icon
التغطية الحية

ألم مضاعف وحقوق ضائعة.. ضحايا العمال السوريين في تركيا

2021.01.15 | 09:32 دمشق

atfal-swrya-856x523-1.jpg
طفل سوري يعمل في ورشة للخياطة بتركيا (إنترنت)
إسطنبول- أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

منذ مطلع العام الحالي، الذي مرّ عليه أسبوعان من الزمن، فقد عاملان سوريان حياتهما، أثناء مزاولتهما العمل في ولايتين تركيتين، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام التركية وصفحات الناشطين السوريين.

ففي الـ10 من شهر كانون الثاني الجاري، فقد "أحمد حمادة" (41 عاماً) حياته بعد سقوطه من على سطح (صقالة) كانت تحمله عند الطابق الخامس في بناء قيد الإنشاء، وذلك أثناء عمله بالإنشاءات في منطقة غازي عثمان باشا بمدينة إسطنبول.

اقرأ ايضاً: تبعات أزمة كورونا الاقتصادية تنهك السوريين في تركيا

وقبل يوم واحد فقط، نشرت وسائل إعلام تركية خبر وفاة الشاب السوري "عبد الرحمن الأحمد" (25 عامًا) أثناء عمله في ورشة لنشر الأخشاب بولاية "مانيسا" غربي تركيا.

 

 

وفقد الأحمد حياته أثناء عمله على آلة لتقطيع جذوع الأشجار، حيث كان يسحب جذعاً على ظهره ليضعه على الآلة، إلا أنه تعرض للانزلاق والسقوط على منشار القصّ نتيجة فقدانه توازنه، ما أسفر عن إصابات بليغة في رقبته ومناطق أخرى من جسده حالت دون تمكن فرق الإسعاف من إنقاذه.

اقرأ أيضاً: السوريون في تركيا.. أكثر من مجرد لاجئين!

ولا نعلم إن كانت حوادث وفيات السوريين أثناء العمل، تقتصر فقط على الحادثتين السالفتين، وقد ساهم الإعلام بالكشف عنهما ومعرفة تفاصيلهما، أم أن ثمة حوادث أخرى بقيت بعيدة عن الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي وخارج الاهتمام والإحصاء.

كما لا تقتصر الحوادث على المتسببة بالوفاة فحسب، فهناك الكثير من السوريين الذين تعرضوا لإصابات بالغة أثناء تأديتهم للعمل، أدّت في بعض الأحيان إلى إعاقات وتشوهات دائمة، حالت دون تمكّنهم من العودة للعمل مجدداً.

وفي كلتا الحالتين، هل يتمكن ضحايا العمل السوريون وعائلاتهم من تحصيل حقوقهم؟

اقرأ أيضاً: تركيا: في حادثين منفصلين.. عاملان سوريان يفقدان حياتهما في العمل

لقمة العيش فوق القانون

يعمل غالبية اللاجئين السوريين في تركيا، ولا سيما من فئة الشباب، في الإنشاءات وورشات البناء ومختلف المصانع والمعامل، بالإضافة إلى الأعمال الزراعية؛ للتمكّن من سداد آجار المنزل بالدرجة الأولى ولسدّ بقية حاجاتهم اليومية من مأكل وملبس، مقابل أي أجر مالي يُمنح لهم.

"الحصول على العمل هو الغاية الرئيسة، بصرف النظر عن الأجر وعن احتمالية التأخّر في دفعه أو الخصم منه" يقول عبد الله (26 عاماً) الذي يعمل في ورشة لطلي المعادن في منطقة "إيكي تلة الصناعية" بإسطنبول في حديثه لموقع تلفزيون سوريا.

ويضيف أن أجره وصل اليوم إلى 2200 ليرة تركية بعد أن ارتفع 3 مرات خلال السنوات الأربع التي عمل بها داخل الورشة، مشيراً إلى أن أجره عند بداية عمله كان 1300 ليرة تركية فقط. (الحد الأدنى للأجور في تركيا لعام 2021 بلغ 2825 ليرة).

يعمل مع عبد الله 3 عمال سوريين أيضاً "بعد أن كنا 6 عمال، ولكن اثنين اضطرا لمغادرة إسطنبول خلال حملة التفتيش عن بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) الخاصة بولاية إسطنبول".

وبالرغم من تشديد الحكومة التركية على أرباب العمل لتسجيل العمال رسمياً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل واستخراج أذونات العمل؛ إلا أن صاحب الورشة "أخبرنا بعدم تمكّنه من تحمل نفقات استخراج أذونات العمل ودفع الرسوم الشهرية (نحو 850 ليرة لكل عامل)".

اقرأ ايضاً: وزير الداخلية التركي يعزي عائلة الشاب السوري "أيمن حمامي"

 وتابع عبد الله: "صاحب الورشة ألمح لنا أنه في حال اضطر لاستخراج إذن العمل فسيقوم بتشغيل عمال أتراك بدلاً منّا، وخيّرنا في حال رغبتنا باستخراجه، أن يتم خصم الرسوم الشهرية من مرتباتنا، وبالتأكيد رفضنا ذلك، رغم قناعتنا بأنه لن يستطيع الاستعاضة عنا بأتراك كونه سيضطر أيضاً لدفع مرتبات أعلى من مرتباتنا، بالإضافة إلى رفض الكثير من الأتراك العمل أصلاً في هذه المصانع".  

حالة عبد الله تنطبق تماماً على بقية السوريين العاملين في مختلف مجالات العمل الأخرى، ولا تقتصر فقط على المملوكة من قبل أتراك بل نجدها لدى الشركات والورشات المملوكة من قبل سوريين أيضاً.

المطالبة بالتعويض حق يكفله القانون

نتيجة لعدم تسجيل العامل السوري ضمن قوائم وزارة العمل وافتقاره للإذن الرسمي، للأسباب التي تحدّث عنها عبد الله، ولأسباب كثيرة أخرى، منها ما يتعلق بعدم امتلاك بعض العاملين لبطاقة الكيملك في الأساس؛ كل ذلك ضاعف من مخاوف العامل الذي يعتبر نفسه مُخالفاً للقانون، ما يمنعه من المطالبة بأدنى حق من حقوقه في حال تعرضه لإصابة ما خلال العمل، ويثير قلق عائلته أيضاً في حال مطالبتها بتعويض مادي إذا ما أدّت تلك الإصابة لوفاته.

من جانبه، يؤكد رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، المحامي غزوان قرنفل، على أحقية العامل وذويه بالمطالبة بالتعويض بصرف النظر عن توفّر شروط التسجيل ضمن الوزارة أو حالة الحماية المؤقتة والكيملك.

وأوضح المحامي قرنفل في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن من حق العامل المطالبة بتعويض الإصابة والضرر أثناء العمل، في حال كان مخالفاً، وأن يقيم دعوة قانونية "بحيث يدفع قيمة مخالفته شروط العمل بحسب ما حددته وزارة العمل، وبالمقابل يدفع رب العمل مخالفة كبيرة أيضاً نظراً لعدم استخراج إذن عمل رسمي للعامل الذي تعرّض للإصابة في ورشته".

ويضيف قرنفل أن من حق عائلة المتوفى أثناء عمله، بالمطالبة بالتعويض أيضاً، و"هذا حق يكفله القانون المدني التركي، والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على رب العمل الذي أقدم على تشغيله بصورة مخالفة للقانون" مشدداً على أن غياب إذن العمل لا يحول دون المطالبة بالتعويض أمام القضاء.

المسار القانوني في تجربة عائلة العامل "سمير موصللي"

في الـ 26 من شهر كانون الأول الماضي، تناقلت الصفحات المهتمة بالشأن السوري في تركيا، على مواقع التواصل الاجتماعي، نبأ وفاة الشاب "سمير موصللي" (21 عاماً)، بعد تعرّضه لصعقة كهربائية أثناء عمله على آلة للعجين في فرن يقع بحي "أفجلار" داخل مدينة إسطنبول.

وبحسب شقيقه "أيمن موصللي"، لم يحصل سمير على بطاقة الحماية المؤقتة/ الكيملك، وكان يعمل في الفرن لنحو 12 ساعة (من الساعة الثانية ليلاً حتى الثانية بعد الظهر).

وخلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، قال أيمن إن "صاحب الفرن حاول التهرّب من المسؤولية وأنكر أن يكون سمير قد توفي بصعقة الكهرباء أثناء العمل زاعماً أن الوفاة حصلت بسبب أزمة قلبية".

 

133594133_2830509003940445_1771453302632599046_o.jpg
الشاب سمير موصلي (فيس بوك)

 

وأضاف شقيق الضحية: "أمام شهادة زملائه في العمل والتسجيلات المصورة لكاميرا الفرن، بالإضافة إلى تقرير الطبيب الشرعي، لم يتمكن رب العمل من التمسّك بأقواله المنافية للحقيقة، وراح يدّعي أنه نبّه سمير بعدم العمل على الآلة لوجود عطل فيها".

وأوضح أيمن أنه يتابع الإجراءات القانونية "بالتعاون مع حقوقيين ومنظمات تعنى بحقوق الإنسان أخذوا على عاتقهم متابعة القضية بعد أن رفعنا دعوى قضائية ضد صاحب العمل في المحكمة".

يلفت أيمن إلى أن القضية ستأخذ وقتاً قبل الوصول لنتيجة "ومهما بلغ التعويض فإنه لن يعوّضنا عن شقيقي، ولكن على الأقل يجب أن يتحمّل صاحب العمل المسؤولية تجاه بقية العمال السوريين والأفغان الذين يعملون عنده الآن بدون إذن عمل".

ضحايا العمل من السوريين.. إحصاءات وأرقام

بحسب تقرير نشره مجلس الصحة والسلامة المهنية في تركيا (İSİG) حمل عنوان "حوادث القتل المهني لعام 2020"، فقد ما لا يقل عن ألفين و427 عاملاً حياتهم أثناء العمل خلال العام الماضي بتركيا، من بينهم 48 سوريًا فقدوا حياتهم نتيجة تعرضهم لإصابات خلال العمل، وهو العدد الأكبر من بين اللاجئين من دول أخرى.

وفي عام 2019، شكلت حوادث العمل التي أصابت سوريين، أعلى نسبة أيضاً من بين إجمالي حوادث العمل بين اللاجئين، حيث توفي 40 عاملاً سورياً شكلوا ما نسبته 37% من إجمالي الوفيات بسبب حوادث العمل بين اللاجئين بتركيا، بحسب "مجلس الصحة والسلامة المهنية التركية".

وأكد المجلس، أن نسبة العمال اللاجئين الذين لقوا حتفهم أثناء العمل مقارنة بإجمالي وفيات حوادث العمل في تركيا بلغت 6%، داعياً إلى تصحيح أوضاع العمال ومنحهم حقوقهم عبر تسهيل استصدار أذونات عمل لهم.

وبحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن دائرة الهجرة التركية، بلغ عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، 3.627.481 لاجئاً سورياً، 59.785 منهم يقيمون في المخيمات. ويقدّر عدد العاملين السوريين في مختلف المجالات بنحو مليون عامل، لا تتجاوز نسبة الحاصلين على إذن العمل منهم الـ10%.