أزمة الضمير الغائم وليست السياسة

2022.04.29 | 05:14 دمشق

2022-04-27t152714z_1024805535_rc2kvt9lv2gg_rtrmadp_3_ukraine-crisis.jpg
+A
حجم الخط
-A

جسّد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من شباط الماضي حافزاً قويّاً لدى أكثرية السوريين للتفكير مجدّداً فيما يمكن أن تتركه تلك الحرب من آثار وتداعيات على القضية السورية، بل ربما شطح البعض بالذهاب إلى أن ثمة إرهاصات تنذر بظهور توجه دولي جديد يمكن أن يكون أكثر جدّية وإنصافاً لمعاناة السوريين، علماً أن الحسابات المنطقية حيال هذه المسألة كانت تؤكّد على أن حصول متغيرات في الموقف الدولي إنما هو مرهون بقدرة السوريين أو من يمثلهم سياسياً قبل سواهم، على المبادرة التي من شأنها أن تكون دافعاً مُحفّزاً لدى الآخرين على إبداء مواقف أكثر تفهّماً لما يجري على الأرض السورية منذ أحد عشر عاماً.

وبالفعل لم يطل انتظار السوريين كثيراً، إذ بدأت قيادة الائتلاف منذ مطلع نيسان الماضي بحملة تحت مُسمّى ( الإصلاح)، وظن كثير من السوريين بكل حسن نيّة، أن هذه الإصلاحات التي أُعلن عنها ستكون خطوة ضرورية نحو ترتيب البيت الداخلي، تمهيداً لتأسيس استراتيجية نضالية جديدة في موازاة المستجدات الدولية وفي طليعتها الحرب التي يشنها بوتين على أوكرانيا، إلّا أن واقع الحال قد أفصح عن أن ما بادر به كيان الائتلاف قد أجهز على ما تبقى من نوايا حسنة لدى الجمهور العام، وأكد لهم بنصاعة تامة أن الائتلاف ليس معنياً بما يفكرون ولا تشغله شواغل السوريين، إذ انتهت مبادرته ( الإصلاحية) بانشطارات عاصفة بين جماعاته وأفراده، ولم تكن تلك الانشطارات بسبب خلافات في السياسة أو أي شأن ذي صلة بالصالح العام، بل تعود بمجملها إلى تناحر المصالح الشخصية والحيازة على النفوذ والتشبّث بالمناصب داخل الائتلاف الذي حرص على أن يؤكّد للجميع بأنه ليس كياناً ثورياً سياسياً بل مشروع كيان سلطوي ولو أنه لا يملك مقوّمات السلطة الحقيقية، وما لبث أن تمخّض هذا الانشطار عن جماعتين، وذلك نتيجة التدافع الذي قذف بمجموعة خلف الدائرة، في حين استحوذت الثانية على وسطها غارسةً قدميها بقوة، الأمر الذي حدا بالمجموعة المدفوعة لتعاود كرّة الهجوم من جديد في محاولة لاقتحام خطوط الدائرة والعودة إلى وسط الحلبة.

ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ينشغل العالم أجمع بسيناريو تقويض الحلم البوتيني، كما يتنبأ الكثيرون باقتراب زوال سطوة الشر الروسية، بل تهشّمها على أرض أوكرانيا قبل أن تطول حياة الآخرين من شعوب ودول، ولعل الأهم من ذلك كله، هو عودة القضية السورية إلى واجهة الأحداث – على المستوى الإعلامي على الأقل – إذ إن الحديث عن ضراوة الإجرام الروسي في المدن الأوكرانية، بات يستوجب بالضرورة استحضار الحديث عن إجرام روسيا السابق في معظم المدن والبلدات السورية، بل باتت مدينة (ماريوبل) التي دمّرها الروس قرينة لمدينة ( حلب) التي سبق أن دمر شطرها الشرقي وهجّر أهلها منها بوتين في نهاية العام 2016 ، الأمر الذي يؤكّد أن الأجواء باتت مناسبة جداً، بل موجبة لحضور مبادرة وطنية سورية جديدة، على ضوء المستجدات الراهنة، تُحسن استثمار المنعطف الإعلامي العالمي الكبير تجاه ما فعله الروس في سوريا، بل ربما توقّع كثير من السوريين بأن يكون  للائتلاف  جولات وأنشطة خارجية، لا تستبعد زيارة قيادته إلى أوكرانيا بغية بناء تحالفات جديدة تخرج بالقضية السورية من سياقات أستانا وسوتشي الجامدة، وتحاول الدخول في معادلات سياسية جديدة على ضوء مناهضة أوروبا وأميركا للسياسة الروسية، إلّا أن واقع الحال يؤكّد أن شيئاً مما كان يتوقعه السوريون لم يحصل، ففضلاً عن الشلل السياسي  للائتلاف  وعدم قدرته على مفارقة دوره الوظيفي، فإنه منهمك بإدارة بقايا الصراع بين جهابذته في محاولة لترسيخ التموضعات وحيازة المكاسب من جديد.

ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ينشغل العالم أجمع بسيناريو تقويض الحلم البوتيني، كما يتنبأ الكثيرون باقتراب زوال سطوة الشر الروسية، بل تهشّمها على أرض أوكرانيا قبل أن تطول حياة الآخرين من شعوب ودول

مع بداية شهر رمضان الموافق للثاني من شهر نيسان الجاري، بات معظم السوريين، سواء في المناطق التي تسيطر عليها الطغمة الأسدية، أو في الشمال الشرقي، أو في مناطق اللجوء بتركيا، في مواجهة حقيقية مع كابوس ثلاثي التجليات: أزمة معيشية قوامها ارتفاع شديد للأسعار مقابل انعدام الدخل وعدم توفر فرص العمل، ما جعل المواطن يحار في تأمين قوت أطفاله وأسرته، والقلق الأمني الناتج عن القتال الفصائلي الذي يودي بأرواح المواطنين العزّل، إذ تشير الإحصائيات إلى حصول اثنتي عشرة حادثة اقتتال بين الفصائل العسكرية الموجودة في الشمال السوري خلال شهر رمضان فقط، وقد أودت هذه الاقتتالات بحياة خمسة عشر مواطناً مدنياً، أمّا التجلّي الثالث لهذا الكابوس فيتمثل بارتفاع منسوب الحديث بين عدة دول إقليمية حول إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى الشمال والشمال الشرقي من سوريا، تحت مسميات مختلفة، لكن أيّاً منها لا يتضمن المعنى الحقيقي للعودة الطوعية الآمنة، ولئن باتت تجليات هذا الكابوس تضغط على الأرواح والأعصاب لدى معظم السوريين، بل تقض مضاجعهم ليل نهار، فإن قيادات المعارضة، بشقيها السياسي والديني، باتت نائيةً كلّ النأي عن كل ذلك، إذ يمضي الائتلاف منهمكاً في إدارة الصراع بين فئتيه: الطاردة والمطرودة، وذلك من خلال مشاهد تتكرر كل يوم في ميادين المطاردة التي تواجهنا بها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية وشاشات القنوات التلفزيونية، إلى درجة توحي بأن اقتتال جماعات الائتلاف بين بعضهم بعضا إنما تختزل القضية المصيرية للسوريين، في حين بدا (المجلس الإسلامي السوري) شديد الانشغال والاهتمام بما يمكن أن يشاهده السوريون من مسلسلات تلفزيونية في شهر رمضان، وأصدر – نتيجة لهذا الانشغال – عدة نصائح يحذّر من خلالها ما يمكن أن تخلّفه هذه المسلسلات التي يبثها تلفزيون نظام الأسد من موبقات، من شأنها التأثير على عقول المشاهدين.

وهل تساءل القائمون على المجلس الإسلامي قبل إصدار تلك التوجيهات: هل تقتني جميع العائلات السورية التي تعيش في مخيمات النزوح أجهزة تلفزيون؟ وهل الخطورة تكمن فيما يبثه تلفزيون النظام فقط؟ ألا تبث القنوات الأخرى مسلسلات مشابهة، بل ربما أكثر انحداراً؟ وهل بالفعل يرى المجلس الإسلامي أن أولوية التفكير والتصدّي لخطر القنوات التلفزيونية يتقدّم على التفكير والتصدي للتحديات المعيشية والأمنية التي يواجهها السوريون المسحوقون بطواحين الخوف والجوع؟

بعيداً عن الجدل حول شرعية الكيانات السلطوية في المعارضة السورية، ومن خلال استقراء سلوكها الوظيفي فقط، يتبدّى بوضوح أن البون الشاسع بين المضامين الإنسانية للثورة السورية بصفتها حركة تحرر وطني، وبين سلوك تلك الكيانات لا يعود إلى تمايز في الأشخاص والطبائع والمصالح فحسب، بل إلى تباينٍ شديد التنافر بين مستويين من الوعي، ينبثق الأول من نزوع السوريين نحو الحرية والانعتاق من جميع أشكال الاستعباد، وكذلك من خلال إدراكهم أن مشروع الثورة هو جزء من مشروع إنساني كوني الطابع لا يمكنه أن يقرّ قيمة هنا ويرفضها أو يدينها هناك، بينما ينبثق الثاني من أطر مرجعية، فكرية وعقدية، ما تزال تتوهم أن خطابها الإيديولوجي المهترئ أقوى من صوت الضمير.

كلمات مفتاحية