أحمد جبريل في عيون شخصيات عرفته

2021.07.12 | 15:16 دمشق

646f665574.jpg
+A
حجم الخط
-A

توفي قبل أيام أحمد جبريل قائد الجبهة الشعبية، وألحق باسم جبهته وسم "القيادة العامة" لتمييزها عن الجبهة الشعبية الأم التي انفصل عنها أحمد جبريل ليقود تنظيمه الخاص ولحساب سياساته الخاصة.. ولد الرجل في فلسطين ولكنه أخذ جنسية سوريا وعاش حياته سورياً بطابع فلسطيني، كان قريبا من القيادات السورية وقريبا من سياساتها وبشكل خاص ما بعد العام 1970. فتح له نظام البعث في سوريا مجالات حتى "يقاوم" فيها ويثبت إخلاصه للقضية، وبعد "نضال" طويل وعمر امتد إلى ثلاثة وثمانين عاما، توفي الرجل في مستشفى سوري ونعته السلطات السورية ودفن في سوريا أيضا.. اختار أحمد جبريل أن يناضل بالطريقة المريحة والمربحة وتلطى في ظل نظام مراوغ استفاد من وجوده قريبا منه وتمتع بميزاته، ولكن إنجازه الفلسطيني ظل موضع شك كبير، رغم الدعاية المجلجلة التي رافقت عملية تبادل الأسرى الشهيرة التي قادها وأطلق بموجبها شخصية مهمة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو الشيخ أحمد ياسين. مر تاريخيا بالقرب من أحمد جبريل عدد من الشخصيات العامة تحدثوا عنه بمعرض تذكرهم وهنا نورد شهادتين منها لمجرد التذكير بتاريخ رجل توفي مؤخرا:

 يتذكر مطيع السمان في كتاب وطن وعسكر عندما كان يترأس قوى الأمن الداخلي في أواخر العام 1962، أن أخبارا وصلت إليه بأن مجموعة من الشبان تتدرب على السلاح في ضواحي دمشق، أوعز السمان إلى مفرزة للقيام باعتقالهم وإحضارهم إليه، وعندما دخل رئيس المجموعة إلى مكتب السمان سأله عن اسمه وعمله، أفاد الشاب بأن اسمه أحمد جبريل ويعمل ملازما في الجيش، وقال إنه قد جمع مجموعة من الشباب الفلسطيني للتدريب على السلاح للمساهمة في تحرير وطنهم، ويقول السمان بأن جبريل كان يتحدث بوطنية صادقة وحس ثوري فتعاطف السمان مع الملازم الشاب وشد على يده وسأله أن يعطيه أسماء رفاقه وأوقات تدريباتهم ليساعدهم في إتمام مهامهم على أكمل وجه، ثم يتابع السمان حديثه قائلا ولم أر السيد جبريل بعد ذلك أبدا!.

في مطلع السبعينيات وكان السمان قد ترك منصبه والجيش كله وكان قادما من السعودية إلى بيروت لزيارة العقيد هشام العظم المشرف على تحصينات جبهة التحرير الفلسطينية، ودعاه العقيد العظم إلى الغداء وقال له بأن مجموعة من الأصدقاء سيحضرون الغداء ومنهم أحمد جبريل، ولكن السمان يقول بأنه اعتذر عن حضور الغداء لارتباطه المسبق بموعد آخر وحمّل السمان صديقه العظم تحياته إلى كل الحاضرين وأبلغه عميق اعتذاره عن الدعوة، وبعد أيام التقى العقيد هشام العظم والسمان مرة أخرى وجرى تبادل عام للأحاديث إلى أن قال العقيد هشام للسمان: هل صحيح بأنك عاقبت أحمد جبريل بالسجن خمسة وعشرين يوما لأنه كان يقوم بالتدريبات على السلاح مع رفاقه؟ يبدي مطيع السمان أسفه على هذا الحادث الذي بدر من جبريل ويقول بأنه كان يستطيع أن يوقع عقوبات قاسية بجبريل ولكنه لم يفعل لأنه ببساطة اقتنع بكلامه الطافح باللهجة الثورية وأسره حماسه.. ( وطن وعسكر مطيع السمان ص 174)  

يذكر ممدوح نوفل نقلا عن زعيم حزب الله السابق عباس الموسوي أنه روى، أثناء حصار إسرائيل لمنظمة التحرير في بيروت، أن مبعوثين من ياسر عرفات إلى أمين الجميّل قد عرضا موافقة عرفات على التفاوض لللعثور على حل للوضع القائم في بيروت، فنقل أمين الجميّل إلى مبعوثي عرفات شروط فيليب حبيب وأرييل شارون وهي كما يلي: الموافقة على انسحاب أبو عمار ومقاتلي الثورة وكوادرها من بيروت كأفراد ودون أي معدات عسكرية وبلباس الصليب الأحمر الدولي وفي سياراته وبواخره، ومن الواضح أن هذا الاقتراح يحمل إذلالا عميقا لمنظمة التحرير وقيادتها وصورتها الشعبية. دعا أبو عمار بعد تلقيه هذه المطالبات لاجتماع عقد في ملجأ تحت الأرض، وتم عرض جواب حبيب وشارون على القيادات الموجودة وقد أعطى بعض القادة جوابا فوريا ووافقوا على الحل المقترح ودافعوا عن وجهة نظرهم، يستفسر نوفل من عباس الموسوي عن أسماء بعض هؤلاء القادة الذين وافقوا فورا، فيرد الموسوي بأن الأخ أحمد جبريل كان أبرز أصحاب وجهة النظر هذه، ويومئذ بقي أبو عمار صامتا وسمع آراء الجميع وسجلها في دفتره، ثم طلب تأجيل الاجتماع لليوم التالي لعمل استخارة. يتابع الموسوي قائلا، بأن أبو عمار يومها توضأ ثم انزوى في غرفة مجاورة وغاب ما يقارب الثلث ساعة عاد بعدها وقال: هبت رياح الجنة يا إخوان.. (قصة الحرب على المخيمات في لبنان ص 317)

ذهب عرفات وهشام العظم والآن يذهب أحمد جبريل بطل هاتين القصتين، وهو يحمل إرثا مريبا، وقد بقي على رأس تنظيم فلسطيني أسسه وأداره و"ناضل" به وتوفي وهو على رأس عمله، ولا أحد يدري ما سيحل بهذا التنظيم بعد وفاته، لكن قد يرثه أحد أبنائه كحلّ تقليدي غالبا ما يصار إلى اللجوء إليه في سوريا وكل ما يمت لنظامها بصلة.

 

كلمات مفتاحية