أعد لي وطني حتى أنتخبك

2021.02.22 | 00:03 دمشق

111721212_2730248423964628_3677092219122356827_o.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يختلف اثنان أنه لم يكن هناك انتخابات رئاسية ذات مصداقية أو قيمة حقيقية في سوريا لعقود من الزمن، وخاصة في الحقبة الأسدية. كان "الاستفتاء" على الرئيس- بما يُسبَغُ عليه من صفات شبه إلهية- هو سيد الموقف والموضة الدارجة؛ فهو "المُلهم، البطل، القائد، الواهب، المانع، المعلّم، المقاوم، المؤمن، الحامي، الطاهر، المنزه، المربي، الحكيم، الرحيم، الشجاع، الاستراتيجي، صاحب العطاءات والمكرمات.....

مؤخراً تدخل مفردة "انتخابات" رسمياً إلى سوريا عبر القرارات الدولية؛ إلا أنه عام 2014، جرت "انتخابات" رئاسية في سوريا؛ وكان فيها مرشحان آخران للرئاسة. أحدهم- نسيت اسمه "لأهميته"- هو ذاته، صوّت "للسيد الرئيس" في تلك الانتخابات؛ ومع ذلك حَصَلَ على نحو عشرة في المئة من الأصوات، بفعل مخابراتي.

أحد القضايا التي تشغل السوريين، وكثيراً من الجهات المتدخلة بشؤونهم هذه الأيام، هي "الانتخابات الرئاسية. هاجس الجهات هذه أن تحافظ على مصالحها؛ ومِن حقّها فعلُ ذلك؛ ولكن إذا فكّرت هذه الجهات حقيقة بقليل من الأخلاق أو الإنسانية أو حتى العقلانية، لما قبلت، بأي شكل من الأشكال، ترشيح من تسبب بإيصال سوريا إلى ما وصلت إليه. فهي تعرف ضمنياً، أكثر مِن غيرها، أن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع عليه، بحكم كونه رئيساً للبلاد. أما السوريون الراغبون بهذا الترشيح، أو الرافضون له، فما الذي يحركهم سلباً أو إيجاباً؛ وخاصة المتحمسين باتجاه مَن سيفعل بسوريا الشيء ذاته، إذا ما تم إعادة تكراره؟

إن كان هناك مِن مؤامرة فهي على شعب أراد أن يتحرر من ربقة أداتهم الاستبدادية في دمشق، فساهمت تلك القوى والدول معه بتدمير سوريا وشعبها

يأتي على رأس سرديات هؤلاء أن "الرئيس" الحالي هو مَن يحافظ على "وحدة سوريا وسيادتها"؛ إلا أنهم ينسون أو يتناسون أن سوريا بتاريخها الحديث لم تكن مستباحة، ومبعثرة، وفاقدة للسيادة- دولةً وشعباً- كماهي الآن؛ فهي قطعة في الشمال الشرقي، وأخرى في الشمال الغربي، وثالثة في ما تبقّى من سوريا؛ وداخل كالقطعة صراعات على النفوذ؛ وفي كل واحدة لا سيادة للدولة السورية أو لشعبها أو رئيسها، الذي لا سيادة له حتى على مصيره الشخصي. /دعك من الترشُّح للرئاسة/؛ فهل يجرؤ مثلاً أن يصرّ على القيام بأي أمر "سيادي" دون موافقة روسيا أو إيران؟! فأي سيادة هذه التي يتحدثون عنها!

يرى هؤلاء أن بشار الأسد يتصدى لما يسمونه "مؤامرةً كونيةً" غافلين عن أن دول الكون استنفرت للإبقاء على منظومته الاستبدادية من خلال تدويل القضية السورية. فإن كان هناك مِن مؤامرة فهي على شعب أراد أن يتحرر من ربقة أداتهم الاستبدادية في دمشق، فساهمت تلك القوى والدول معه بتدمير سوريا وشعبها.

يتحدثون عن "مقاومته للإرهاب"، ولكنهم ينسون أوامره التي أطلقت أشباح الإرهاب من سجن صيدنايا، ليكونوا قادة (داعش)، والذين تم استخدامهم يوماً في العراق. "الإرهاب" بنظر رئيسهم هو إرهاب إخوتهم في الوطن، وليس تلك الحالة المغناطيسية التي جلبت عصابات الإرهاب من مختلف دول العالم. السوريون ليسوا إرهابيين إلا أنه لم يكن من مخرج لمنظومة الاستبداد، التي تحكمهم، كي تبرر جرائمها بحق الشعب السوري، إلا أن تتهمه بالإرهاب. وهذا لا ولن يُغفَر؛ وهو مهين جداً حتى لأولئك الذين يتبنون سردية الإرهاب على طريقة الاستبداد الحاكم.

يكفي المتحمسون لإعادة تكرير الاستبداد، التفكير بالغزل القائم بينها وبين إسرائيل؛ حيث لا يفيدهم الاستمرار بالحديث عن الرئيس "المقاوم والممانع لإسرائيل"- مغتصبة الحقوق- وهو يخطب ودهّها لإبقائه في كرسي الدم. لا أدري إذا كان أحد من هؤلاء المتحمسين يشعر بالتناقض، أو بشيءٍ من الخجل عند سماع هكذا حقائق!

لا أريد التحدث عن فقدان الكرامة أو عن الجوع أو العوز أو الإذلال أو الخوف أو انسداد كل الآفاق في وجه السوريين، مع استمرار هذا الوباء المتسلط على رقاب العباد؛ بل أريد المتحمسين أن يفكّروا فقط بحجم وثائق ومستندات الجرائم التي ارتُكبت خلال السنوات الماضية؛ والتي بلغ عددها التسعمئة ألف وثيقة؛ وهي تدين النظام الأسدي دون التباس. فأي منظومة قهر وجريمة ورخص وبيع وطن وذل وإذلال وجوع وفقر وضياع مستقبل يتحمّس له هؤلاء؟! لن يطول أخذ روسيا مجلس الأمن رهينة لحماية النظام من السوق إلى العدالة؛ وإن طال، هناك مسارات أخرى، يجري العمل عليها.

لن يعود لاجئ سوري، ولن يكون هناك إعادة إعمار، ولن يكون هناك خلاص من القوى والجيوش والميليشيات الغريبة على الأرض السورية، مع استمرار منظومة الاستبداد

قبل أخيراً؛ أيها المتحمّس لرسوخ الاستبداد، هل فكّرت بأخَواتٍ لك تم اغتصابهن في معتقلات الاحتلال الاستبدادي؟ أو بآلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب؟ أو باستخدام السلاح الكيماوي الموثق على مواطنيك السوريين؟ أو برغيف الخبز الذي أضحى طموحاً؟ أو بالعقوبات التي يستغلها نظام الإجرام لإذلالك وخضوعك له أكثر؟ أو بنصف أهل سوريا المشردين؟ وأكثر من نصف سوريا المدمر؟ أو بعقود إذعان مزمنة وقّعها الاستبداد مع الاحتلالات؟!

لن يعود لاجئ سوري، ولن يكون هناك إعادة إعمار، ولن يكون هناك خلاص من القوى والجيوش والميليشيات الغريبة على الأرض السورية، مع استمرار منظومة الاستبداد. ليس هذا فقط؛ ولكن لن يكون هناك كرامة أو أمان أو حياة أو حتى عيش طبيعي بوجودها. باختصار، هذه الطغمة رَفَعَت شعار/ إما أن تكون سوريا لنا، أو لن تكون/؛ فلماذا تهب، وبإرادتك، ما لَكَ، لمَن لا يستحق؛ أو لمَن فعل كل هذا بوطن ليس لك غيره؟! لقد عنيت ما قلت في العنوان؛ ولكنني أعرف بأنه المستحيل.