أصنـام أبيـك لـن تحميـك

2018.11.05 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انطلقت حرب النظام ضد السوريين وفق معادلة "الأسد أو نحرق البلد"، فيما يبدو بأن تدمير سوريا على يد الأسد، كان صفقة دولية لتحقيق الحدثين معاً، بالإضافة إلى وظيفة دفن السوريين مع مشروعهم التحريري قبل أن يبدأ، علاوة على إخراج سوريا خارج دائرة التأثير إلى عقود طويلة قادمة، وما الأوثان التي أعاد تنصيبها غلام الإرهاب لأبيه "حافظ"، فوق جثامين مئات الآلاف ممن قتلهم أو تسبب بذلك بطرق مباشرة أو غير مباشرة، إلا مجرد شيفرة تأكيد دولية لداعميه، بأنه قد حقق المطلوب، بإحراق البلد وتفتيتها إلى زمن لا يعلمه إلا الله.

التماثيل التي أعادتها الدمية الدموية القاتلة متعمداً في هذا الوقت، فوق مقابر السوريين وبقايا مدنهم، تحمل في جعبتها أيضاً خطاباً مباشراً للداخل المحلي، وعلى وجه التحديد لأولئك الذين ساروا على درب الحرية، يقول لهم من خلالها بعبارات قاتلة: انظروا لقد أثخنت فيكم قتلاً وتشريداً وتعذيباً أمام العالم أجمع، ولم يتحرك أحد لتخليصكم من أنيابي، وقد أحرقت لكم البلد بما فيه من عائلات وحاضر، حتى المستقبل، وها أنا اليوم أقوم برفع تماثيل حافظ الأسد الذي تكرهوه وتكرهونني فوق أجسادكم.

انظروا لقد أثخنت فيكم قتلاً وتشريداً وتعذيباً أمام العالم أجمع، ولم يتحرك أحد لتخليصكم من أنيابي، وقد أحرقت لكم البلد بما فيه من عائلات وحاضر، حتى المستقبل، وها أنا اليوم أقوم برفع تماثيل حافظ الأسد الذي تكرهونه وتكرهونني فوق أجسادكم.

إياكم أن تعتقدوا أن الأسد يميز ما بين ثائر سائر على طريق استعادة سوريا من مستنقعات العبودية، وبين الموالي المصفق والمتعامي عما يجري في البلاد، فكلا الطرفين بالنسبة للمهمة الموكلة للأسد إما قاتل أو مقتول، صحيح أن النظام والحلفاء المساندين له يضربون الثورة بكل إرهاب ودموية، ولكن ما عليكم سوى النظر إلى حالة من يواليه، فقد جعلهم بقمة الإذلال، واستخدمهم كوقود لحربه المجنونة دون أي مبالاة، ومهما ارتفع شأنهم لديه فهم مجرد أرقام متحركة، حتى لو أقاموا ألف ألف تمثال لحافظ الأسد في كل شبر من سوريا التي يتنقلون فيها، وان تجندوا بجيشه الباسل القاتل أو تطوعوا بميليشياته الطائفية، فهم يقتلون بقية السوريين لينتصر الأسد، أما هم فمهزمون مهما كبسوا، ويحفرون قبور أولادهم بأيديهم.

إعادة بناء أوثان البعث على أطلال المدن المنكوبة ليست رسالة دموية لمحتضني الثورة فحسب، هي بل هي إنذار ترهيبي للمجتمع المؤيد للنظام أيضاً، فحواه، إذا أردتم النجاة بأرواحكم، فعليكم عدم التفكير لمئة عام قادمة بتكرار ما فعله الملايين من إخوانكم اليوم، وليس لكم من مهرب من بطش سلاسة هذا النظام، وما لكم من مفر من إرهاب الدول الداعمه له إلا بالتحول إلى قطعان لا تسمع لا تتكلم ولا تتفكر، فتصفق وتأكل وتشرب فقط، عوضاً عن الموت في سبيل مشاريعه التدميرية، وفي هذا الإطار تقوم مشاريع النظام المحلية بغسل أدمغة لمن هم تحت سطوته عبر الإعلام المضلل وباستخدام الإرهاب المتنوع، لتشريبهم قناعات بأن قتل السوريين وجلب المحتلين والمرتزقة لارتكاب أبشع الجرائم بحقهم، هو انتصار لسوريا، ولكن كيف يكون ذلك؟

هي إنذار ترهيبي للمجتمع المؤيد للنظام أيضاً، فحواه، إذا أردتم النجاة بأرواحكم، فعليكم عدم التفكير لمئة عام قادمة بتكرار ما فعله الملايين من إخوانكم اليوم

إذ إن الأسد نحر شعبا بأكمله وسار بإحراق وطن من أقدس الأوطان مقابل الحفاظ على مجرم واحد، اسمه "عاطف نجيب"؟ فعن أي انتصار تتكلم هذه الدمية الدموية القاتلة؟ والتي لن تحصد في نهاية المطاف إلا ما تذوقه كل ديكتاتور بياع لشعبه، ومهما أعاد الابن من أوثان الأب القاتل، فإن قطار سوريا الأسد، قد انتهى إلى غير رجعة، فملايين السوريين باتت قضيتهم مع هذا النظام مصيرية لا مساومة فيها، ومن استيقظ من تحت جمر الركام لتقديم الكثير لهذا الوطن الذي يستحق منا كل التضحيات مقابل نيل حريته، لن يسقط في يوم من الأيام، ومصير تماثيل الأسد الجديدة سيكون أسوأ مما شاهده بشار بمصير السابقة منها!

لا علاقة لأصنام حافظ الجديدة، بإعادة إعمار سوريا، كما تتحدث وسائل إعلامه لا من قريب ولا من بعيد، بل إن الأسد، دمر سوريا برمتها من شعب وحضارة مقابل انتظار هذه الساعة، حتى ترمق عينيه مجدداً مشاهدة الأصنام ترفع من جديد فوق من بدأوا ثورتهم بتحطيمها، حتى لو انتهى حكم الاستبداد بعدها بأي توافق دولي، فهذه الثلة تريد للشعب السوري عدم نسيان ما فعلته بهم لعشرات السنين، والأسد يدرك جيداً كما السوريين بأن المعركة في سوريا هي كسر إرادات وصراع وجود، ولكن من أدخل البلد في هذه الحرب عن سبق إصرار وفق صفقة "نحرق البلد ليبقى الأسد" لا يعير بناء سوريا أي أهمية، وإنما كل اهتمامه ينصب على إعادة بناء هذه الطغمة مجدداً، وكل ما دون ذلك، يأتي مع مرور الزمن!

علماً أن الأسد الابن المدسوس خلسة في السلطة لإتمام ما بدأه والده، لم تكن وظيفته في الماضي ولا اليوم، ولن تكون في المستقبل، بناء سوريا، وأن غوغائيتهم المفرطة تحوم هو ربط سوريا العظيمة باسم أسرة قزمة، وهذه التماثيل ليست إلا أدوات مصطنعة لبث الإرهاب مجددا في قلوب السوريين، موالاة قبل ثائرين، وإذا ما عدنا في الذاكرة للوراء، سنجد بدون ملابسات بأن هذه الشرذمة القاتلة سمح لها بحكم سوريا، مقابل ثلاثة شروط، وهي تدمير الدولة السورية، إنهاء الجيش العربي السوري، وآخرها تفتيت الشعب السوري وبثه في غياهب التيه والضياع لعقود.

هذه الشرذمة القاتلة سمح لها بحكم سوريا، مقابل ثلاثة شروط، وهي تدمير الدولة السورية، إنهاء الجيش العربي السوري، وآخرها تفتيت الشعب السوري وبثه في غياهب التيه والضياع لعقود

فحافظ الأسد، عمل منذ توليه السلطة بالقوة العسكرية والخباثة السياسية أنهى سوريا الدولة عبر القبضة الأمنية، وزرع الإرهاب في المجتمع إلى مستويات قياسية، حتى باتت البلد يُعرف فقط باسم "سوريا الأسد"، وكان ذات القاتل قد أثخن بالجيش العربي السوري، حتى أفرغه بشكل كامل من أي دور وطني يتوجب عليه، وتحويله إلى عصابة قاتلة باسم الدولة الأسدية، ليصبح هذا الجيش غير وطني، ووسمه بـ "الجيش الباسل"، وهنا أصبحت سوريا الدولة والجيش بيد العائلة القاتلة، ولم يبق في الميدان إلا الشعب السوري، فأوكلت هذه الوظيفة لبشار الأسد منذ توليه للسلطة بطريقة اللصوص، ليطلق العنان لأجهزة الأمن في كبت السوريين وتمزيقهم مع مشروعهم الوطني عندما انطلقت ثورة الكرامة في عام 2011.

ولعل القاسم المشترك الأكبر بين الأسدين الأب والابن بأنهما عملا بشكل دؤوب على تفريغ السوريين سياسياً وإدارياً منذ ما يعرف زوراً وبهتاناً بـ "الحركة التصحيحية"، وهذه الجريمة المنظمة أضرت كثيراً بأحلام التحرر عندما انطلقت، وجعلت عملية قضم أهم مشروع وطني بتأثيره وأثره تسير بخطوات أكثر سلاسة.

أضغاث الأحلام التي ينشدها داعموا هذا النظام والأخير معهم، لا بد ستعود عليهم بثمن أكبر من الذي أذاقوه للسوريين طيلة العقود الخالية، فالشعوب لا يمكن أن تُهزم مهما بطش القتلة الظالمون، ومهما طالت حبال الإرهاب المنظم فستكون نهايته على يد السوريين، وبشار الأسد لن يكون طفرة عمن سبقوه من الطغاة، وما على الابن إلى النظر إلى مشروع أبيه كيف داس الشعب السوري دون أن ينظروا إلى الوراء، وأن مشروع الحقيقة الذي بذل لأجله السوريين الغالي والنفيس، هدفه اقتلاع هذا النظام عن بكرة أبيه، وحدوده ليست فقط الأوثان...