أصدقاء وأعداء الجمال في القامشلي

2018.11.23 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الحق كلّه على أمريكا التي لم تحاول أن تطور الذائقة الجمالية لحلفائها في المنطقة. علينا أن ننصح أمريكا عند إرسالها شحنات أسلحة لوحدات حماية الشعب، الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، أن ترفقها ببضع كيلو غرامات من الذائقة الجمالية، هذه الذائقة التي يبدو أن عناصر هذا الحزب محرومون منها بشكلٍ غير طبيعي.

معركة كلامية حادة، كان أحد أبطالها قيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيطر على أغلب أحياء المدينة.

في هذه الحياة ثمّة أعداءٌ للجمال، وأيضاً هناك أصدقاء للجمال. وهذا ما أثبته حفل انتخاب ملكة للجمال، الذي قسم المتابعين إلى قسمين متناقضين.

اختلاف معنى الجمال بين طرف وآخر في القامشلي، تفسيرات وتفسيرات كثيرة ومتباينة للحدث ذاته، ولم ترجح الكفة بعد لتفسير واحد.

مسابقة للجمال، هي المرة الأولى من نوعها في القامشلي، سرعان ما تحولت إلى معركة كلامية حادة بين طرفين متناقضين، لكل طرف منهما رؤيته الخاصة حول الجمال والمرأة.

المعارضون للحفل وجهوا انتقادات لاذعة له، منهم "ألدار خليل" القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي اعتبر أن مثل هذه المسابقات هي إهانة للمرأة المناضلة ولتضحياتها وجراحها في سبيل الوطن

ففي حفلٍ فني ساهر بمطعم البرج، نظمته مجموعة من سيدات القامشلي، جرى انتخاب ملكة جمال للمدينة، وقد حازت على اللقب، الفتاة الكردية الجميلة "عدلة حسن"، بعد منافسة بين عشر فتيات، عندئذ انقسم الجمهور بين معارض لهذه المسابقة ومؤيد. المعارضون للحفل وجهوا انتقادات لاذعة له، منهم "ألدار خليل" القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي اعتبر أن مثل هذه المسابقات هي إهانة للمرأة المناضلة ولتضحياتها وجراحها في سبيل الوطن، وهذه الرؤية تذكرنا بعقلية الأحزاب الشمولية في ستينات وسبعينات القرن الماضي. ثم طالب هذا القيادي باعتذار رسمي من المنظمين عن تنظيم هذه المسابقة واصفاً إياها بأنها إهانة لا تغتفر، قائلاً عن هذه المسابقة: "إنها إجراء قبيح، وعمل مناف للأخلاق جملة وتفصيلاً".

 

عدلة حسن

 

ويبدو أن أصحاب هذا الرأي يختصرون جمال المرأة بتضحياتها في سبيل الوطن وحب الوطن، ولا جمال غير هذا الجمال بالنسبة للمرأة.

وأعتقد أنها مناسبة وفرصة ذهبية لأن يقدم حزب الاتحاد الديمقراطي رؤيته الضيقة للحياة، والتي توارثها جملة وتفصيلاً عن حزب البعث العربي الاشتراكي، وبذات اللغة الخشبية "لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية" وتكريرها ببلاهة، غير آبه لتطور الحياة وطبيعة هذا العصر.

لا صوت هنا عند قادة هذا الحزب يعلو في المعركة فوق صوت السلاح، حتى ولو كان صوت الجمال، وكأن الجمال ليس سلاحاً مهماً في سبيل حياة كريمة تليق بالإنسان والإنسانية.

على الطرف الآخر ثمّة من اعتبر أن مثل هذه النشاطات هي انعكاس حقيقي لجمال المرأة الكردية، وجمال الحياة في القامشلي، ووجود هذه النشاطات هي فرصة لتمجيد الحياة

على الطرف الآخر ثمّة من اعتبر أن مثل هذه النشاطات هي انعكاس حقيقي لجمال المرأة الكردية، وجمال الحياة في القامشلي، ووجود هذه النشاطات هي فرصة لتمجيد الحياة، وروح الجمال في الحياة، ومنح الإنسان فرصة أن يتنفس ويزيح عن صدره أعباء الحرب وكوارثها، لأن الجمال وحده قادر أن يهزم الحرب ومآسيها داخل الإنسان.. والإنسان دون جمال ينتهي وتنتهي حياته بشكل بشع، ولا بد لمجتمعنا المحلي أن يحصل على بعض الترفيه ليظل متوازناً بعد سنوات من الحرب.

تناقض كبير بين الرأيين، كما هو التناقض الكبير بين الصورتين، صورة المرأة الكردية بثياب الجنود، وبيدها البندقية، وصورة المرأة الكردية بفستان جميل ومزينة بالحلي والفرح.

بعيداً عن الطرفين والرأيين المختلفين والمتناقضين، والخلاف الذي انفجر بينهما، يحق لنا أن نسأل سؤالا جوهرياً:

إلى متى سوف يظل جسد المرأة في الشرق خشبة مسرح، يقدم عليها الآخرون مسرحياتهم تمثيلاً وإخراجاً، مسرحياتهم بحسب انتماءاتهم الأيديولوجية؟ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؟ دون انتباه للمرأة ذاتها؟ ...

خلاصة القول، وبحسب الدروس الكثيرة للتاريخ، أعداء الجمال غالباً ما ينهزمون ويرحلون، طال زمنهم أم قصر.

كلمات مفتاحية