصة، تُعتبر بمنزلة الشريان الذي لا غنى عنه بالنسبة للقطاع الزراعي. ويقول: "سوريا بدأت تعاني من قلة الهطولات المطرية ودرجات الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي، وأدى الجفاف الناتج عن ذلك إلى آثار شديدة على الزراعة، وتوفّر المياه الصالحة للشرب، وتناقص الأحواض المائية".
يضيف سعيد: "هناك عاملان يؤثران على حدوث الجفاف، وهما انخفاض الهطولات المطرية وزيادة التبخر، ورغم وجود تغيّر طفيف في كمية الهطولات المطرية وغزارتها، لكن هناك زيادة ملحوظة في ارتفاع درجة الحرارة، ما يزيد من معدل تبخر المياه، ويؤدي إلى جفاف التربة، وانخفاض مستوى المياه الجوفية. وهنا تأتي أهمية قنوات الري من الأنهار الكبيرة كالفرات، فهي لا تروي المحاصيل فقط، بل تنعش المناطق الآهلة بالسكان، وتوفّر مياهاً للشرب، وترفع منسوب المياه الجوفية، وتضفي طابعاً جمالياً على السهول التي تخترقها، وتوفّر فرص عمل إضافية، لأن الري يتيح للفلاح استثمار أرضه أكثر من مرة خلال العام الواحد".
وتُقسّم شبكات الري في سهول حلب، وفق سعيد، إلى عدة مشاريع، وأهمها مشروعان رئيسيان: الأول مشروع مسكنة شرق، والمشروع الثاني يُطلق عليه اسم مسكنة غرب. وتروي شبكات الري في المشروعين حوالي 70 ألف هكتار، وفي كلا المشروعين يتم ضخ المياه وتصل إلى الفلاحين في مناطق مختلفة. قال سعيد: "الدورة الزراعية في المناطق التي تخترقها قنوات الري تُقسّم إلى ثلاثة مواسم خلال العام: الموسم الشتوي، وفيه القمح والشعير وغيرها من المحاصيل الشتوية، وهو من أكثر المواسم تضرّراً بسبب الجفاف. أما الموسم الثاني فتُزرع فيه المحاصيل الصيفية، وهي الخضروات والقطن وغيرها، أما الثالث فمحاصيله تكثيفية، كالذرة والخضار وغيرها".
وأضاف سعيد: "نأمل في السنوات القادمة استكمال مشاريع ري ريف حلب الجنوبي وسهول تادف والباب. ففي ريف حلب الجنوبي، هناك خطة لإيصال المياه إلى حوالي 6 آلاف هكتار. في المرحلة الأولى سوف تستفيد 3 آلاف هكتار، وفي المرحلة الثانية ستُغطّى كامل المساحة. أما مشروع ري سهول الباب وتادف شمال شرقي حلب، فهناك حوالي 7 آلاف هكتار ستصلها المياه خلال خطة التوسعة والترميم القادمة، والمنشأ من الشبكة بحاجة إلى ترميم وتأهيل القنوات والبنية التحتية المتضررة".
يقع مشروع إرواء سهول الباب وتادف على بعد 40 كم شمال شرقي حلب، ويشمل أراضي شاسعة كانت تمثّل نسبة كبيرة من الغطاء النباتي، لكنها تعاني الآن من انخفاض شديد في مستوى المياه الجوفية، ما يجعل المزارعين يواجهون صعوبات كبيرة من جراء توقّف المشروع عن العمل منذ عدة سنوات، بعدما قطع النظام المخلوع المياه عن المنطقة التي كانت في أجزاء واسعة منها تحت سيطرة المعارضة سابقاً، وكانت بحاجة ماسّة لإمدادات مستمرة من المياه لتغطّي احتياجات السكان من مياه الشرب قبل متطلباتها الخاصة بالزراعة.
يقول فراس سعيد، مدير زراعة حلب، إن "مشروع إرواء سهول الباب وتادف هو من المشاريع الهامة التي نعمل عليها حالياً. هناك حاجة ماسّة لتضافر جميع الجهود لإنجاز هذا المشروع الاقتصادي، الذي يعتمد على تقنيات الري الحديثة، ويوفّر حوالي 40% من مياه الري، مما يجعله مشروعاً مؤتمتاً، بالإضافة إلى حماية الأراضي من التملّح، والمساعدة في رفع مستوى المياه الجوفية".
شبكات الري في مواجهة الجفاف
استطلع موقع تلفزيون سوريا آراء عدد من المزارعين في أرياف حلب الجنوبية والشرقية، معظمهم يشتكون من موسم زراعي خاسر نتيجة لقلة الأمطار وتأخر ضخ المياه عبر قنوات الري، إذ إن المحاصيل الشتوية كالقمح والشعير وغيرها لن تنقذها مياه الري، فقد اقترب موعد الحصاد، ومعظم المساحات التي لم تُروَ جفّت محاصيلها أو أطعمها المزارعون لأغنامهم.
يقول محمود عثمان (من ريف السفيرة) لموقع تلفزيون سوريا، إن "تضرر زراعة القمح هذا العام يرجع إلى عدة أسباب، أهمها تأخّر تغذية الأراضي عبر شبكات الري، وعدم كفاية المياه الجوفية للسقاية وكلفتها العالية، وكذلك غلاء المحروقات، واحتباس الأمطار وعدم هطولها في المواعيد المناسبة خلال فترة النمو، مما أدّى إلى عدم نمو القمح بشكل جيد، وعدم وصوله إلى مرحلة تشكّل السنابل وامتلاء الحبة".
ويؤكد عثمان أن "المحاصيل التي سوف تستفيد بعد عودة ضخ المياه هي المحاصيل الصيفية، وبالأخص البندورة والخيار وغيرها من الخضار التي تشتهر بها سهول السفيرة. أما الشتوية، فيمكن القول إن الموسم خسره المزارعون بنسبة تتجاوز 70 في المئة، ولم تعد تنفع السقاية الآن قبيل الموعد المعتاد للحصاد". وأوضح عثمان أن "المزارعين يطمحون لتعويض ما خسروه في الموسم الشتوي من خلال تكثيف زراعة أراضيهم بالمحاصيل الصيفية، ويأملون بأن توفّر الحكومة إمدادات جيدة من البذور والأسمدة، وتوفّر المحروقات بأسعار رخيصة، لدفع عجلة الإنتاج في القطاع الزراعي الذي يُعتبر النشاط الاقتصادي الأبرز ومصدر المعيشة الوحيد لمعظم سكان مناطق ريف حلب".
دعم الاقتصاد الريفي
قال الباحث الاقتصادي فراس شعبو لموقع تلفزيون سوريا إن "سوريا دولة غنية بالموارد الزراعية، ويتميّز القطاع في سوريا بتنوعه، حيث يتم زراعة مختلف المحاصيل، بما في ذلك القمح والشعير والقطن والزيتون. كما يتمتع القطاع الزراعي بالموارد المائية اللازمة، حيث يبلغ طول نهر الفرات نحو 675 كيلومتراً في سوريا، ويمكن التوسّع في شبكات الري لمضاعفة المساحات المروية وتطوير الإنتاج الزراعي في المناطق التي تخترقها الأنهار".
يضيف شعبو أن "إنعاش القطاع الزراعي ليس خياراً، بل هو طوق نجاة، بحيث يحقّق للسوريين الأمن الغذائي، ويخفف من تكاليف الإنتاج، ويدعم أسعار السلع الغذائية في الداخل، ويخفض من حجم المستوردات". ويرى شعبو أن "دعم القطاع بشبكات الري يُطوّر القطاع، ويُشجّع شريحة واسعة على الاستثمار في الزراعة، وبدلاً من هجرة الأرياف إلى المدن، قد نرى هجرة عكسية باتجاه الأرياف التي من المفترض أن تنعم بالتنمية".
ويؤكد شعبو أن "على الدولة الجديدة تأمين ضخ كميات أكبر من المياه القادمة من تركيا عبر الأنهار، وفتح باب الحوار لتحقيق هذا الهدف، كذلك طرح مشاريع استثمارية في القطاع الزراعي للاستثمار الخاص، لأن توسعة شبكات الري مكلفة، والدولة اليوم غير قادرة على تحمّل هذه التكاليف، بالإضافة إلى تطوير القطاع وإدخال تقنيات الري الحديث التي توفّر المياه وتُعطي إنتاجية أكبر".
خلال سنوات الحرب التي شنّها النظام المخلوع ضد الشعب السوري ومقدّراته وبُناه التحتية، والتي أسهمت في تراجع حاد للاقتصاد، يبرز قطاع الزراعة كرافعة محتملة تدعم اقتصاد البلد المنهك، وتُعيده إلى عهد الاكتفاء الذاتي والتصدير. وكان قطاع الزراعة يُسهم بنحو 25% من الاقتصاد السوري قبيل انطلاق الثورة السورية، وبعد أن كانت البلاد مكتفيةً ذاتياً، وكان قطاع الزراعة أحد أهم محرّكات الاقتصاد الوطني، تعاني سوريا اليوم تراجعاً حاداً في هذا القطاع، انخفض على إثره الإنتاج الزراعي بنسبة تزيد على 50%، نتيجة لتدمير البُنى التحتية، وتحوّل معظم الأراضي إلى مساحات خطرة، وتضرّرت الآبار الارتوازية وبساتين الأشجار المثمرة، ودُمّرت الجسور وقنوات الري في معظم المناطق، وغيرها من البُنى التحتية للقطاع.