أستانا فشل غير معلن

2021.02.20 | 00:00 دمشق

astant.jpeg
+A
حجم الخط
-A

إنها الجولة الخامسة عشر التي تعقدها التروكيا الثلاثية روسيا وتركيا وإيران ضمن هذا المسار الذي ابتدعته روسيا من أجل التملص من القرار الأممي 2254، وقد تم الإعلان عن هذه الجولة في اليوم الثاني للجولة الخامسة من جولات التفاوض الخاصة باللجنة الدستورية التي تم الإعلان عن فشلها التام.

في بداية انطلاق النسخة الجديدة أطلق المبعوث الخاص إلى سوريا ألكسندر لافترنييف تصريحاً لافتاً وهو رفض الولايات المتحدة الأميركية الحضور علماً بأنها قد شاركت سابقاً بصفة مراقب في الجولات الست الأولى، وكان لافتاً حضور العراق ولبنان والأردن وكازاخستان بصفة مراقبين.

ربما لا نكون بحاجة لانتهاء جلسات أعمال هذه الجولة لنتيقن من فشلها، إذ يكفي معرفة غايات الدول المشاركة ومصالحها لنعرف أن الهدف من الاجتماع للجميع هو تزمين الكارثة السورية كل على ساعته، وكل طرف يتأنى في الحصاد لجمع محصول أوفر ولنستعرض أهداف وجدية كل دولة على حدة:

روسيا هي من رفض ويرفض على الدوام وضع إطار زمني لأي عملية تفاوضية خوفاً من الوصول للحل قبل إنجاز صفقة مع الطرف الأميركي..

-روسيا وهي الدولة التي دعت لهذا الاجتماع غير جاهزة اليوم للحل السياسي في سوريا رغم وجود رغبة لها في ذلك، ربما لأن الظرف الذي تنتظره لم يحصل بعد وهو موافقة الولايات المتحدة الأميركية على إجراء صفقة ما مع الروس مع ضمان مصالح روسيا بعيدة المدى في سوريا، وروسيا لا تقبل بضمانة أي دولة عدا الولايات المتحدة لعلمها بأن الدول العربية والإقليمية غير قادرة على تقديم مثل هذه الضمانات أو الوفاء بها مستقبلاً، وربما تكون الصفقة في قضية جزيرة القرم أو أوكرانيا أو غيرها، ولذلك يواصل الطرف الروسي اللعب على خط التسويف والمماطلة وعدم الضغط على النظام للوصول إلى تسوية سياسية، وهنا لابد من الإشارة إلى ما قاله المبعوث الروسي بالأمس لوفد المعارضة المشارك بأن روسيا تقدم النصيحة والاستشارة للحكومة السورية ولكن لا تستطيع إجبارها على السير قدماً في الحل السياسي، علما بأن روسيا هي من رفض ويرفض على الدوام وضع إطار زمني لأي عملية تفاوضية خوفاً من الوصول للحل قبل إنجاز صفقة مع الطرف الأميركي..

ـ تركيا: الطرف التركي كذلك الأمر ليس على عجلة من أمره للوصول إلى صيغة حل قبل الوصول إلى صفقة مع الطرف الأميركي من جزأين، الأول وقف دعم الفرع السوري لتنظيم حزب العمال الكردستاني المصنف جماعة إرهابية من طرف الحكومة التركية، والشق الآخر ضمان أمن حدود تركيا الجنوبية وربما تعديل اتفاق أضنة مع الحكومة السورية لجهة توسعة العمق الجغرافي المسموح للقوات التركية الدخول إليه في الأرض السورية لملاحقة منتسبي حزب العمال، علماً بأن اتفاق أضنة قد سمح للقوات التركية بالدخول لعمق خمسة كيلومترات في إطار الاتفاق والذي كانت مصر وسيطاً به وشاهداً عليه.

أميركا بدورها غير مهتمة بإنهاء الصراع في سوريا بقدر اهتمامها بإدارة الصراع والتدخل الناعم بين الحين والآخر

-إيران هي المستفيد الأول والأكبر من حالة الركود السياسي والانهيار الاقتصادي في سوريا، فهذه هي البيئة المثالية لتحقيق مزيد من الانتشار والسيطرة على الصعيدين الرسمي والشعبي، فعلى الصعيد الرسمي تعد إيران اليوم العصب الرئيس لاستمرار صمود اقتصاد النظام السوري ولو بحدوده الدنيا، مما يراكم مزيدا من الديون عبر خطوط الائتمان المفتوحة، كما يسهل لإيران الانتشار الأوسع على الأرض سواء من خلال الميليشيات المقاتلة أو من خلال نشر الحوزات والمدارس الدينية، أو تدمير البنى الاجتماعية التي لا تستطيع الوصول إليها من خلال الحوزات وذلك من خلال نشر المخدرات بكل أنواعها، فإيران تسابق الزمن من أجل تحقيق أوسع بيئة صديقة ممكنة وخاصة منطقة الفرات وجنوب سوريا، علاوة على أن إيران تريد استخدام سوريا كورقة تفاوضية في أي مفاوضات محتملة حول ملفها النووي مع أميركا وقد سبق أن استخدمتها خلال تفاوضها السابق مع إدارة الرئيس الأميركي أوباما، وبهذا تكون إيران أكبر المتضررين من حصول حل سياسي سريع ولهذا ستعمل بكل قوتها من أجل إفشال أي حل ممكن.

أميركا بدورها غير مهتمة بإنهاء الصراع في سوريا بقدر اهتمامها بإدارة الصراع والتدخل الناعم بين الحين والآخر من خلال تحركات عسكرية محدودة في أماكن وجودها، أو من خلال بعض التصريحات الدبلوماسية الغامضة وجلسات مجلس الأمن، ويبقى الجزء المهم من الكارثة السورية بالنسبة للطرف الأميركي هو أمن الكيان الصهيوني وهذا متفق عليه مع الطرف الروسي ولا خلاف عليه، بل إن الولايات المتحدة تريد خروج كل القوات الأجنبية من سوريا عدا القوات الروسية التي على ما يبدو أصبحت المؤتمنة على أمن حدود الكيان الصهيوني الشمالية.

من خلال هذه القراءة السريعة للمشهد يبقى السؤال ماذا يمكن للمعارضة أن تفعل في ضوء هذا التعطيل المتعمد لجميع المسارات؟

أقل ما يجب على المعارضة السورية فعله هو تمزيق أوراق سوتشي وسحب اعترافه بمخرجاته وحل الهيئة التفاوضية واللجنة الدستورية، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته وإعادة كرة اللهب إلى مجلس الأمن وإلا تكون المعارضة السورية شريكا تاما بكل المؤامرات التي تحصل على الشعب السوري.