icon
التغطية الحية

أرض الحروب والحركة المقاتلة.. "طالبان" في أفغانستان

2021.08.15 | 15:33 دمشق

talban.png
مقاتلون من حركة "طالبان" في أفغانستان (AFP)
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

تتصدر أفغانستان في الوقت الراهن سلم ترتيب الأخبار في معظم القنوات العالمية والعربية أيضا، فالكل يترقب ما ستؤول إليه الأمور هناك، فالدولة التي تقع في آسيا الوسطى ذات موقع جيو إستراتيجي كونها تربط شرق وغرب وجنوب ووسط آسيا، على موعد مع تغير جذري في شكلها لجهة الحكم وسيطرة القوى على الأرض في ظل انسحاب أجنبي من على أراضيها استمر وجوده لسنوات طويلة.

فاليوم تسابق حركة "طالبان" الزمن للسيطرة على ولايات أفغانستان وصولا إلى العاصمة كابل لتعلن من هناك انتهاء عهد من تصفهم بعملاء الغرب وتعيد مجددا إحياء عهدها السابق في حكم البلاد.

أفغانستان: أرض الأفغان والحروب

تبلغ مساحة أفغانستان نحو 652.860 كلم²، استقلت عام 1947، وانضمت لـ "منظمة المؤتمر الإسلامي" عام 1969، لا تمتلك سواحل على البحار، وطبيعتها جبلية وعرة بشكل عام مع سهول في الشمال والجنوب الغربي، مع مناخ جاف إلى شبه جاف، وتصنف ضمن البلاد المغلقة التي لا تطل على مساحات مائية.

لديها موارد طبيعية كـ الغاز الطبيعي، النفط، الفحم، النحاس، الكروميت، التلك، الكبريت، الرصاص، الزنك، خام الحديد، الملح، الأحجار الكريمة.

أما التوزع العرقي للأفغان فهو كالآتي: البشتون (الأفغان العرقيون) ونسبتهم 38%-42% والطاجيك 25%. والهزارة 19% والأوزبك 7.5% والبلوش نحو 2% والتركمان نحو 2% ومجموعات أخرى نحو 2%، يتحدث الأفغان مجموعة من اللغات هي البشتو والفارسية الأفغانية (داري) التركمانية.

ويبلغ عدد سكانها نحو 38.928.346 نسمة، وفق إحصاءات عام 2021، يدين الأفغان بـ الإسلام وهو الديانة الرئيسية في أفغانستان، حيث يدين به أكثر من 99% من السكان، ونحو 90% من السكان سنّة ويتبعون المذهب الحنفي، في حين أن 7%-15% من الشيعة، ويتبع معظمهم المذهب الاثني عشري، وهناك أعداد أقل من الطائفة الإسماعيلية، و 1% أو أقل لهم ديانات أخرى مثل السيخية والهندوسية.

حدودها وموقعها

تقع على حدودها الجنوبية باكستان، الدولة النووية حليفة الولايات المتحدة الأميركية. تصلها بالصين حدود ضيقة تسمى "منقار البطة"، غربا تحدها إيران، وفي الشمال تحيط بها 3 دول من آسيا الوسطى هي طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان.

وجعلها موقعها الجغرافي في حالة حرب دائمة، فهي تقع على "طريق الحرير"، وهو مصطلح يستخدم لوصف الطريق التي تصل أوروبا بالهند.

أفغانستان هدف على مدار سنوات

كانت أفغانستان هدفا لكثير من الشعوب الغازية والفاتحين منذ عهد المقدونيين القدماء تحت حكم إسكندر الأكبر، ومرورا بالفتوحات الإسلامية وحكم المغول وغيرهم.

لأفغانستان تاريخ حافل يعود إلى أيام الإسكندر المقدوني الذي عبر أفغانستان ليصل الهند، وبنى مدنا عديدة فيها، مثل مدينة هرات وقندهار وغيرها، وعرفت هذه المناطق حينذاك باسم الإسكندرية تيمنا بالإسكندر.

عملت أفغانستان كمنبع للعديد من الممالك، مثل مملكة باكتريا الإغريقية، والكوشانيين، والهياطلة السامانيين، والغزنويين التيموريين، وممالك أخرى ظهرت في أفغانستان، فشكلت دولا عظمى هيمنت على جيرانها من الممالك الأخرى.

مع ظهور قبائل البشتون في القرن الـ 18، بدأ التاريخ السياسي الحديث لأفغانستان عندما أسس أحمد شاه الدراني سلالة الهوتاكي سنة 1709، حكمها في قندهار، مكونا مملكة دراني سنة 1747، آخر الممالك الأفغانية والأم الشرعية لأفغانستان الحديثة.

وفي عام ،1776 انتقلت العاصمة من قندهار إلى كابل، وقد تنازلت عن معظم أراضيها للممالك المجاورة.

في القرن الـ 19 ورغما عنها، دخلت أفغانستان "اللعبة الكبرى" بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية البريطانية، المتنافستين على شبه الجزيرة الهندية وآسيا الوسطى.

تراجعت وطأة المنافسة المحتدمة الروسية البريطانية على أفغانستان مع بدء الخطر الألماني بمداهمة أوروبا في بداية القرن الـ 20 منذرا بالحرب العالمية الأولى.

لم يعد في وسع روسيا وبريطانيا التصارع على النفوذ في أفغانستان، بل باتت أولوياتهما تقتصر على حماية أقاليمهما الحيوية من ألمانيا، وبذلك تقرر وضع نهاية لهذا الصراع، وهذا ما تجلّى في الاتفاقية الروسية البريطانية عام 1907 التي أرست الحدود المعروفة اليوم لأفغانستان.

الحرب ضد الروس

أدخلت روسيا جيشها إلى أفغانستان عام 1979، بعدما تحوّل النظام الحاكم في البلاد إلى الحزب "الديمقراطي الشعبي الأفغاني" الموالي للاتحاد السوفييتي بعد انقلابين عانتهما البلاد وحرب أهلية دموية، وكانت السعودية وباكستان والولايات المتحدة تدعم "المجاهدين" بالسلاح والمال في أفغانستان، وهي الحركة المعارضة للشيوعيين الأفغان.

منذ رحيل السوفييت عام 1989، دارت رحى العديد من الحروب الداخلية في البلاد، ففي 24 نيسان 1992، تم توقيع اتفاق عرف باسم اتفاق بيشاور من قبل أحزاب الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان السبعة وحزب الوحدة الشيعي والحركة الإسلامية (محسني).

وتم الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة لمدة شهرين وعلى رأسها صبغة الله مجددي، ثم يتبعه ولمدة 4 أشهر برهان الدين رباني.

الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، الذي كان مواليا لباكستان، رفض الاتفاقية رغم توقيعه عليها، فهاجم كابل وانهارت الاتفاقية، وبقي رباني في رئاسة الدولة.

وفي 7 آذار 1993، عادت الأحزاب المتناحرة لتجتمع في إسلام آباد بباكستان بعد حرب ضروس ومعارك طاحنة في كابل، وتم توقيع اتفاقية عرفت باتفاقية إسلام آباد، شاركت فيها السعودية وباكستان.

ونصت الاتفاقية على أن لرباني رئاسة الدولة لمدة 18 شهرا، وقلب الدين حكمتيار يتولى رئاسة الوزراء، وأن يتم إيقاف إطلاق النار، لكن الاتفاقية لم تنفذ بسبب اندلاع القتال من جديد بين رباني وحكمتيار بسبب الاتهامات المتبادلة بين الحزب الإسلامي والجمعية.

ومطلع كانون الثاني 1994، تعرض برهان الدين رباني لمحاولة انقلاب بيد تحالف بين حكمتيار وعبد الرشيد دوستم وصبغة الله مجددي وحزب الوحدة الشيعي، لكن الانقلاب فشل وتم تجديد فترة حكم رباني لعام آخر في تموز 1994.

حركة "طالبان": النشأة والصعود 

ظهرت الحركة خلال الحرب الأهلية التي أعقبت انسحاب القوات السوفييتية في عام 1989، وكانت توجد بشكل أساسي في الجنوب الغربي ومناطق الحدود الباكستانية.

وتعهدت الحركة في البداية بمحاربة الفساد وإحلال الأمن، لكن عناصرها يُتهمون باتباع نمط متشدد من الإسلام.

في تشرين الثاني 1994 بدأ نجم "طالبان" يتصاعد، وخلال عامين سيطرت على معظم مناطق أفغانستان، ودخلت كابل عام 1996 وأعلنت نفسها الحاكمة للبلاد بإزاحة رباني وحكمتيار.

واستمرت سيطرة "طالبان" حتى بدأت القوات الأميركية وحلف "الناتو" بضربها في السابع من تشرين الأول 2001 بسبب هجمات 11 من أيلول 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالميين في نيويورك، وحمل المسؤولون الأميركيون حينئذ تنظيم "القاعدة" وزعيمها أسامة بن لادن المسؤولية عن الهجوم، وكان بن لادن في أفغانستان، تحت حماية حركة "طالبان" التي رفضت تسليمه.

وبعد الإطاحة بالحركة تولت حكومة أفغانية جديدة زمام الأمور في عام 2004، لكن هجمات طالبان استمرت وأعادت تنظيم نفسها من جديد في المناطق الحدودية الباكستانية، وبتعداد يصل إلى 85 ألف مقاتل، يُعتقد أنهم الآن أقوى من أي وقت مضى.

ومع نهاية عام 2014 الذي يعد أكثر الأعوام دموية منذ عام 2001، أنهت قوات "الناتو" الدولية مهمتها القتالية، وتركت مسؤولية حفظ الأمن للجيش الأفغاني، وأعطى ذلك زخما لـ "طالبان" لتستولي على مزيد من الأراضي وقد فعلت ذلك.

وفي شباط 2020 في قطر بدأت محادثات السلام بين الولايات المتحدة و"طالبان" وغابت الحكومة الأفغانية عن تلك المحادثات إلى حد كبير، وجاء الاتفاق على انسحاب أميركا من أفغانستان.

لكن هذا الاتفاق لم يكن كفيلا بإيقاف هجمات طالبان - بل حولوا تركيزهم بدلاً من ذلك إلى استهداف قوات الأمن الأفغانية، واغتيال شخصيات محددة، كما توسعت رقعة سيطرتهم لتشمل العديد من المناطق.

قادتها

تولى زعامة الحركة الملا عمر، الذي فقد إحدى عينيه خلال قتال القوات السوفييتية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي آب 2015 اعترفت "طالبان" أنها أخفت لمدة عامين خبر وفاة الملا عمر. وبعد ذلك بشهر أعلنت الحركة أنها توحدت تحت قيادة الملا منصور الذي كان نائبا للملا عمر لفترة طويلة.

ولقي الملا منصور حتفه في غارة لطائرة أميركية بلا طيار في آيار عام 2016 ليحل نائبه المولوي هيبة الله أخنوزاده.

وفي تشرين الثاني عام 2013، أفادت تقارير بمقتل زعيم حركة "طالبان" في باكستان، حكيم الله محسود، في غارة جوية أيضا.

ووقع الهجوم الذي يمكن أن يقال إنه أثار أكبر قدر من الانتقادات الدولية لحركة "طالبان" في تشرين الأول عام 2012، حين هاجمت الحركة منزل الطالبة ملالا يوسف زاي في بلدة منغورا.

رررر.PNG
الملا عمر زعيم حركة "طالبان" السابق
العودة

ومنذ شهر أيار الماضي، تصاعد العنف في أفغانستان مع اتساع رقعة نفوذ الحركة، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأميركية المقرّر اكتماله، نهاية شهر آب الجاري.

وحقّقت حركة طالبان إنجازات ميدانية كبيرة خلال زحفها الرامي إلى إحكام سيطرتها على عموم أفغانستان، حيث باتت على بعد كيلومترات معدودة عن العاصمة كابل، التي بقيت تحت سيطرة الحكومة الأفغانية مع أجزاء صغيرة وسط وشرقي البلاد.

وكان قد أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن ثقته في أن مسلحي "طالبان" لن يطيحوا بالحكومة في كابول.

لكن تقييما استخباريا أميركيا صدر في حزيران الماضي خلص إلى أن ذلك قد يحدث بالفعل في غضون ستة أشهر من رحيل القوات الأميركية.

وبحلول آب الحالي، كانت طالبان تسيطر على نحو نصف البلاد، وفقا لبحث أجرته قناة "بي بي سي" الأميركية.

وما زال القتال مستمرا بين قوات الحكومة الأفغانية وطالبان في عدد من المناطق المتنازع عليها، وكانت معارك عنيفة تدور في عدد من المدن الرئيسية، وكان العديد منها في يد الحركة، في الوقت الذي تقول فيه الولايات المتحدة إنها ستحتفظ بما يتراوح بين 650 و 1000 جندي لحراسة سفارتها ومطار كابول والمنشآت الحكومية الرئيسية الأخرى. وقالت "طالبان" إن أي جنود أميركيين متبقين قد يصبحون عرضة للاستهداف.