أستانا بالدم كمان وكمان

2019.07.28 | 11:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

باتت اجتماعات أستانا حول المسألة السورية متلازمة مع جولات دموية من طرف روسيا والنظام السوري. وصار من شبه المتعارف عليه أن هناك سيناريو روسيا جاهزا يتم العمل به على مرحلتين.

الأولى: أن يمهد الروس والنظام لكل جولة مفاوضات بعمليات قصف جوي تحمل رسائل سياسية واضحة ومحددة. وفي معظم المرات شملت العمليات الروسية التجمعات السكانية والنقاط الحيوية من مشافٍ ودفاع مدني، وذلك بهدف الضغط على وفد المعارضة المفاوض من أجل فرض أجندات سياسية وميدانية داخل الاجتماع. ونادرا ما اقتصرت رسالة روسيا على المعارضة، وغالبا ما تتجاوزها لتذهب نحو الضامن التركي.

والمرحلة الثانية من السيناريو تأتي في ختام جولة أستانا في حال فشل الروس في تحقيق هدفهم من الاجتماع. وفي هذه الحالة يعودون مباشرة إلى سلاح القتل والتدمير، ومثال ذلك الجولة الأخيرة التي اختتمت أعمالها في السادس والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي. وما إن انتهت تلك الجولة حتى بدأ الروس هجوما بريا كبيرا من ريف حماة باتجاه إدلب، وكان الهدف من ذلك اجتياح مركز المدينة. وانطلقت العملية بعد يوم من صدور البيان الختامي لتلك الجولة، والذي نصَّ على "الاتفاق على تفعيل دوريات مشتركة روسية وتركية لمراقبة التهدئة في المنطقة".

وتحدث البيان عن عدة نقاط، كان أهمها اللجنة الدستورية التي بقيت عالقة حتى الساعات الأخيرة، إذ تمَّ الاتفاق على 144 اسما من أصل 150، يتقاسمها النظام والمعارضة السورية، والأمم المتحدة، بينما تم تأجيل الإعلان عن اللجنة حتى وقت لاحق، بسبب الخلاف الذي تركز حول ستة أسماء بين وفدي النظام والمعارضة، حيث ستكون المقاعد المرجِّحة لأي قرار يُتخذ في إعداد الدستور الجديد لسوريا. وتناول البيان ملف المعتقلين، وإيصال المساعدات إلى السوريين، وتهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين من خارج البلاد، وتسهيل العودة الطوعية للاجئين والنازحين داخليا.

تحصل جولات أستانا من أجل توقيع المعارضة في كل جولة على وثائق تتعلق بالحرب على الإرهاب تشرعن قتل المدنيين السوريين

وتبين مرة أخرى أن روسيا تعتبر كل ما جاء في البيان بمثابة حبر على ورق، بينما تحصل جولات أستانا من أجل توقيع المعارضة في كل جولة على وثائق تتعلق بالحرب على الإرهاب تشرعن قتل المدنيين السوريين، وتفتح الطريق أمام مشروع روسيا لإعادة تأهيل النظام السوري ليعود إلى الساحة الدولية من بوابة أستانا التي اخترعها الروس كبديل لمسار جنيف، الذي قام أصلا على ضرورة التوصل إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية في سوريا لا دور فيها لرئيس النظام بشار الأسد ورموز النظام الذين تلطخت أياديهم بالدم، وعليه يجب أن يقدَّموا أمام المحاكم الدولية كمجرمي حرب ومجرمين ضد الإنسانية.

ونحن على أبواب الجولة 13 من أستانا يصعّد الروس منذ أيام عمليات القتل في أرياف حماة وإدلب وحلب. والهدف من ذلك كما جرت العادة الضغط لتحقيق عدة أهداف، منها تمييع الاتفاق الذي حصل حول اللجنة الدستورية، بعد أن أجبرهم الضغط الأميركي على حسم أمر الأسماء الستة محل الخلاف. والهدف الثاني ابتزاز تركيا التي تواجه حملة أميركية واحتمال عقوبات ضدها بسبب صفقة صواريخ إس 400.

صاحب القرار في العمليات العسكرية هو الطرف الروسي، وهذا ما حصل بعد الجولة 12، عندما شن الروس عملية عسكرية واسعة تحت ذريعة إبعاد تهديدات المعارضة عن قاعدة حميميم، وكانت النتيجة أنهم لم يُبعدوا أسلحة المعارضة، ولم تتعرض القاعدة لأي عمليات. ومن الواضح هنا أن الرسالة موجهة إلى تركيا بقدر ما هي تعني المعارضة.

وطالما أن المعارضة لا توقِّع على صكِّ الإذعان الروسي، فإن المجازر الروسية ضد السوريين العزل متواصلة، وهي في تصاعدٍ من جولة إلى أخرى، وفق "مبدأ غروزني" الذي اخترعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشيشان التي حوَّلها من بلد قام من أجل الحرية إلى مستعمرة روسية بالمعنى الرخيص.