icon
التغطية الحية

"أصحاب ولا أعز" على نتفليكس.. من صبّ الزيت على النار؟

2022.01.26 | 11:52 دمشق

_122946846_59c035af-3d93-4273-ac23-db80923e9f95.png
مسلسل أصحاب ولا أعز (إنترنت)
إسطنبول - عابد ملحم
+A
حجم الخط
-A

أن تصبّ الزيت على النار، وتنفخ عليهما وتبتعد قليلاً لترقب المشهد الملتهب على مهل، هو بالضبط ما فعله فيلم "أصحاب ولا أعزّ" من إخراج وسام سميرة والذي بُدئ عرضه على منصّة نتفليكس المدفوعة.

فالفيلم المقتبس بشكل شبه حرفي عن الفيلم الإيطالي  Perfetti sconosciuti (غرباء بالكامل) للمخرج باولو جينوفيز، يبدو أنه أطلق رصاصةً مدويّة في نسخته العربية وسط صمتٍ مُطبق، لتشخَصَ العيونُ نحوَه، فشُحذت السكاكين وشُرع بنحره على الفور، ومكمن الجدل في الفيلم ليس مشاهد خادشة للحياء أو قصة تحوي تفاصيل جنسيّة كما اعتاد المشاهد، بل في الحدوتة نفسها، التي تصوّر جلسة عشاء بين مجموعة أصدقاء مقرّبين جداً، لتنتهي بانهيار شامل بعد اكتشاف كل منهم أنه لا يعرف الآخر حقاً رغم أن بعضهم كان زميل دراسة منذ الطفولة للآخر.
 


يستحضر الفيلم نماذج عدّة من ثنائيات مختلفة هي (مريم وشريف، جنى وزياد، مي ووليد) بالإضافة إلى صديقهم ربيع والذي كان من المفترض أن يأتي بصديقة جديدة هي رشا، إلا أنها لم تأتِ معه.

بعد أحاديث عدة على الطعام، يقترح أحدهم أن يلعبوا لعبة تتلخص بأن يضع كلٌّ منهم هاتفه النقّال على الطاولة وفي حال ورود أي رسالةٍ أو اتصالٍ سيطّلعُ عليها الجميع، فيوافق الجميع على اللعبة لكن على مضض، تبدّى ذلك جلياً عند شريف الذي كان على موعد لاستقبال صور من فتاة يعرفها تدعى إيزا، فيطلب من ربيع إجراء تبادل في الهواتف، كون الأخير "سينغل" ولن يضيره ورود الصور إلى جهازه، لكنّ ربيع يرفض، فيقوم شريف بتبديل الهواتف من دون أن يدري ربيع، ولا يعرف بذلك إلا عندما ترِدُ الصورُ المنتظرة، ويتحلّق الأصدقاء حول ربيع لمشاهدة الرسالة التي تحوي الصور، وبما أن ربيع أتى وحيداً دون شريك فإنه ينال الدعم من رفاقه في الوقت الذي يشعر فيه بالامتعاض بسبب تبديل الهاتف دون رغبته، وما إلا دقائق ويرن هاتف ربيع الذي بات أمام شريف، لنجد رسالة من شخص يدعى "روي" يسأل عن ربيع وبعد قليل يقوم بالاتصال، لنكتشف أن ربيع على علاقة مثلية مع روي، فتقع الطامة الكبرى على شريف الذي انزلق في ورطة لا خروج منها أمام زوجته مريم التي تدخل في حالة هيستريا بكائية، فلا هو يستطيع نكران العلاقة، ولا هو يستطيع إفشاء سرّ أنه بدّل هاتفه لتنتهي علاقتهما في نفس الجلسة.

الرسائل والاتصالات توالت على الجلسة، وأفضت إلى انفصال جميع الثنائيات عن شركائهم، فمريم تحادث شاباً على فيس بوك دون علم زوجها، ومي على علاقة مع زياد دون علم زوجها..إلخ

الجدل

رغم محاولة النص الإيطالي استحضار نماذج عدة مختلفة بعضها عن بعض (طبيب، مدير شركة، مدربة كلاب..إلخ) لإعطاء شمولية قدر الإمكان للحالات المطروحة، فإن ذلك لم يفِ بالغرض في النسخة العربية التي كانت منسوخة بشكل حرفي بالهمسة والفاصلة عن النسخة الإيطالية، ليقع الفيلم في فخ تهمة تشويه المجتمع العربي والقول بأن تلك الشخصيات تمثل المجتمع العربي بكليّته، رغم عدم رغبة النص بقول ذلك.

كثيرون رأوا أن وجود شخصيّة مثلية أصلاً في فيلم عربي يقع ضمن الترويج الممنهج من قبل المنصّة المنتجة في محاولة تطبيع وجود هذه النماذج مع المجتمع في وقت كانت فيه المثلية -وما زالت- فكرةً تفجّر الغضب والسخط اللا متناهي في مجتمعات الشرق الأوسط.

لكن من جهة أخرى عزا آخرون واقعية الفيلم إلى أن ذلك يحدث حقاً على أرض الواقع ولكنه كان أمراً مخفياً، وكلّ ما فعله الهاتف الذكي أن أظهر تلك الممارسات إلى العلن، بدليل أن لقطة بداية الفيلم كان هناك إيحاء لذلك عندما تقوم مي بتوبيخ أطفالها وطلبها منهم ترك الهواتف النقالة والآي باد والخلود للنوم، وفي لقطة البداية لـ جنى مربية الكلاب التي كانت تجري مكالمة هاتفية بينما يقوم زياد بمداعبتها مصدراً أصواتاً فتقوم جنى بالكذب على محدثتها بالقول إنه كلب في الشارع، فيسارع زياد إلى تقليد صوت الكلب مستمراً بمداعبتها جنسياً.

الحديث عن الجنس كان حاضراً بالفيلم بكثرة، فضلاً عن استخدام الشتائم اليومية كما هي دون تورية أو استخدام بدائل لها، وهو أمر آخر دفع منتقدي الفيلم لاتهامه بقلة التهذيب وعدم احترام المشاهدين الذي يمكن أن يكونوا من القُصّر، في الوقت الذي دعا كثيرون لوقف عرض الفيلم كما فعل النائب في البرلمان المصري مصطفى بكري، بدعوى أن الفيلم يحرض على الرذيلة.

ويدافع المنتصرون للفيلم بأنه يعرض على منصة عالمية (نتفليكس) ولا يمكن بأي حال من الأحوال منعه، في الوقت الذي يدفع فيه المشترك المال ليتمتع بمنتجات نتفليكس، إذن فزبون تلك المنصات هو زبون ذهبَ بإرادته إليها ودفع اشتراكاً شهرياً ليحصل على مشاهدة هذا الفيلم، وأن الفيلم لا يعرض على منصات عامة أو شاشات عامة للأطفال والعائلة.

استنسخ الفيلم 16 مرة بـ 16 لغة مختلفة بعد النسخة الإيطالية، ويلحظ أن جميع النسخ قامت بنسخ المشاهد كما هي حتى زاوية الكاميرا والتشكيل الحركي للممثلين ونوع اللقطات وطريقة تقطيعها، والتي اتسمت برشاقة عالية غير مسبوقة، فأحداث الفيلم التي تقع في ساعة و 40 دقيقة تدور كلها في حيّز جغرافي واحد، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً للمخرج، إلا أن وسام سميرة استطاع اجتياز التحدي برشاقة رغم استنساخ الشكل الإيطالي.

ويحاول نصّ الفلم أن يقول بأننا حقاً لا نعرف بعضنا بعضاً وإن كنا أصدقاء مقرّبين، ففي عصر الهاتف الذكي كل شيء بات سهلاً ومباحاً، رابطاً هذه الفكرة برمزية خسوف القمر الذي كان موعده في ساعة العشاء، فللقمر وجهان لا يمكن مشاهدة أحدهما إطلاقاً، كما يقول شريف.

ينتمي الفيلم إلى نمط أفلام المكان الواحد، حيث تدور الأحداث كلها في حيّز جغرافي واحد، وفي هذه الحالة يدخل الفيلم بتحدٍ مختلف فلا مجال هنا لاستعراض القدرات الإخراجية أو المؤثرات البصرية التي تتكئ غالباً على الطبيعة، ولا مجال لصناعة Action يشدّ عين المشاهد، إنما الحامل الرئيس والمتكَأ الأول هو النص الذي من المفترض أن يكون بطلاً أساسياً إلى جانب التمثيل، وهي معادلة يبدو أن "أصحاب ولا أعز" حققها بتفوّق.

فالنص المكتوب بحذر شديد (كتابة وسام سميرة وغبريال يمين) حرص على بناء بذور "تيمة" درامية منذ البداية حصدها لاحقاً عبر ذُرا الأحداث، تجلّت واضحة في مشهد الختام حيث يقف ربيع بسيارته على جانب طريق الروشة ببيروت ويترجل منها ليمارس التمارين الرياضية التي ينتظر الإيعاز بها من خلال تطبيق إلكتروني على هاتفه يجبره على تنفيذها في أوقات معينة، ليشير إلى مدى تحكم هذه الأجهزة والتطبيقات بنا إلى حد بعيد قبل أن ينتقل بالكاميرا إلى السماء باتجاه القمر الذي كان مخسوفاً قبل قليل.