أطفال السوريين والمستقبل الأسود

2022.06.15 | 06:58 دمشق

thumbs_b_c_1c9f86bf2a0e76e28f80d5c5948c5977.jpg
+A
حجم الخط
-A

حين أقرت هيئة الأمم المتحدة قانون حماية الطفل (يونيسيف) عام ١٩٨٩ في قانون مؤلف من خمس وخمسين مادة ولكل مادة عدة بنود، وصدقت على الاتفاقية ووقعتها كل دول العالم باستثناء الولايات المتحدة الأميركية والصومال، كان الهدف هو حماية مستقبل البشرية وضمان أن لا يشوب هذا المستقبل شائبة، فالأطفال هم المستقبل وبالتالي فإن الاستثمار الصحيح في الطفولة هو رصيد مهم لضمان مستقبل آمن ومعافى وسليم.

وطبعا رغم أنه، كما قلنا، كل دول العالم قد صدقت ووافقت على الاتفاقية إلا أن شأنها شأن غالبية الاتفاقات الدولية، لا يتخذ المجتمع الدولي أي إجراء ضد الدول التي وقعت على الاتفاقية وانتهكتها لاحقا. ذلك أن لحسابات المصالح السياسية والاقتصادية الدولية شأن آخر، فهي تأتي في النسق الأول لكل المنظومة الدولية الحاكمة، وكما العادة تطبق الاتفاقية في الدول المتقدمة (دول العالم الأول) فقط، أما دول العالم الثالث والدول النامية فتصديقها على الاتفاقية  حبر على ورق، حيث يتم فيها انتهاك الطفولة بكل الطرق، بدءا من التسرب من التعليم إلى الفقر والعمالة والتجارة والتشرد والتعنيف الأسري والمجتمعي والسياسي والتجنيد في الحروب، وصولا إلى كل ما يلحق بذلك من أذى نفسي وجسدي يطول الأطفال ويحرمهم من طفولتهم.

لا يخفى على أحد حال الأطفال السوريين في المخيمات ودول اللجوء القريبة، طبعا حال أقرانهم في الشمال (المحرر) أو المناطق الخاضعة للنظام لم يعد أفضل

أما ما حدث في الحروب كحال سوريا واليمن في البلاد العربية فهذا شأن تجاوز كل الخطوط الحمر، إذ من لم تقتله الحرب من الأطفال فهو إما تشرد وعاش في مخيمات تنعدم فيها كل شروط تربية الطفل الإنسانية، أو تم اعتقاله أو تجنيده من قبل الأنظمة الحاكمة أو من قبل الميليشيات المسلحة، أو أنه أصيب بإعاقة جسدية ما، أو تيتم بعد فقد معظم ذكور عائلته بسبب الحرب والاعتقال، وبطبيعة الحال فإن ذلك أدى إلى حرمان عدد هائل من الأطفال من حق التعليم ومن الحياة الكريمة واللائقة. أما الحديث عن أي إجراء دولي أو أممي بحق من تسبب بكل هذا فهو مجرد لغو بلا طائل، لن يحاسب أحد ولن يعاقب أحد، وسوف تبقى دول العالم الثالث تنتهك حقوق أطفالها سواء من قبل المنظومة السلطوية أو المنظومة الاجتماعية التي ترى في الأطفال الطرف الأضعف الذي يمكن تعريضه لكل أنواع العنف دون خوف من المحاسبة.

لا يخفى على أحد حال الأطفال السوريين في المخيمات ودول اللجوء القريبة، طبعا حال أقرانهم في الشمال (المحرر) أو المناطق الخاضعة للنظام لم يعد أفضل، حيث تزداد يوميا ظاهرة الأطفال المشردين والمتسولين والمدمنين والمتسربين من التعليم والمعنفين، ما يجعل من الأطفال في مقدمة ضحايا الحدث السوري خلال العقد الزمني الماضي، وما ينبئ بكارثة مستقبلية لم يعد التحكم فيها ممكنا. ذلك أن حالة الأطفال وطرق عيشهم ومستواهم التعليمي والقيمي وحالتهم الصحية والغذائية وصحتهم النفسية هي المعايير التي يستخدمها الباحثون حين يضعون رؤاهم لمستقبل مجتمع أو بلد ما. فباستنثاء الأطفال السوريين الذين انتقلت عائلاتهم للعيش في دول أوروبا وأمريكا، والذين سوف يكبرون في مجتمعات ودول سيحملون جنسياتها وثقافاتها وبالتالي سوف تصبح علاقتهم ببلدهم الأم علاقة سياحية أو استشراقية، فإن باقي أطفال سوريا ودول جوارها ممن ولدوا خلال العقد الماضي أو كانوا في بداية طفولتهم عام ٢٠١١، فقدوا طفولتهم مثلما فقدوا كل حقوقهم في الحياة، ولسوء الحظ فإن هيئات المعارضة السياسية السورية لم تضع في خططها أي شيء يتعلق بالأطفال السوريين في المخيمات داخل سوريا أو في الدول القريبة لا اقتصادية ولا اجتماعية ولا تعليمية.

ترك الأطفال في هذه الأماكن رهن إيديولوجية ممولين لمشاريع يفترض أنها تربوية وتعليمية، لكنها فرضت في التعليم نمطا واحدا هو التعليم الشرعي، ولولا استثناءات قليلة في هذا المجال لكان يمكن القول إن الوضع ينذر بكارثة كبرى، وهنا لا بد من السؤال عن الآلية التي تحكم عمل مؤسسة مثل الائتلاف السوري الذي يشكل سنويا هيئة للحج ويرصد ميزانية لها، ولا يهتم بفتح مؤسسات تعليمية في المخيمات، ولست هنا في وارد التدخل في خيارات الناس وإيماناهم لكن هذا الشأن يعطي مصداقية لمؤسسة كالائتلاف أو يسحبها منها، فإذا كان الاهتمام بأطفال سوريا وتعويضهم عما لاقوه ويلاقونه ليس هدفا لهذه المؤسسة التي تشكل واجهة المعارضة فعن أي مستقبل لسوريا يمكن للائتلاف أن يتحدث عنه دوليا؟

اللاجئون هم ليسوا فقط ضحايا آنيين للنظام وحربه المجنونة بل هم تاريخيا أيضا ضحايا التجهيل الذي مارسه عليهم سياسيا واجتماعيا خلال العقود الماضية

في الحروب يزداد عدد المواليد، هذا أمر معروف تاريخيا، وفي فترات الأزمات الاقتصادية الكبرى أيضا، في البيئات الفقيرة يزداد معدل النمو السكاني باطراد، فإن ترافق الفقر مع التشرد واللجوء بسبب العنف يصبح المعدل زائدا عن الحد، فالخوف يغذي غريزة البقاء التي تغذي الدافع الجنسي، ومع انعدام وسائل الحماية وعدم وجود ثقافة مجتمعية تشجع على تحديد النسل سوف تصبح الزيادات مهولة ما ينتج عنه عدد مضاف من الأطفال المحرومين من حقوقهم ومن الأمان الصحي والنفسي والمعيشي، وهو ما يتحدث عنه عدد ليس بقليل من السوريين المنتقدين لزيادة المواليد في المخيمات والبيئات السورية المعدومة، لكن هل الحل هو في الانتقاد وتحميل اللاجئين المسؤولية؟ في رأيي الشخصي أن اللاجئين هم ليسوا فقط ضحايا آنيين للنظام وحربه المجنونة بل هم تاريخيا أيضا ضحايا التجهيل الذي مارسه عليهم سياسيا واجتماعيا خلال العقود الماضية، وهم حاليا ضحايا للمجتمع الدولي الذي مارس سياسة التخلي وفضل مصالحه وتحالفاته على قيم العدالة التي يتغنى بها، وضحايا هيئات المعارضة السورية التي انشغلت بخلافاتها ومصالحها وأجندات مموليها وتركت السوريين لمصائر مأساوية تنذر بمستقبل سوري لا يوجد فيه أية نافذة ولو صغيرة ينفذ منها بصيص أمل.