أعراف المافيا تحت الأضواء

2022.03.10 | 05:22 دمشق

xfhie6euurpv5jocwyfawoutkq.jpg
+A
حجم الخط
-A

يشعر متابع مجريات الحرب الروسية على أوكرانيا بغرابة شديدة إزاء إصرار الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لافروف والناطقة زاخاروفا ووزير الدفاع شويغو وغيرهم، ممن تحولوا لجوقة متراصة، على تسمية ما تفعله قواته هناك بعملية عسكرية خاصة، ورفض التسميات الأخرى كالحرب أو الغزو وغير ذلك! الأمر الذي ترجم فعلياً بتحذير شديد للصحفيين وللوسائل الإعلامية من استخدام هذه التعابير، تحت طائلة الحظر والإيقاف!

فإذا كان كل هذا الدمار والإجرام، وكل تلك الخسائر الكبيرة من جهة الغزاة الروس، ومن جهة الضحايا الأوكرانيين هو مجرد عملية عسكرية خاصة، كيف سيكون شكل الحرب لدى هذه الحفنة من المجرمين إذاً؟

استغرابنا بوصفنا متابعين للحدث، يمكن التأمل في مفرداته الفانتازية، التي ما برحت تتكرر على ألسنة الجوقة وصاحبها، الذي زور المعطيات حيال تاريخ كييف، بكل صفاقة، دون أن يرف له جفن، بالطريقة ذاتها، التي اعتمدها في نفي رغبته بالقيام بالهجوم على أوكرانيا، في كل الاتصالات التي جرت قبيل ذلك.

ففي العرف المافيوي، لا يشكل الكذب ثم الكذب، ومن بعد ذلك الكذب مجدداً، مشكلة أبداً، لا على مستوى صورة قيادة دولة عظمى، ولا على مستوى العلاقات بين الدب الروسي وبين الآخرين، فالغرب بالنسبة لبوتين هو "إمبراطورية الأكاذيب"!

وعلى الإيقاع ذاته، ستقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، بعد شروع بلدها بالاعتداء على جارتها: " نأسف لإعلان كييف قطع العلاقات مع موسكو"، ولا ندري إن كانت تنتظر إعلاناً أوكرانيا بالرغبة بتعزيز العلاقات!!

في العرف المافيوي، لا يشكل الكذب ثم الكذب، ومن بعد ذلك الكذب مجدداً، مشكلة أبداً، لا على مستوى صورة قيادة دولة عظمى، ولا على مستوى العلاقات بين الدب الروسي وبين الآخرين

تشبه هذه المرأة في جوهر تفكيرها ونمط سلوكها مستشارتي بشار الأسد المتنافستين لونا الشبل وبثينة شعبان، بكل وقاحة تاريخهما، وقذارة ما فعلتاه طوال العقد الماضي. ولهذا لن يكون صادماً أن ترى هي في إغلاق الدولة الغربية لمكاتب قناة روسيا اليوم اعتداءً على حقوق الإنسان وحرية التعبير، وأن تؤكد حق بلادها في الرد على خطوات الغرب تجاه وسائل الإعلام، في أثناء قيام حكومتها بحجب موقعي فيس بوك وتويتر عن مواطنيها! بينما كان الصحفيون الروس، الذين يعرفون حجم إرهاب السلطة المافيوية، ضد الإعلام والعاملين فيه، يحزمون حقائب صغيرة، يهربون بها إلى إسطنبول، خوفاً من القبض عليهم، تحت وطأة قانون مفصل على المقاس، أعده مجلس الدوما ثم أقره، حمل اسم "تجريم التضليل الإعلامي" بشأن القوات المسلحة الروسية!

ومن فانتازيات الجوقة أيضاً، سلسلة طويلة من تصريحات لافروف، يضيق المجال هنا لذكرها كلها، لكن إيراد بعضها قد يفي بالغرض، كقوله التوضيحي حيال شروط الطغمة التي ينتمي إليها لإيقاف هجمتها: "نشترط أن نرى رغبة أوكرانية حقيقية في وقف الحرب"!

فعلياً، يُشعرك أفراد الجوقة "البوتينية" بأنهم ضحايا، وأنهم يتوسلون من الأوكرانيين التسامح والعطف، وأنهم يبذلون جهداً من أجل إنهاء الحرب، ولكن الطرف الآخر يتصرف بنزق ورعونة، وهنا سنلحظ الرجاء في تصريح لرئيس الوفد الروسي المفاوض يقول فيه: "توقعاتنا من مفاوضات اليوم خابت ولكننا سنواصل التفاوض"!

السوريون الثائرون على النظام، لم يستغربوا الأفعال الروسية ولا الأقوال أيضاً، خاصة وأن السلسلة الطويلة من الجرائم التي ارتكبت هذه الدولة على الأرض السورية، كانت تترافق دائماً مع الكذب والصفاقة والانحياز للقتلة.

السوريون الثائرون على النظام، لم يستغربوا الأفعال الروسية ولا الأقوال أيضاً، خاصة وأن السلسلة الطويلة من الجرائم التي ارتكبت هذه الدولة على الأرض السورية، كانت تترافق دائماً مع الكذب والصفاقة والانحياز للقتلة.

لكن الاكتشافات العبقرية تأتي هذه الأيام من مقلب القمامة الرسمية، حيث خرجت جوقة الأسد، كي تدلي بدلوها في الحوار التبادلي، بينها وبين مثيلتها في موسكو، حيث أمسكت المستشارة الشبل من هناك، بزمام الحديث، لتضخ في البروباغندا قليلاً من الضحك، عبر الادعاء أن "روسيا لم تترك أي وسيلة لتجنب ما حصل في أوكرانيا إلا وحاولت القيام به"، وأن نظامها سيدعم حليفته، كما دعمته هي من قبل!

لكن دور البطولة في هذا الوقت، مُنح عملياً لبشار الجعفري، الذي برز في هذه الآونة، وهو يوزع تصريحاته عبر الوكالات الممانعة والقنوات التلفزيونية "الصديقة"، حيث قال لوسائل إعلام صينية إن "البروباغندا الغربية ضد روسيا مطابقة لما فعلته بحق سوريا وشعبها"! وقبل ذلك، قدم لهواة صنف الكوميديا السمجة تصريحاً "عبقرياً" استعاد فيه ما أتقن فعله، حين كان مندوباً للنظام في الأمم المتحدة، قال فيه: "الإرهابيون في سوريا والنازيون الجدد في أوكرانيا يعملون بإمرة مشغل واحد"!

أما واسطة العقد، في هذا العرض الغرائبي، فقد جاءت من فم وزارة الدفاع الروسية، التي تعلمت كثيرا في سوريا، فبعد ادعائها بأن "المشاهد المفبركة التي تعدها الاستخبارات الأوكرانية مستوحاة مما فعلته منظمة الخوذ البيضاء"، عادت للعزف مع وزارة الخارجية على النغمة ذاتها، التي شنفت بها آذان الجمهور، حيث كانت تدعي وما زالت، كل حين وآخر بأن "جبهة النصرة تستعد لتنفيذ استفزازات باستخدام أسلحة كيميائية بريف إدلب الجنوبي لاتهام الجيش العربي السوري"! وعلى المنوال ذاته، ستدعي هذه الوزارة بأن "كييف تخطط لضرب مفاعل نووي واتهامنا بقصفه"!

هنا، أليس من الملفت للانتباه حرص روسيا، على أن تبقى صفحة جيشها، كما صفحة جيش النظام بيضاء، خالية من الاتهامات، أليس هذا فحوى قول العرب "يكاد المريب يقول خذوني"؟!

الإصرار على تسمية تقزم الجريمة في السجلات، والسعي إلى تنظيف ساحة الجريمة، يشبه أحداث فيلم تجاري، يقوم فيه رجال العصابات بإبادة أعدائهم بوحشية، ثم يمسحون أيديهم وأسلحتهم من الدماء، قبل أن يغادروا المكان تحت مرأى شهود لا مبالين، تاركين للمحامين المرتزقة مهمة ترتيب أدلة البراءة، والادعاء على الصحافة الحرة بتهمة تخريب التحقيق!