أستانا-16: دبلوماسية الملف الإنساني

2021.07.05 | 06:21 دمشق

7f5d3fab-22ee-481a-979e-a2c1dcfe3d48.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تعقد جولة جديدة من مسار أستانا حول سوريا في اجتماع هو السادس عشر من نوعه الثلاثاء والأربعاء المقبلين، ضمن مسار تسعى روسيا بكل قوة لمواصلة إحيائه وعكسه على أنه مسار مثمر يعكس إنجازات على الساحة السورية، ولا تزال مصرة عليه لتحقيق شيء ما لتسويق المسار عالميا، وفي ظل غياب أي مواقف دولية حقيقية أمام روسيا فإن تركيا تجد من الضرورة أن تخوض غمار مقارعة الدب الروسي عبر هذا المسار والمضي قدما فيه لتحقيق شيء لصالح السوريين، بعد أن أجبرت الظروف الدولية والمواقف الدولية وخاصة الأميركية تركيا لخوض هذا المسار، والجميع يعلم المآسي الميدانية التي تعرض لها السوريون وخاصة في الجنوب التي كانت تتلقى الدعم المباشر من الدول التي انسحبت لاحقا من هذا الدعم وتركت السوريين وحدهم، وكذا الأمر في الشمال السوري، حيث بقي السوريون وحدهم ما خلا من دعم تركي، وانسحاب الجانب الأميركي بشكل ملحوظ عبر إغلاق غرف العمليات وترك السوريين وحدهم أمام بطش آلة النظام والحليف الروسي والميليشيات المذهبية الإيرانية.

غياب الاستراتيجية الأميركية الواضحة في سوريا والتذبذب المستمر هو الذي جعل روسيا تتفرد بالميدان السوري وتظهر نفسها على أنها الطرف الوحيد القادر على فرض رأيه وشروطه على اللاعبين الدوليين

وليس من المستغرب أن تختار روسيا وتحدد هذا الموعد من الاجتماع، حيث جاء قبيل أيام من انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي للبت بقرار تمديد الآلية الدولية لتمرير المساعدات الإنسانية إلى سوريا، والموقف الروسي المعلن أكثر من مرة عن رفض دخول المساعدات من خلال معبر باب الهوى الحدودي والمطالبة بإدخال تلك المساعدات عبر النظام بهدف إنعاشه وتأهيله والاعتراف به دوليا بشكل جديد، ورغم معرفة روسيا المواقف الغربية الرافضة لدخول المساعدات عبر دمشق؛ لأن النظام طرف غير معترف به وغير مؤهل، وعلى العكس يعتبر طرفا ارتكب جرائم حرب بحق شعبه ويجب أن يعاقب، إلا أنها حاولت الدفع بهذا الاتجاه من أجل فرض نفسها بشكل مستمر كلاعب رئيسي في الملف السوري؛ بسبب وجودها الميداني القوي والكبير، ومن المعروف أن غياب الاستراتيجية الأميركية الواضحة في سوريا والتذبذب المستمر هو الذي جعل روسيا تتفرد بالميدان السوري وتظهر نفسها على أنها الطرف الوحيد القادر على فرض رأيه وشروطه على اللاعبين الدوليين.

وحظيت الملفات الإنسانية على الحوارات التي جرت في الاجتماعات والقمم الدولية التي عقدت خلال الفترة الماضية، وانحصر حضور الملف السوري ضمن هذا الإطار، ولذلك ربما ثمة توافقات جديدة بدأت تلوح بالأفق، وبالتأكيد من بينها توافق على تمديد دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، سواء أكانت 6 أشهر أو لمدة عام، ولكن ربما هناك بعض التوافقات الجديدة، وستتضح تفاصيلها في الفترة المقبلة، وتسعى روسيا لإظهار أن هذه التوافقات هي من مخرجات مسار أستانا الذي ينجز شيئا جديدا يهم المجتمع الدولي في قضية إنسانية تخص سوريا، فمن الضروري للدول الداعمة والأمم المتحدة التي تقدم المساعدات الإنسانية لسوريا أن تكون هناك مظلة قانونية تعمل عبرها على إدخال المساعدات، لأن هذه المظلة القانونية تحفز الدول الداعمة على تقديم المساعدات، والتحرك ضمن الإطار القانوني، وبغياب هذا الإطار فإن المأساة الإنسانية ستتعمق أكثر وهذا ليس من صالح أي دولة في العالم وحتى روسيا التي تدعي أنها لا تعرقل المساعدات الإنسانية.

وبناء على هذه التوافقات، من المنتظر أن يتم تناول هذا المسار الإنساني بشكل مكثف في اجتماعات أستانا التي تعقد في مدينة نور سلطان عاصمة كازخستان، في النسخة الجديدة من الاجتماعات بحضور الدول الضامنة الثلاث تركيا وروسيا وإيران، إضافة لوفدي النظام والمعارضة، والمبعوث الأممي غير بيدرسون والدول المراقبة، ومن اللافت أن الاجتماع كما ذكرنا يأتي قبل أيام قليلة على تصويت مجلس الأمن على تمديد الآلية الدولية، كما أن الاجتماع يأتي بعد أسبوع واحد فقط من قمة جمعت وزيري خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو وروسيا سيرغي لافروف في أنطاليا، وكان هناك حديث عن ترحيل حل هذه المسائل الإنسانية إلى اجتماع أستانا واتخاذ قرارات فيها، لتكون ضمن المخرجات بحسب ما هو منتظر ومتوقع، لتكون إضافة جديدة بحسب روسيا، لمنجزات مسار أستانا في اتخاذ قرارات جديدة.

ومن المؤكد أن هذه التوافقات الجديدة إن حصلت في الاجتماع المقبل ستتضمن تفاصيل أخرى، وهنا جرى الحديث إعلاميا بشكل مكثف في الأيام السابقة، والتحليل بأنه ربما تطالب روسيا بتطبيق اتفاقية الخامس من آذار 2020 بين تركيا وروسيا بإنشاء المنطقة العازلة على الطريق الدولية M4 حلب اللاذقية، استنادا لتصريح لافروف بأنه جرت توافقات على منطقة خالية من الوجود العسكري في إدلب، ولكن المصادر التركية تؤكد بأنه لا تفاهمات ميدانية جديدة تتعلق بانسحابات أو تراجعات، بل على العكس كان هناك حزم تركي بعدم الانسحاب والتراجع عن أي نقطة عسكرية في إدلب، وإن حصلت أي أحاديث ضمن الإطار الماضي، فلن تتعدى بعض التموضعات تبلغ أمتارا قليلة على خطوط التماس، وهذا لا يعني بتاتا تغيرا في الخطوط المرسومة حاليا، بل على العكس هناك حزم وحسم تركي حيال هذا الموضوع بما أنه نقطة تخص أمن المدنيين في المنطقة، والأمن القومي التركي.

وبناء على ما سبق فإن روسيا التي سبق وأن طالبت بفتح معابر إنسانية بين مناطق إدلب ومناطق سيطرة النظام، ربما تدفع وتطالب بقوة إعادة فتح هذه المعابر مجددا بشكل رسمي ومتبادل من الجانبين، وتهدف روسيا تحت ستار الحديث عن المسار الإنساني، تفعيل التبادل والحركة التجارية بين مناطق النظام وإدلب، من أجل إنعاش مناطق النظام التي أنهكها الحصار وسياسات النظام التمييزية، وبات النظام عاجزا عن تقديم أدنى مقومات الحياة في تلك المناطق، وتعمقت الأزمة الإنسانية هناك ما رفع من حدة الغضب داخل مؤيديه، وذلك الوضع الصعب للنظام يدفع الجانب الروسي للبحث عن بدائل لإنعاشه، وإن كان هناك رفض تركي لمعرفته عدم فاعلية هكذا معابر، فإنه قد يقبل ذلك لترى روسيا كيف أن المعابر الإنسانية لن تؤدي لعودة السوريين إلى مناطق سيطرة النظام بسبب عدم وثوقها بالنظام الذي يمكن أن يبطش بهم وتترك الأمر لترى صعوبة تنفيذ وعمل هذه المعابر.

الاجتماع الجديد لأستانا سيكون عنوانه الملف الإنساني، وبالطبع سيتم تناول الأحاديث المتكررة نفسها عن وحدة البلاد ورفض مشاريع الانفصال والإرهاب

فتح المعابر بين إدلب ومناطق النظام لا يعني بالضرورة تخلي روسيا عن مطلبها بتأسيس المنطقة العازلة وفتح الطريق الدولية حلب اللاذقية أمام الحركة التجارية، وتركيا ستتفاعل مع الأمر وتعلن ذلك بشكل مستمر، ولكن هناك خلاف يتعلق بوجهات النظر حيال تنفيذ هذا الأمر، حيث تطلب تركيا إعلان وقف إطلاق نار دائم يرسخ الوضع والاستقرار في المنطقة، وتعمل تركيا بموجب ذلك على تطهير تلك المناطق من العناصر الراديكالية وفتح الطرق أمام الحركة التجارية فقط، ولكن روسيا تطالب بذلك بشكل فوري، وتضغط وتستغل ذلك من أجل التصعيد بشكل مستمر على فصائل المعارضة والمدنيين في تلك المناطق، ولهذا فإن موضوع فتح الطرق وإنشاء منطقة عازلة تبدو بعيدة حتى الآن.

وخلاصة الكلام فإن الاجتماع الجديد لأستانا سيكون عنوانه الملف الإنساني، وبالطبع سيتم تناول الأحاديث المتكررة نفسها عن وحدة البلاد ورفض مشاريع الانفصال والإرهاب، وضبط الهدوء الميداني، وتعزيز عمل اللجنة الدستورية التي من غير الواضح حتى الآن موعد انعقاد جولتها الجديدة، وبالتالي سيتم توظيف واستثمار المسار مجددا من أجل الحديث عن إنجاز إنساني، ومحاولة تسويقه دوليا أمام الدول الغربية وخاصة أميركا التي قاطعت المسار، في ظل غياب وعجز دولي عن وضع موقف واضح إزاء التصرفات الروسية، وترك تركيا وحيدة مضطرة لخوض هذا الغمار والمسار.