althania

ألغام في طريق الحوار الوطني

2024.12.26 | 06:28 دمشق

آخر تحديث: 26.12.2024 | 06:28 دمشق

دمشق
+A
حجم الخط
-A

بعيد الإعلان عن تشكيلها حكومة تسيير الأعمال، تصاعدت الضغوط على الإدارة الجديدة في سوريا من أجل الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني شامل، يضع الأساس لعملية الانتقال السياسي في البلاد بعد انتهاء حكم آل الأسد، وذلك في إطار مخاوف محلية وخارجية من استئثار "هيئة تحرير الشام" بالسلطة، في ضوء اعتماد الهيئة شبه الكلي على كوادرها في إدلب في تشكيل الحكومة الحالية، وإدارة المرافق المختلفة.

وتركت الاستجابة السريعة من الإدارة الجديدة لهذا المطلب، ارتياحاً عاماً، بوصف ذلك دليل على عدم رغبتها بالاستئثار بالسلطة، وأنها ستتولى فقط إدارة الفترة الانتقالية القصيرة لمدة ثلاثة أشهر، بغية إنجاز بعض المهام المستعجلة، وتتعاون مع الجميع، بعد ذلك لبناء سوريا المستقبل.

ولعل من أولى مهام الحكومة الحالية التخلص من بعض تركة حكومة النظام السابق، وخاصة عناصر الجيش والأمن، الذين قد يشكل تحالف الموالين منهم للنظام خطورة على الحكومة والبلاد، عبر عمليات التسويات التي تجريها لهم، إضافة الى ضبط الأمن ومحاولة تأمين الحد الأدنى من الخدمات والمستلزمات المعيشية.

غير أن الضغوط التي تتعرض لها الإدارة في دمشق لعقد هذا المؤتمر بغية تقديم تطمينات للقوى المتخوفة من الاستئثار، سواء كانت مخاوف حقيقية أم مصطنعة، لا ينبغي أن تكون سببا في عقد مؤتمر مستعجل وغير مستوف لشروط النجاح

غير أن الضغوط التي تتعرض لها الإدارة في دمشق لعقد هذا المؤتمر بغية تقديم تطمينات للقوى المتخوفة من الاستئثار، سواء كانت مخاوف حقيقية أم مصطنعة، لا ينبغي أن تكون سببا في عقد مؤتمر مستعجل وغير مستوف لشروط النجاح، إذ تشير تجارب الماضي، وتجارب شعوب أخرى، إلى أن الاستعجال في مثل هذه الحالة، قد تكون له عواقب سلبية كثيرة، وقد لا تصل إلى المؤتمر القوى والشخصيات الجديرة بالوصول، فضلاً عن إمكانية إدراج قضايا أقل أهمية في جدول أعمال المؤتمر، على حساب القضايا الحقيقية، تحت ضغط بعض الأصوات التي تستقوي بالشارع أو بالطائفية أو قوى خارجية، أو ما تثيره من ضجيج عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأول هذه الألغام التي أثيرت كانت بشأن تشكيل اللجنة التحضيرية التي ستتولى الإعداد للمؤتمر من يشكلها؟ ومن هم أعضاؤها؟ وهل هي من سيتولى توجيه الدعوات لحضور المؤتمر؟ وما المعايير التي ستعتمد عند توجيه هذه الدعوات؟  وهل سيتم الرضوخ لبعض الضغوط الدولية والداخلية لدعوة ممثلين مقربين من النظام المخلوع بحجة التوازن الطائفي، أو شخصيات معروفة بتطرفها، وتفجيرها لأي حوار أو مؤتمر تحضره، أو شخصيات كان لها حضور في السنوات الماضية، عسكري أو سياسي، لكن ثبت عدم جدارتها، ولا تحظى باحترام في الشارع السوري؟

ولم تحدد الإدارة الجديدة القوى السياسية والمدنية التي سيتم التعامل معها، ولم تتضح تالياً الصورة بشأن كيفية اختيار أعضاء مؤتمر الحوار الوطني ومدى تمثيله لكل السوريين.

وفي حين تطالب قوات "قسد" في شرقي سوريا بأن توجه لها الدعوة كممثل عن الكرد، سارع المجلس الوطني الكردي إلى إرسال وفد إلى الحسكة للتفاوض مع "قسد" من أجل تشكيل وفد موحد للأكراد للتفاوض مع الإدارة في دمشق، وتالياً اختيار مندوبين عن الأكراد، يمثلون كل الطيف السياسي الكردي.

ومثل هذا الأمر يقال عن "الائتلاف الوطني" الذي مثّل الجسم السياسي للمعارضة في المرحلة السابقة، ومعه "هيئة التفاوض"، والذي يريد تمثيلاً قائماً على أساس "سياسي"، وليس فقط القوميات والأديان والعشائر، رافضاً ما صدر عن الإدارة الجديدة بأن الدعوة ستوجه لأعضاء الائتلاف كأفراد، وليس كمجموعة سياسية.

أما الأفراد أنفسهم، وقوى "المجتمع المدني" فهم طيف واسع ومتنوع، ولا يمكن إرضاء  الجميع، مهما بذلت جهود في هذا الإطار.

ومن مهام اللجنة التحضيرية للمؤتمر تحديد طبيعة العملية التي ستؤدي إلى انتخاب اللجنة التأسيسية أو "هيئة الحكم الانتقالي" أو أية تسمية أخرى، تمثل كل فئات الشعب السوري السياسية والطائفية والعرقية والجغرافية، تواكب الحكومة المؤقتة التي ستشكل بعد مطلع مارس آذار المقبل، والتي ستكون حكومة كفاءات، وليس حكومة ولاءات، للعمل على وضع مسودة للدستور الجديد ليتم طرحه للاستفتاء، ومن ثم إجراء انتخابات على أساس هذا الدستور، بما يفضي في النهاية للوصول إلى حكومة دائمة ورئيس للبلاد، إلى جانب برلمان وطني، ومجالس إدارة محلية منتخبة، وفق الصلاحيات التي سيحددها لها الدستور، إذ يطالب بعضهم بتوسيع صلاحيات تلك المجالس، خاصة في بعض المناطق، بما يصل إلى مستوى مرتفع من اللامركزية في الإدارة.

وبطبيعة الحال، سوف تتضح في هذه المرحلة هوية الدولة، وتعريفها لنفسها، كدولة ومدنية أو علمانية أو دينية، أو مختلطة بين كل ذلك، وربما يكون النموذج التركي ملهماً هنا لكثير من الأطراف.

والى جانب هذا السيناريو، تضغط قوى دولية وإقليمية لاعتماد القرار 2254 كخارطة طريق للمرحلة الانتقالية، برغم انزياح أحد طرفي الحل، وهو النظام السابق، على أساس أن تحل القوى الأخرى غير الموجودة في السلطة حاليا مكان النظام، ويتلاقى مع هذا الطرح "الائتلاف" الذي يريد أن يضمن له مكاناً في المرحلة المقبلة.

وبطبيعة الحال، فإن الانسياق في هذا السيناريو، سيجعل المرحلة الانتقالية تحت "وصاية دولية"، وهو ما قد يزيد من الإرباك فيها، بسبب تضارب مصالح القوى المتدخلة في الشأن السوري، ومحاولة بعض الأطراف المحلية الاستقواء بقوى خارجية. ومن هنا، ينبغي التمسك بعملية انتقال سورية محضة، من دون تدخلات خارجية، إلا في إطار التيسير والنصح وتقديم الخبرات التقنية، مع إمكانية وجود "مراقبين دوليين" في هذه المرحلة بغية تقديم أقصى ما يمكن من حيادية وشفافية للشعب السوري والمجتمع الدولي الذي يراقب ما يحدث في سوريا عن كثب، وهو ما يساعد على الانفتاح الدولي على سوريا، ورفع العقوبات.

 

 

كلمات مفتاحية