أردوغان وبوش - ترامب والشرع.. هل تُقرأ الرسالة من أعلى أم من أسفل؟

2025.05.29 | 13:55 دمشق

آخر تحديث: 29.05.2025 | 14:18 دمشق

5365
+A
حجم الخط
-A

قبل أقل من شهر من عملية 11 سبتمبر 2001، تأسس حزب العدالة والتنمية التركي في 14 أغسطس من العام نفسه، كان ذلك الفوز نقطة مفصلية وجوهرية في التحرك الأميركي بالمنطقة بعد حدث مهول ما زالت الروايات كلها غير دقيقة عن صحة ما جرى فيه.

نشأ حزب العدالة والتنمية من كتلة وازنة من المحافظين وبقايا الوسط ومجموعات متنوعة (حزب الفضيلة، وحزب الوطن الأم، وحزب الطريق القويم) مؤسسون لم يكونوا يرون في الخط التقليدي للإخوان المسلمين أي حلول ممكنة، خصوصاً مع الخسارات المتلاحقة والانقلابات التي جرت عليهم بقيادة أبو الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان (رحمه الله).

كان فوز العدالة والتنمية غريباً وجنونياً بالنسبة للمنطقة، قيادات شابة، محافظة، في حزب ينفي إسلاميته بشدة، يؤمن باقتصاد السوق المؤيد لليبرالية، يدعم عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، ألوان برتقالية حيوية وشعار "اللمبة" المتقدة، يبحث مؤسسوه عن عدالة وتنمية في بلد أكلته نخبة فاسدة وعسكر متسلطون كثيرو الانقلاب.

في الانتخابات الأولى للحزب، حاز 34.28% من الأصوات فقط (363 مقعداً) مكنته من تأسيس أول حكومة منفردة بقيادة عبد الله جُل ثم أسقطت التهم عن أردوغان ليتسلم دفة القيادة منذ مارس عام 2003 حتى الآن.

قبل أن يتمكن أردوغان من قيادة الحكومة، دعته الإدارة الأمريكية بإدارة جورج بوش الابن لزيارة البيت الأبيض كرئيس الحزب الفائز بالانتخابات، وفعلاً حدثت الزيارة في 10 ديسمبر 2002، كان لقاءاً مثمراً شمل جورج بوش ونائب الرئيس ديك تشيني وكولن باول وزير الخارجية وأعضاء آخرين بالإدارة.

لم يخرج تماماً ما حصل في ذلك الاجتماع، ولا أظنه سيخرج، الواقع أن أميركا كانت تعد العدة لحرب ضروس في العراق، ولم تكن تريد من تركيا أي تشويش، هل كانت تركيا أصلاً تستطيع منع الحرب؟ الحقيقة لا. هل كان التشويش سيجدي نفعاً؟ ربما إلى حد كبير، لكن سيكون الوضع في تركيا انقلاب عسكري جديد ببساطة ينهي تجربة وليدة هي "العدالة والتنمية" التي تمكنت بقراءة سياسية واعية من تجنب انقلابات كثيرة، لعل أهمها "أول الحكم"، ومن ثم تجاوز الكثير من المطبات والتحديات والمحاولات.

في 14 مايو 2025، التقى الشرع مع ترامب في السعودية، بحضور ولي العهد محمد بن سلمان، في مفاجأة مدوية، دخلت التاريخ السياسي للمنطقة، رجل كان في القاعدة التي نفذت 11 سبتمبر يلتقي مع الرئيس الأميركي الذي يضعه على لوائح الإرهاب في الرياض التي خرج منها بن لادن، يمكننا الحديث عن صورة العام التي تختارها الوكالات سنوياً، هذه تفوز، المهم من حضر الاجتماع إنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الاتصال الرقمي.

هل قرأ الشرع تلك الزيارة التي أجراها أردوغان إلى واشنطن، هل عرف أنه عندما كان شاباً تائهاً في دمشق، لا يعرف ماذا سيحل به بعد سنوات فقط؟، هل سمع الخبر على شاشة الجزيرة "أردوغان يلتقي جورج بوش في واشنطن"، انتهى الخبر. بعد أشهر قليلة، الدبابات الأميركية تدخل مطار بغداد الدولي، ويستنفر الشباب إلى العراق ويذهب بنفسه ليعاين "فليس الخبر كالعيان".

هل أعاد قراءة السياسة الأميركية وعرف أن ديك تشيني هو أكثر نائب رئيس أميركي كان يحكم، ولديه نفوذ واسع على بوش الابن والإدارة الأميركية، وهو من التقى بأردوغان مطولاً أيضاً، ويحمل العديد من مواصفات ترامب في شخصيته، إلا أن ابنته "المثلية" حالت دون ترشحه للانتخابات التالية على الحزب الجمهوري فضاعت فرصه كلها.

ماذا جرى في الاجتماع بين ترامب والشرع وأردوغان أيضاً، مفارقات عجيبة وتشابهات تشعرنا بأن التاريخ يتكرر على أشكال مختلفة، وبظروف أشد صعوبة، هل تطرقوا إلى العراق؟ هل ناقشوا مساعي ترامب للفوز بجائزة نوبل للسلام؟ أم اقتصر الأمر على عدم التشويش كذلك.

حروب أخرى تجري في المنطقة، غزة عارها كبير جداً إنسانياً وإسلامياً ودينياً، لا أحد يستطيع إيقافها وإيقاف معاناتها مع كل أسف، البعض يريد وأد التجربة من أجل التشويش، والبعض يريد الاستمرار مهما كلف الأمر، وآخرون يريدون الحلول الوسطى التي تراعي واقع أهلنا وأحبتنا في الأراضي المحتلة.

في البيان الذي أصدره، المبعوث الأميركي توماس باراك (سفير تركيا أيضاً وصديق مقرب لترامب)، يقول لنا بعد لقائه الرئيس أحمد الشرع في إسطنبول - عدنا إلى تركيا من جديد - : إن "الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدوداً مرسومة بالحبر وإن اتفاقية (سايكس بيكو) قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام.

واعتبر باراك (اللبناني الذي يعرف المنطقة جيداً ويتقن العربية أيضاً) أن ذلك التقسيم كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها ولن يتكرر مرة أخرى، وأن زمن التدخل الغربي انتهى وأن المستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل.

وأشار باراك إلى أن مأساة سوريا ولدت من الانقسام وأن ميلادها الجديد يأتي عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها، مضيفاً "نقف إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا ليس بالجيوش وإلقاء المحاضرات أو بالحدود الوهمية".

وأكد باراك على أن ولادة سوريا الجديدة تبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع المنطقة، وأن سقوط نظام بشار الأسد فتح باب السلام وأن رفع العقوبات سيمكّن الشعب السوري من فتح الباب واستكشاف الطريق نحو الازدهار والأمن.

بيان يحكي لنا، كيف يفكر الأميركيون، وكيف يمكن فهمهم؟ تحالف مع من يقرأ الرسالة من أعلى إلى أسفل، يعرف العنوان جيداً ثم يطرق الباب الصحيح ويدخل بعد المصافحة والسلام، بيان عاطفي وشعبي لمبعوث ترامب إلى سوريا، إلا أنه لحظة من لحظات المرحلة كذلك.

هناك في شارع بنسلفانيا 1600 شمال شرقي واشنطن العاصمة، يوجد بيت يعيش فيه شخص قد كتب الرسالة وعنونها وختم عليها، ولا يستطيع دخوله أو دخول غيره من لم يقرأها جيداً من أعلى إلى أسفل، وفي السياسة إن تهيأت الظروف (ثورة شعبية عظيمة حققت النصر بتضحيات شعبية هائلة) والهمة والسعي وحسن التدبير وسعة الأفق والهدوء كل ذلك ممكن، وبعض من الحظ وحسن الطالع أيضاً.