icon
التغطية الحية

أطفال سوريا من ذوي الاحتياجات الخاصة بين المطلوب والموجود

2021.12.27 | 14:49 دمشق

أطفال سوريون
الآلاف من الأطفال السوريين يحتاجون الرعاية الخاصة (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

صادف منذ أسبوعين، اليوم العالمي لـ ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي ظل حالة التشرد واللجوء التي يعانيها الشعب السوري, يبدو أن هذه الفئة من السوريين هي الأكثر إلحاحاً للنظر باحتياجاتهم، لما تتطلبه من مستلزمات قد تتوفر لدى الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية أو لا تتوفر لديهم, إضافة إلى عدم دراية بعض الأهالي عن طرق الوصول للخدمات اللازمة لأبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.

الطفل كرم هو أحد توءمين ولدا في شمال غربي سوريا، وبسبب الاختناق ونقص الأكسجة وعدم وجود حاضنات للخدج، توفي أحدهما في حين سنحت لـ كرم فرصة في الحياة.

لاحظت السيدة أم سمر - والدة كرم (7 سنوات) - بأن طفلها لا يتطور حركياً كحال إخوته حين كانوا في عمره، ومن يومها بدأت مسيرة الاستفهام عن حالة كرم، المقيم حالياً مع عائلته في ولاية شانلي أورفه جنوبي تركيا.

الأم خضعت لعمل جراحي عاجل نتيجة انزلاق ثلاث فقرات قطنية من جراء الحمل شبه الدائم لـ كرم، ولخّصت ذلك لـ موقع تلفزيون سوريا قائلةً: "لولا العمل الجراحي لكنت بحاجة للمساعدة مثل كرم, لكني الآن عاجزة عن مساعدة كرم"، الأمر الذي يفاقم معاناتها، مردفةً "يمكن أن تنسى أي قهر مع مرور الزمن, أما القهر النابع من معاناة كرم فلا تستطيع نسيانه، إنه ماثل أمام عينيك".

اقرأ أيضاً.. ما حال ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا في يومهم العالمي؟

آية تريسي - مسؤولة الحالات الطبية في فريق ملهم التطوعي - قالت إنّ عملاً جراحياً يمكن أن يسهم في إطالة الأعصاب لدى حالات من أمثال كرم، وتُقدر نسبة نجاح تلك العمليات بين 70% و80%, يتم بعدها الخضوع لعلاج فيزيائي.

وتضيف" تريسي" أن الشلل الرباعي الناجم عن الولادة، أو ما يُسمّى مرض الخدّج، ينجم عنه انعدام التحكم بالأطراف الأربعة, لذا يحتاج الأطفال في هذه الحالة إلى علاج فيزيائي مع الحاجة لأجهزة تساعد في تنمية العضلات والأعصاب.

السيدة فاطمة الخليل، والدة لـ طفلين مصابين بالشلل الدماغي، حيث تشابهت ولادة طفليها محمد وعمار مع الحالة التي ولد فيها كرم، ونتيجةً لـ نقص الحواضن والأكسجة في مشافي الشمال السوري، أدّى إلى شلل دماغي للطفلين.

وتضاعفت معاناة أمّ الطفلين محمد وعمار (7 و8 سنوات) مع التهجير الذي تعرّضت له العائلة، خلال الأشهر الأولى من ولادتهما، وتقيم العائلة حالياً في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا.

وبحسب الأم فإنّ مشفى الجامعة في مدينة غازي عنتاب خصّصت لطفليها، 60 يوماً كل عام للمعالجة الفيزيائية، بعد دخولهم إلى تركيا وفق حالة إسعافية, غير أنها مدة غير كافية كما تقول والدتهما، لأنّ نسبة الإعاقة لدى عمار 85% ومحمد 70%،  لذا فإنهما يحتاجان إلى حالة خاصة على صعيد الصحة والتعليم،

دوامة البحث عن حل

يعجز خالد الأحمد عن تقديم أي شيء يخفّف معاناة ابنته عهد المصابة بالتوحد، فقد باع أرضه في سوريا بثمنٍ بخس من أجل تسجيل عهد في مجمع تعليمي لمدة 7 أشهر، إلّا أنّ المجمّع كان يفتقر للكوادر والمستلزمات الخاصة برواده، فلم تحصل الطفلة عن النتيجة المرغوبة منه, بحسب ما أفادنا "الأحمد"

يرى "الأحمد" - الذي يقيم حالياً في ولاية شانلي أورفه في المنظمات تقصيراً كبيراً، مع عدم إنكاره للخدمات النسبية التي تقدّمها بعضها، إلا أن أغلبها "مجرّد تجمعات تتاجر بمآسي الناس"، وفقاً لوصفه.

تعاني عهد (5 سنوات) من مرض التوحد وضمور في الساق، وتحتاج إلى علاج فيزيائي ومراكز تعليم خاص, حيث خصّص لها الهلال الأحمر التركي مدة 80 دقيقة في الأسبوع على مرحلتين لتغطية الجانب التعليمي, إلا أن حاجز اللغة وقصور المدة، لم يحقّقا النتيجة المرجوة.

تزايد أعداد الأطفال السوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة

لم يتمكّن "أبو محمد" والد الطفلة لانا (8.5 سنوات) التي تعاني من شلل دماغي، من إخضاعها للتعليم الخاص, والمسدود - وفق قوله - أمامه، نتيجة عدم حمله للجنسية التركية, حيث تقع العائلة تحت بند "الحماية المؤقتة" في ولاية غازي عنتاب التركية.

ويُعرب "أبو محمد" عن تفاؤله في التعرّف إلى مركز الأنيس للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مقره في غازي عنتاب، مشيراً إلى بعض التجاوب لدى طفلته، رغم المدة القصيرة لوجودها في المركز.

وبحسب ما صرّح به مدير مركز الأنيس زكريا محمد إلى موقع تلفزيون سوريا فإنّ عدد الأطفال السوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة (مواليد 2013 حتى مواليد 2020) يتزايد وتتضاعف معاناتهم، نتيجة عدم القدرة على تقديم الخدمات اللازمة في القطاع التعليمي الخاص لهم.

ويُعدّد "زكريا" أبرز الحالات التي عاينها في عمله وهي: "الشلل الدماغي، الضمور الدماغي، الاضطرابات النمائية، اضطرابات النطق، فاقدو الأطراف مع بعض المتلازمات وفاقدو البصر".

تعمل العديد من المنظمات الطبيّة على تقديم خدمات متنوعة في هذه المجالات، إلا أنها غير كافية ولا تغطي إلا فئة قليلة، وفق "محمد"، فأغلب الأطفال بحاجة إلى علاجات طويلة الأمد، متعددة ومكثفة، وهذا غير متوفر.

ويضيف "محمد" أنّ الأمر يزداد تفاقماً مع غياب التنسيق فيما بين المنظمات، مما يزيد من معاناة الأهالي وتنقّلهم من منظمة إلى أخرى، وهو ما يؤدي في المحصّلة إلى تراجع حالات الأطفال بالنهاية.

وهنا تشير آية تريسي - مسؤولة الحالات الطبية في فريق ملهم التطوعي - إلى حالات لا يمكن تغطيتها من قبل أي منظمة نظراً لارتفاع تكاليفها، كـ"زراعة الحلزون السمعي وعمليات زراعة الكبد والكلى"، حيث ترد أكثر من 5 حالات شهرياً إلى فريق ملهم بحاجة للحلزون السمعي، مناشدةً الجهات الحكومية لدعم هذه الاحتياجات، إذ تبلغ كلفة زرعه قرابة 15 ألف دولار.

وأضافت "تريسي" أنّ فريق ملهم يعمل من أجل تغطية ما يمكن تغطيته من الاحتياجات وفق الإمكانات المتاحة، ولكن تبقى الحاجات أكبر بكثير من حجم الإمكانات المتوفرة.

ضعف الخدمات المقدّمة لـ ذوي الاحتياجات الخاصة

وائل أبو كويت - المدير التنفيذي لمنظمة "سند" في مدينة غازي عنتاب - ينفي لـ موقع تلفزيون سوريا وجود أي إحصائية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا، أو حتى لدى الحكومة التركية نفسها.

وبحسب "أبو كويت" فإنّ مستوى الخدمات المُقدّمة في هذا المجال "ضعيفة جداً" ومحصورة بالحاجات الأساسية كـ حفاضات وكراسي متحركة وما إلى ذلك، أما الخدمات التأهيلية التمكينية فهي معدومة, إذ تغيب المراكز الخاصة بالتأهيل المعرفي والسلوكي لذوي الاحتياجات الخاصة, والتي تُمكّنهم من أداء ما يلزمهم بأنفسهم, وتدرّبهم على النطق مما يسهل عملية اندماجهم في المجتمع.

ويضيف أنّ المنظمات تقدّم خدماتها ضمن برامج تقوم على المشاريع الآنية، في حين تتطلب مراكز تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة تراخيص وإجراءات معقّدة وطويلة، وهو ما صرف كثيراً من المنظمات عن الخدمة في هذا المجال.

وأدّى حصر هذه الخدمات بالمراكز التركية الخاصة، والتي تتطلب أموالاً تفوق قدرة معظم العائلات السوريّة, في ظل اشتراط المراكز الحكومية للجنسية التركية للتسجيل فيها, ما يعدم الأمل أمام السوريين من هذه الخدمات، كونهم تحت بند "الحماية المؤقتة" في تركيا.

يشار إلى أنّه في ظل غياب إحصائيات رسمية (حكومية أو غير حكومية) وعجز بعض المنظمات عن تقديم الخدمات بمفردها لذوي الاحتياجات الخاصة، مع إحجام بعضهم الآخر عن الخدمة في هذا المجال أساساً، أو حتى التعاون في مجال التشارك بالمعلومات، تبدو الحلول بعيدة جدّاً لفئة هي بأمسّ الحاجة إلى الرعاية الخاصة.

أُنتجت هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" (صحفيون من أجل حقوق الإنسان).